لماذا يكرهون “الجزيرة”؟

ثمن الحقيقة، في وداع مصور الجزيرة سامر أبو دقة (غيتي)

(1) المطلوب غياب الشهود

يأتي قرار إغلاق مكتب قناة الجزيرة في إسرائيل يوم الأحد الماضي، متزامنا مع بدء المرحلة الأولى من العملية العسكرية الإسرائيلية في شرق رفح. ويتضمن القرار وقف جميع أعمال وأنشطة القناة داخل إسرائيل، وأمر وزير الاتصالات الإسرائيلي، بمصادرة معدات البث التابعة للقناة، التي تعد واحدة من وسائل الإعلام القليلة التي لديها مكتب عملياتي في غزة.

ولقد اتهمت حكومة الحرب الإسرائيلية “الجزيرة” بأنها منحازة ضد إسرائيل، كما وصفها نتنياهو بأنها “قناة إرهابية”!!! وكان من الضروري إغلاق الجزيرة قبل اجتياح رفح، وهي العملية العسكرية التي يحذر منها الجميع على المستوى الإقليمي والدولي نظرا لنتائجها الكارثية المتوقعة، والمطلوب هو غياب صوت وكاميرا الجزيرة عن موقع الأحداث. كابينيت الحرب في إسرائيل يريد اجتياح رفح دون شهود، ومنذ اللحظة الأولى من عملية طوفان الأقصى كانت قناة الجزيرة شاهدا وموثّقا لما يحدث في غزة والأرض المحتلة، ورغم سقوط شهداء من أطقم العمل وفقدان معظمهم لأفراد من عائلاتهم لم تتوقف طواقم الجزيرة عن القيام بواجبها وهو نقل ما يحدث في غزة للعالم بصدق ومهنية.

(2) أمريكا تطالب بتحجيم الجزيرة

طالما تحدثت الإدارات الأمريكية عن احترامها لحرية التعبير، وحرية الصحافة، والإعلام جزء لا يتجزأ من هذه الحرية، ورغم ذلك لم تدن إدارة بايدن قرار الحكومة الإسرائيلية بغلق مكتب الجزيرة، بل ربما يكون القرار نتيجة نصيحة من الإدارة الأمريكية.

لقد فعلت أمريكا ما هو أكثر بقناة “الجزيرة” أثناء غزوها لأفغانستان والعراق، بسبب تقارير القناة المصورة في البلدين التي اعتبرتها الإدارة الأمريكية متحيزة وتحرض على العنف ضد القوات الأميركية. فلقد قيل إن إدارة الرئيس الأمريكي السابق بوش الابن ضغطت على قطر “لإغلاق القناة أو فرض رقابة عليها” بعد غزو العراق، كما قدم وزير الخارجية الأمريكي حينذاك كولن باول شكوى رسمية بشأن تغطية الجزيرة للحرب إلى وزير الخارجية القطري.

ولقد نشرت صحيفة ديلي ميرور البريطانية قصة على صفحتها الأولى في 22 نوفمبر/تشرين الأول 2005 عن ما وصفته بأنه محضر نقاش بين رئيس الولايات المتحدة جورج دبليو بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير يقترح فيه الرئيس الأمريكي شن غارة جوية على المقر الرئيسي لقناة الجزيرة في الدوحة ومواقع أخرى، وقالت القصة إن بلير أقنع بوش بعدم اتخاذ أي إجراء بهذا الشأن لما سيكون له من عواقب وخيمة.

وذكرت الصحيفة حينذاك أن المذكرة هي سجل للاجتماع بين الزعيمين المنعقد في 16 إبريل/نيسان 2004 أثناء هجوم مشاة البحرية الأمريكية على الفلوجة، وكان مراسلو الجزيرة يبثون فيديوهات حية للقتال الدائر هناك، وفي اليوم السابق للاجتماع، وصف وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد تغطية الجزيرة بأنها “شريرة وغير دقيقة وغير مبررة”. وهي نفس تعبيرات نتنياهو تقريبا في حق الجزيرة.

ورغم نفي البيت الأبيض ورئيس الوزراء البريطاني لهذه الادعاءات الواردة في تقرير الصحيفة البريطانية فإن ذلك لم يؤثر في تصديق العامة لما جاء في الصحيفة لأنه يتسق مع تفكير وسلوك بوش الابن.

الواقع يقول إن موقف أمريكا من قناة الجزيرة لا يختلف كثيرا عن موقف إسرائيل، فكلاهما لا يريد شهودا على جرائم جنوده في حق المدنيين في العراق وأفغانستان وغزة، واحترام حرية التعبير والإعلام هي مجرد شعارات ترفعها الولايات المتحدة الأمريكية في وجه الدول التي تناصبها العداء عند الحاجة، وتتغاضى عنها حين يكون ذلك في غير صالحها.

(3) قصفت الجزيرة لكنها لم تمت

أثناء الغزو الأمريكي لأفغانستان، كانت قناة الجزيرة حاضرة لتنقل للعالم على الهواء مباشرة ما يحدث هناك، ونتيجة لسياستها التحريرية في نقل الأحداث بصدق ومهنية تعرض مكتب الجزيرة للقصف من الجانب الأمريكي، في الثالث عشر من نوفمبر 2001، إذ ضرب صاروخ أمريكي مكتب قناة الجزيرة في كابول، فدمر المكتب ولم تحدث إصابات.

وزير الداخلية البريطاني السابق ديفيد بلانكيت كتب في مذكراته التي نشرت عام 2006، أنه نصح رئيس الوزراء توني بلير في أواخر مارس/آذار 2003 بقصف أجهزة إرسال الجزيرة في بغداد!!

وفي 8 إبريل 2003، أصاب صاروخ أمريكي مولدًا كهربائيًّا في مكتب الجزيرة في بغداد. وأدى الحريق إلى مقتل المراسل طارق أيوب وإصابة موظف آخر.

وفي 29 سبتمبر/أيلول 2003 نشر فرانك جافني مقال رأي يدعو إلى “إسقاط” قناة الجزيرة “بطريقة أو بأخرى” لأنها “عدو لي” بحسب تعبيره. وفرانك جافني هو مؤسس مركز أبحاث هامشي يدعى “مركز السياسة الأمنية” وسبق أن عمل أربع سنوات في وزارة الدفاع الأمريكية في فترة رئاسة رونالد ريغان، وهو أحد أعتى دعاة الإسلاموفوبيا بأمريكا.

ولقد قصفت إسرائيل مكاتب الجزيرة في برج الجلاء بمدينة غزة في مايو 2021.

إنهم يخافون من تأثير الجزيرة نظرًا لنسبة المشاهدة الواسعة للقناة في العالم العربي، فالحقيقة ترعب الطغاة والمجرمين، لكن ما تتعرض له الجزيرة في مناطق مختلفة في العالم، لم يكسر عزيمتها وكما يقول المثل: الضربة التي لا تقتل تقوّي، قصفت الجزيرة مرارا وتم إعلان الحرب عليها من دول وحكومات لكنها لم تمت ولن تموت.. لأن الأفكار والقيم لا تموت.

المصدر : الجزيرة مباشر