لهذا نتوقع استمرار مشكلة الدولار بمصر في السنوات المقبلة

ارتفاع أسعار الدولار مقابل الجنيه أزمة الاقتصادي المصري (رويترز)

حسب بيانات جهاز الإحصاء الحكومي الرسمي بلغت قيمة الصادرات السلعية المصرية في العام الماضي 42.1 مليار دولار، وبلغت قيمة الواردات 83.2 مليار دولار؛ ليصل العجز التجاري بين الصادرات والواردات 41.1 مليار دولار.

وهذا العجز الكبير قياسا بمجموع الموارد الدولارية، سيكون السبب الرئيسي في استمرار مشكلة نقص الدولار خلال السنوات المقبلة، والاضطرار إلى خفض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي مرة أخرى خلال الفترة المقبلة طالت أم قصرت، حيث إن كبر قيمة العجز يجعله يستوعب الفائض المتكرر بميزان التجارة الخدمية والفائض المتحقق من تحويلات العمالة المصرية، إلى جانب عجز آخر نتيجة مدفوعات فوائد استثمارات الأجانب بمصر وفوائد الدين الخارجي المتزايدة.

وهذا العجز التجاري يمتد عمره إلى خمسين عاما منذ عام 1973 بلا انقطاع في أي من السنوات الماضية، وتزايدت قيمته تدريجيا خلال تلك العقود الخمسة مع تذبذبها فيما بين السنوات المتتالية، وكان أعلى رقم له حسب جهاز الإحصاء عام 2015 حين تخطى 52 مليار دولار، والسبب الرئيسي في ذلك هو اعتماد الصادرات المصرية على مكونات أجنبية بدرجة كبيرة، أي أن زيادة الصادرات تتطلب زيادة الواردات من مواد خام وسلع وسيطة وسلع استثمارية، ومن ثَمّ فإن الرقم الحقيقي للعجز التجاري أكبر من الرقم المُعلن، إذا أضيفت إليه قيمة المكونات المستوردة داخل تلك الصادرات.

ولهذا طالب المتخصصون منذ سنوات بأن يزيد اعتماد الصادرات المصرية على مكونات محلية، مثل الصادرات التي تعتمد على مكونات زراعية مصرية، لكن الاستجابة لهذا المطلب لم تتحقق بالقدر المطلوب، وما زالت المكونات الأجنبية تشكل أكثر من 60% من الصناعات المصرية بدون إضافة الوقود المستورد.

  الصادرات بالمركزي أقل من جهاز الإحصاء

كما أن هناك عاملا آخرا وهو أن قيمة الصادرات المصرية ليست كلها مملوكة للمصريين سواء من شركات حكومية أو شركات خاصة، بل هناك قدر منها للشركات الأجنبية العاملة بمصر، وهو ما يتضح بقطاع النفط والغاز الطبيعي، وستزيد نسبته بالقطاعات الأخرى في ضوء بيع حصص من الشركات المصرية التصديرية مثل شركات الأسمدة.

ويتضح ذلك في اختلاف رقم الصادرات خلال العام الماضي بين بيانات جهاز الإحصاء وبيانات البنك المركزي المصري، حيث تعتمد أرقام جهاز الإحصاء على بيانات هيئة الرقابة على الصادرات والواردات، في حين تعتمد بيانات البنك المركزي على التدفقات التي دخلت البلاد بالفعل نتيجة تلك الصادرات، ولهذا نجد رقم جهاز الإحصاء 42.1 مليار دولار، ورقم البنك المركزي لصادرات نفس العام 34.6 مليار دولار بنقص 7.5 مليارات دولار عن بيانات البنك المركزي.

عامل آخر يشير إلى أن رقم العجز التجاري المعلن سواء من قبل جهاز الإحصاء أو البنك المركزي لا يعبر عن الواقع الحقيقي له، وهو أن هناك تلاعبا من قبل كثير من المستوردين بخفض قيمة فواتير الاستيراد، حتى يدفعوا جمارك أقل عليها، وكان محافظ البنك المركزي السابق طارق عامر قد قدر هذا الفارق بنحو عشر مليارات من الدولارات خلال العام الواحد.

