إغلاق مكتب قناة الجزيرة.. نتنياهو و”إتقان” صناعة الفشل

مبنى قناة الجزيرة بالدوحة (الفرنسية) (الفرنسية)

بعد 7 أشهر من حرب شرسة “تنفس” فيها نتنياهو وحكومة حربه كل أنواع الفشل؛ توصل إلى حل “توهم” أنه يخرجه من كل أزماته فأغلق قناة الجزيرة!! وكأنه كمن يهرب من “مواجهة” احتراق بيته بمنع الآخرين من الحديث عن الحريق، وكأنه بهذا “الإلهاء” المتعمد عن خسائر الصهاينة المتنامية في الحرب يعطي نفسه قبلة الحياة.

ارتدى نتنياهو أقنعة النصر “المهترئة” والفاضحة لفشله، وأعلن بزهو “وصلف” الانتصار على حرية الصحافة ممثلة في الجزيرة.

اقتحم جنود صهاينة مقر القناة  مدججين بالأسلحة ومعهم فريق تصوير ليسجل انتصارهم “التاريخي” على صحفيين لا يملكون إلا كاميراتهم وميكرفوناتهم؛ ليكرسوا انتصارهم “الوحيد” في المقتلة كما قال وائل الدحدوح مراسل الجزيرة بعد استشهاد نجله وبعض أفراد أسرته؛ فالصهاينة ينتصرون -فقط- على المدنيين العزل ويكرهون من “يفضح” زيفهم بكل مهنية وبنشر الحقائق مع منحهم “الفرصة” لطرح آرائهم “انحيازًا” لحق المشاهدين في معرفة ما يقوله العدو “بلا” وصاية على عقولهم؛ إذ أتاحت الجزيرة الفرصة للمتحدث العسكري لحماس ولقادتهم وللمتحدث العسكري الإسرائيلي ولقادتهم أيضًا.

“فش خلق”

تباهى وزير الاتصالات الصهيوني بنشر فيديو إغلاق مكاتب قناة الجزيرة في القدس؛ وهو الفيديو “الوحيد” لهجوم صهيوني يحقق فيه الفوز على “هدفه”.

كان يمكن إغلاق القناة بلا هجوم مسلح؛ فيكفي إصدار قرار بإنهاء التصريح لها بالعمل؛ لكن الصهاينة كانوا “يحتاجون” إلى أي انتصار أو “فش خلق” ردًّا على بث الجزيرة المتواصل منذ السابع من أكتوبر ليلًا ونهارًا “لتفاصيل” حرب إبادة غزة وفضح الفشل “الاستراتيجي” للصهاينة الذي لم تنفرد الجزيرة بكشفه؛ فقنوات الصهاينة “تكيل” الاتهامات لنتنياهو وحكومته، وقد اعترف بايدن بأن إسرائيل تقوم بقصف عشوائي، وكرر بلينكن دعوته إلى “تقليل” استهداف المدنيين.

اتهم نتنياهو مراسلي الجزيرة بالإضرار بأمن إسرائيل والتحريض ضد الجنود، وقال: حان الوقت لإخراج الناطق بلسان حماس من بلادنا!! وهو يجهل أنه أعلن بهذا البيان “هشاشة” أمن إسرائيل الذي يضره مراسلو قناة، ويبدو أنه فقد توازنه السياسي لفشله في “ابتزاز” قطر بالزعم بأنها لا تضغط كما ينبغي على حماس وأقدم لأول مرة على إغلاق وسيلة إعلام أجنبية.

يتوهم نتنياهو أن إغلاق الجزيرة في القدس المحتلة “سينهي” دورها في الإعلام؛ وتناسى أن القناة واصلت دورها بعد تعمد قتل شيرين أبو عقلة منذ عامين وبعد استشهاد بعض صحفيها ومصوريها في غزة مؤخرا، ويتجاهل “استحالة” إخفاء مجازره وسط الثورة الإعلامية ودور وسائل التواصل الاجتماعي في العالم أجمع وأن ما بعد 7 أكتوبر لن يكون مثل ما قبله أبدًا.

تأتي أهمية إغلاق الجزيرة من أنها من وسائل الإعلام الدولية القليلة التي تواصل عملها في غزة واعتراض الصهاينة على “انفرادها” ببث مذابحهم.

