لماذا رفض الاتحاد الأوروبي مكافحة الإسلاموفوبيا؟!

أهالي رفح يؤدون صلاة التراويح على أنقاض مسجد دمره الاحتلال
أهالي رفح يؤدون صلاة التراويح على أنقاض مسجد دمره الاحتلال (الأناضول)

يبدو أن الأوروبيين لا يريدون تغيير مواقفهم المعادية للإسلام، ويصرون على إظهار التعصب وعدم احترام المسلمين وتوقير كتابهم الكريم؛ ففي أحدث اختبار حقيقي للنيات امتنعت معظم دول الاتحاد الأوروبي في الأمم المتحدة عن الالتزام بوضع نهاية لحملات الكراهية التي تصاعدت في السنوات الأخيرة، واصطف معظم الأوروبيين ضد إدانة الإساءة إلى دين يعتنقه أكثر من ملياري مسلم.

لقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الجمعة 15 آذار/مارس 2024 قرارا بعنوان: “تدابير مكافحة كراهية الإسلام”، لمكافحة كراهية الإسلام والمسلمين أو ما يسمى “الإسلاموفوبيا”. وقد صوتت 115 دولة لصالح مشروع القرار الذي قدمته باكستان نيابة عن منظمة التعاون الإسلامي، وامتنعت 44 دولة عن التصويت.

يدين القرار “أي دعوة إلى الكراهية الدينية والتحريض على التمييز أو العداوة أو العنف ضد المسلمين”، ويدعو إلى “اتخاذ التدابير اللازمة لمكافحة التعصب الديني والقوالب النمطية والسلبية والكراهية والتحريض على العنف وممارسته ضد المسلمين”، وأن يحظر بموجب القانون “التحريض على العنف وممارسته على أساس الدين أو المعتقد”.

وكما هو واضح من الصياغة فإن القرار يدعو إلى التسامح والتعايش واحترام الدين السماوي، لكن المفاجأة أن غالبية الدول الأوروبية امتنعت عن تأييده، بل حاولت تعديله لمنع الأمم المتحدة من اتخاذ إجراءات جريئة وحاسمة لمكافحة كراهية الإسلام؛ فقد رفضت الجمعية العامة الموافقة على مشروعي تعديلين على القرار قدمهما ممثل بلجيكا نيابة عن الاتحاد الأوروبي الذي اقترح تعيين “جهة اتصال” بدلا من “مبعوث خاص للأمم المتحدة معني بمكافحة كراهية الإسلام”، أي لجنة يمكن السيطرة الأوروبية عليها، وليس تعيين مسؤول يبدأ إجراءات عملية لمكافحة كراهية الإسلام.

من أبرز الدول الأوروبية التي امتنعت عن تأييد القرار بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا واليونان وقبرص، وانضمت إلى قائمة الممتنعين جنوب السودان والهند، وقد أيدت القرار الدول الإسلامية وروسيا والصين وجنوب إفريقيا ومعظم دول أمريكا اللاتينية والوسطى، وانضمت إلى المؤيدين الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا.

رسالة أوروبية سلبية

اتجاهات التصويت على القرار بها الكثير من الدلالات، أهمها أن العداء الأوروبي للإسلام أكثر وضوحا، وهو يفضح جذور الكراهية في العقلية الأوروبية التي ما زالت راسخة رغم دعاوى التعايش والاندماج التي يرددها الساسة الأوروبيون، فالإصرار على حماية الحكومات للإساءة لا يراعي حقوق المواطنين المسلمين الذين أصبحوا مكونا أساسيا في نسيج مجتمعاتهم، فضلا عن كونه استهانة بالعالم الإسلامي.

كما أن الرفض الأوروبي لأي التزام بالقرار الأممي لفرض احترام الإسلام يفضح المطالب الأوروبية والنصائح الزائفة التي طالما قدمتها أوروبا لدول العالم، ودعت إلى احترام حرية الاعتقاد وحق التنوع الديني والثقافي، ويعد هذا الموقف المتطرف ردة إلى القرون الوسطى واستدعاء لأفكار الحروب الصليبية التي ترى أن الإسلام عدوّ.