وتضاف إلى ما سبق المعاملات الاستيرادية التي لا تدخل في البيانات الرسمية أيًّا كان مصدرها مثل عمليات تهريب السلع، حيث يعتمد قطاع الملابس الجاهزة بشكل كبير على الأقمشة المهربة من الخارج.

وكلما زادت القيود على الاستيراد كما حدث في العامين الأخيرين تزيد عمليات التهريب، سواء لأجهزة التليفون المحمول أو مستلزمات التجميل والأدوية، أو الجِمال وغيرها. وإلى جانب كل ما سبق هناك الواردات غير الشرعية كاستيراد المخدرات بأنواعها والسلاح، وهي سلع عليها طلب كبير متجدد ويعمل بها تجار متخصصون وعمالة بشكل منظم.

وهكذا ومن كل ما سبق فإن حجم العجز التجاري أكبر من الأرقام الرسمية له؛ مما يزيد من تأثيره في طلب الدولار في كل وقت، سواء كانت هناك أزمة أم لم تكن.

   العجز التجاري زاد أم نقص؟

وبالطبع ستجد الإعلام الحكومي يركز في بياناته على انخفاض قيمة العجز التجاري حسب بيانات الإحصاء إلى 41.1 مليار دولار العام الماضي، مقابل 44.1 مليار دولار في العام الأسبق بنقص حوالي 3 مليارات دولار، بل إن هذا العجز في العام الماضي كان أقل مما كان عليه عام 2021 حين بلغ 45.6 مليار دولار، والسبب معروف للكافة وهو إجراءات الترشيد للاستيراد التي بدأت مع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير/شباط عام 2022.

وهو الترشيد المستمر حتى الآن الذي تسبب بالفعل في انخفاض قيمة الواردات بنسبة 13.5% العام الماضي مقارنة بالعام الأسبق؛ مما أدى إلى تراجع قيمة الصادرات بنسبة 19% في نفس الفترة، فإذا كانت قيمة الواردات قد نقصت بنحو 13 مليار دولار فإن قيمة الصادرات قد انخفضت بقيمة 10 مليارات دولار.

والغريب هنا أنه في حين انخفضت قيمة العجز التجاري حسب جهاز الإحصاء بقيمة 3 مليارات دولار العام الماضي عن العام السابق له، أخذت بيانات العجز التجاري لنفس الفترة الصادرة عن البنك المركزي، اتجاها معاكسا حين زادت قيمة العجز بـ3 مليارات دولار، وهنا يجب الاعتراف بصعوبة تحليل بيانات التجارة الخارجية المصرية لدى الباحثين، في ضوء صدور تلك البيانات من كل الجهات المعنية سواء حكومية أو خاصة كأرقام صماء، دون أي توضيح أو تحليل سواء في حالة الارتفاع أو الانخفاض، من جانب العوامل المحلية والدولية.

إذ يتم التركيز فقط على القيمة دون ذكر الكميات سواء للصادرات أو الواردات، ومن ثَمّ يصعب تحديد أسباب زيادة أو انخفاض القيمة، ومدى مساهمة تحركات الأسعار الدولية في ذلك، وكذلك مدى تأثير تغير سعر الصرف في تغير تلك القيمة، وعلى سبيل المثال وفي قطاع واحد كم تبلغ حصة الشريك الأجنبي في صادرات الغاز والنفط، وكم تبلغ حصة واردات الغاز من إسرائيل في صادرات الغاز المصرية.

ولهذا يصعب التحليل الاقتصادي الفاعل للتجارة الخارجية المصرية الرسمية، فما بالنا بإمكانية تحليل التجارة الخارجية غير الرسمية الكبيرة التي لا توجد حتى تقديرات مُعلنة لها!

المصدر : الجزيرة مباشر