سيد الإغلاق

يحاول نتنياهو الهرب من فشله الذريع وعدم تحقيق أي من أهدافه المعلنة منذ 7 أكتوبر بوأد صوت الجزيرة، وفشله في المفاوضات وعجزه عن مواجهة المظاهرات المتنامية ضده وقطع الطرق والتهديد بحرق البلد إذا لم يتم تحرير الأسرى، واستحالة صنع أي صورة للنصر وسط الكم غير المسبوق من القتل والتدمير الممنهج، والحصار السياسي المفروض عليه من محكمة العدل الدولية وغيرها من المنظمات الدولية والمطالبة بمحاكمته بوصفه مجرم حرب والقبض عليه.

وكذلك محاولاته البائسة واليائسة من الفرار من المصير الذي ينتظره بعد الحرب في الكيان الصهيوني من التحقيق معه بتهم الفساد إضافة إلى مسؤوليته عن هجوم 7 أكتوبر وهو الذي يتباهى دومًا بوصف نفسه بأنه سيد الأمن؛ فإذا به يصبح -فقط- سيد إغلاق قناة إعلامية.

المؤكد أن النجاح الوحيد للصهاينة هو فتح جبهات جديدة ضدهم؛ فلأول مرة يحدث إجماع في مجلس الوزراء الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر على قرار؛ فقد اختلفوا كثيرًا وتبادلوا الاتهامات سرًّا وعلانية وتعاركوا بالأيدي وقام بعضهم بتسريب أسرار اجتماعات واتفقوا -فقط- على وأد حرية الإعلام.

لم يكتف الصهاينة باغتيال بعض صحفيي الجزيرة وهدم بيوتهم وقتل أسرهم، بل أصدروا قانونًا “خاصًّا” بأغلبية الكنيست الصهيوني للسماح لوزير الاتصالات ورئيس الوزراء بإغلاق الجزيرة وسط “غرقهم” في وحل غزة؛ وأرادوا إسكات صوت الجزيرة في اعتراف واضح بأنهم يرتكبون “جرائم حرب” ويريدون التعتيم عليها وإخفاء أدلتها التي تفضحها الجزيرة.

داهموا مكتب الجزيرة كما يفعلون ببيوت الفلسطينيين وسرقوا معدات الجزيرة كما سرقوا بيوتا اقتحموها، وحاولوا ابتزاز الجزيرة باتهامها بالانحياز لحماس وتحريض أمريكا عليها، لكنها رفضت الخضوع للابتزاز.

خسرت إسرائيل كثيرا فتوالت الإدانات الدولية لها بعد مداهمة الجزيرة وإغلاقها؛ فقد كانت تروج لنفسها بأنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط وألف باء الديمقراطية احترام حرية الإعلام، وتعرضت لانتقادات قاسية “حتى” من ألمانيا نصيرتها الدائمة وأقوى مبرر لوحشيتها؛ فقد عارضت الإغلاق ووصفته بأنه مؤشر سيّئ لحرية الصحافة وطالبت بحمايتها!! وقالت رابطة الصحافة الأجنبية في إسرائيل: “انضمت إسرائيل للحكومات الاستبدادية؛ هذا يوم مظلم للديمقراطية”.

شماتة وتشفٍّ

من العار احتفال بعض القنوات العربية بقرار إغلاق قناة الجزيرة والأسف لتأخره، بل إن بعضهم تمنّى اعتقال الصهاينة لمراسلي الجزيرة!! وتفوقوا على القنوات العبرية في احتفالها بإغلاق القناة.

الشماتة والتشفي في قناة الجزيرة من “المحسوبين” على بعض الإعلام العربي “عار” سيلاحقهم؛ فالشعوب قد تتظاهر بالنسيان ولكنها لا تنسى أبدًا.

يقول نعوم تشومسكي: “إذا كنت تؤمن بحرية التعبير فأنت تؤمن بحرية التعبير عن الآراء التي لا تعجبك”؛ ويدرك نتنياهو وحكومة حربه والمتطرفون وهم أغلبية الصهاينة قوة الإعلام ومدى تأثيره في صنع الرأي العام العربي والعالمي؛ ويعرفون قول نابليون بونابرت: “أخشى ثلاث صحف أكثر من خشيتي لمئة ألف مقاتل”؛ لذا أغلقوا قناة الجزيرة في القدس المحتلة وهم يدركون تمامًا “عواقب” هذا القرار.

مات نابليون وحيدًا “مهزومًا”؛ ويبدو أن نتنياهو لم ولن يتعلم من نابليون وسيلقى مصيره قريبًا.

المصدر : الجزيرة مباشر