الحديث اليوم ليس عن جماعات وأحزاب تسعى الدول الغربية إلى شيطنتها وإعلان الحرب عليها، وإنما عن دين سماوي موجود في كل قارات العالم بما فيها هذه الدول التي ترفض الإعلان صراحة عن احترامه واحترام أتباعه، وعن كتاب مقدس تتم الإساءة إليه بشكل متكرر وبموافقات رسمية وحراسات أمنية!

هذا الموقف العدائي خاص بالإسلام وحده، ولا نراه ضد الأديان والمعتقدات الأخرى، وهو يكشف الخلل في العلاقة بين أوروبا والمسلمين، سواء في الداخل الأوروبي أو في الخارج الدولي، وهو يضر بأوروبا أكثر مما يضر بالمسلمين، فقيام مجنون بحرق المصحف أو سبّ نبي المسلمين تؤيده أحزاب وحكومات لن ينقص من الإسلام شيئًا ولن يدفع هذا السلوك الساذج المسلمين إلى ترك دينهم.

الإسلام أقوى من كل خصومه

خطورة مثل هذا الموقف المؤيد للكراهية أنه يستدعي أفكار الصراع التاريخي رغم العلاقات المتشابكة والمصالح المتبادلة، فلم يعد سهلا كما يظن أنصار اليمين المتطرف الذي يسيطر الآن على كثير من الحكومات الأوروبية تقسيم العالم على أساس الدين، فالتعايش الديني والتماسك المجتمعي في كل دولة فرضا واقعا جديدا من التفاهم والتسامح والمصالح المتبادلة لا يمكن القضاء عليه بدعاوى المتعصبين القديمة.

الساسة الذين يعيدون إحياء أفكار الحروب الصليبية ويسعون لحشد الدول والمجتمعات ضد الإسلام لتبرير سياسات رسمية ضد الإنسانية -كما يجري في غزة- مصيرهم الفشل، لأن الحرب على الإسلام لن يكتب لها النجاح، فالعالم قد تغير، والإسلام أقوى من كل خصومه مجتمعين، وكلما هاجموه اشتد وأقبلت الشعوب لتعرفه عن قرب.

من يسيرون خلف بطرس الناسك الذي ساهم في إشعال الحروب الصليبية مصيرهم الأفول والزوال، فالإسلام هو أسرع الأديان انتشارا حتى داخل البلاد التي تحاربه، وهو لا يعتمد على ضعف أو قوة معتنقيه لأنه رسالة سماوية، وما نراه في الوقت الحالي خير شاهد على هذا؛ فالمسيحية تتراجع في أوروبا وأمريكا رغم قوة الغرب، وفي المقابل فإن الإسلام يزداد عدد معتنقيه في كل العالم وفي الغرب رغم ضعف وتفرق المسلمين.

لم تعد الشعوب في الغرب كالخراف تسير خلف الدعاية الكاذبة ضد الإسلام، وسقط الاحتكار الإعلامي المعادي للمسلمين في تقديم الرواية الكاذبة ضد الفلسطينيين المسلمين، وانتصرت الحقيقة في معركة الوعي، فالجماهير في أوروبا وأمريكا خرجت من القمقم، وأفسدت الاحتجاجات في العواصم الغربية خطط شيطنة حماس وغزة، وحاصرت النخب الكارهة للمسلمين والمؤيدة للإبادة.

العالم يشهد تحولات كبرى، والنظام الدولي الذي تهيمن عليه الدول الغربية وصل إلى نهايته، ومن الحكمة -لو كان هناك حكماء- النظر إلى الأمام والتبرؤ من الصفحة السوداء والماضي الاستعماري، فالمستقبل للأقطاب المتعددة الصاعدة وبلاد الحضارات القديمة التي بدأت تشق طريقها ضد الوصاية وفي مقدمتها العالم الإسلامي، فمن يحترم الآخرين سيكسب ومن يستمر في أسر الأفكار القديمة والغرور والغطرسة سيفقد المستقبل.

 

المصدر : الجزيرة مباشر