داعش وورطة زيلينسكي

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يقف لالتقاط صورة مع جندي أوكراني وسط الهجوم الروسي على البلاد (رويترز)

حزمة المساعدات الضخمة التي أقرتها واشنطن لأوكرانيا أخيرا لن تفلح في إنقاذها فقد فات أوانها، وحال وصولها لن تؤثر في سير المعارك، وفق التقرير الأخير للمعهد الأمريكي لدراسات الحرب، لكن هذه المساعدات -حسب مدير الاستخبارات المركزية وليم بيرنز- ستضمن صمود كييف إلى نهاية العام الجاري، وهذا غاية ما يطمح إليه الرئيس بايدن حتى تمر الانتخابات الرئاسية الامريكية، وبعدها سيكون لكل حادث حديث.

في ظل هذه المعطيات لا أجد حرجا في الاعتراف بعدم التعاطف مع المصير الذي ينتظر الأوكرانيين على يد الروس، بعد موقفهم المخزي الداعم للكيان الصهيوني حينما آثر عدد من فتيانهم وفتياتهم العمل مرتزقة في جيش الاحتلال ضد غزة بدلا من نيل شرف الدفاع عن بلادهم، وحرص رئيسهم فولوديمير زيلينسكي على إظهار الولاء للكيان وحقه المزعوم في الدفاع عن النفس، دون أن يفكر لحظة أنه يقف في خندق المقاومة نفسه ضد جيش احتلال يغتصب أرضه ويستبيح ما ليس له.

بوادر تجرُّع أوكرانيا كأس الذل لاحت في الأفق، ومؤشرات الهزيمة لن يخطئ المراقب قراءتها عبر تصريحات المسؤولين الغربيين ووفق المعطيات الميدانية، إذ تواصل القوات الروسية ضرباتها على أمل حسم الأمور قبل حلول ذكرى الانتصار على النازي في التاسع من مايو/أيار المقبل، في حين تتهيأ العواصم الأوروبية لقبول الأمر الواقع راجية أن تتوقف طموحات الروس عند هذا الحد، فلا تتخطاه نحو استعادة سيطرتها على باقي دول الكتلة الشرقية قبل تفكك الاتحاد السوفيتي.

زيلينسكي وحده يعيش في غيبوبة أو ربما يظن نفسه يقوم بأحد أدواره الهزلية على المسرح، وقد بدأت أصابعه بالاحتراق، لكنه ما زال مصرّا على اللعب بالنار، ولا يعترف بأنه مجرد “دمية” في يد غيره، وما إن جد الجد حتى وجد نفسه عاريا أمام خصم لا قبل له بمواجهته، وبات “المهرج” الذي اعتاد الالتزام بالدور المكتوب أمام لحظات مصيرية بلا نص مرسوم ومطلوب منه الارتجال.

إرهاب داعش لإنقاذ كييف

ورطة زيلينسكي ورفاقه ستكبدهم الكثير بعد أن تخلى الغرب عن السفينة الغارقة، ويبدو أن أيامهم الأصعب لم تأت بعد، خاصة بعدما تكشفت أبعاد الحادث الإرهابي الذي وقع في “كروكوس سيتي” بالعاصمة الروسية موسكو في مارس/آذار الماضي، وراح ضحيته عشرات القتلى والجرحى، وقد أمسك المحققون الروس بخيوط تدين القوميين الأوكرانيين.

وتبدو حالة التخبط التي عليها الغرب واضحة في التعامل مع الحادث، وتعكسها التصريحات المتضاربة للمسؤولين، فمن حيث أرادوا نفي التهمة أثبتوها على أنفسهم حينما سارعوا بالإشارة إلى مسؤولية داعش عن ارتكابها، لكن الرواية لم تقنع الروس، وبدا أنهم يسخرون منها كما جاء على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا التي كتبت مقالا لصحيفة كومسومولسكايا برافدا شككت في تأكيدات واشنطن قائلة “سؤال للبيت الأبيض: هل أنت متأكد من أنه تنظيم داعش؟ هل يمكنك التفكير في الأمر مرة أخرى؟”.

سنودن وعملية عش الدبابير

وزاخاروفا ربما تحاول إنعاش ذاكرة المسؤولين الغربيين الذين غاب عنهم اسم “إدوارد سنودن” الموظف السابق في وكالة الأمن القومي الأمريكية الذي فضح مخططهم في صناعة داعش قبل نحو عشر سنوات بعد هروبه لاجئا إلى موسكو، وقد كشف سنودن آنذاك أن “سي آي إيه” و”الموساد” بالتعاون مع المخابرات  البريطانية “إم 16” صنعوا “داعش”، ونشر موقع “ذي إنترسبت” تسريبات تؤكد تعاون تلك الأجهزة لتنفيذ مخطط بريطاني قديم لحماية الصهاينة يُرمز له بـ”عش الدبابير”، ويقضي بإنشاء تنظيم إرهابي شعاراته إسلامية على أن يتم توظيف سلاحه لمواجهة الدول الرافضة للكيان المصطنع.

في ضوء هذه الحقائق، حتى لو ثبت أن داعش قامت بجريمة موسكو، فإنه من حيث لا يعي صانعوها يكونون قد كفونا الجدل بشأن حقيقة هذا التنظيم، وأعطونا الدليل الدامغ على هويته الحقيقية، وكشفوا بوضوح أنه صنيعة صهيونية غربية، لا علاقة له بالإسلام من قريب أو بعيد.

ما كشفه سنودن يقره الواقع بيقين، فهذا التنظيم طالت رصاصاته الغادرة أروح آلاف الأبرياء (خاصة في عالمنا العربي والإسلامي) في حين لم يوجه طلقة واحدة نحو الكيان الصهيوني ومن يدعمه من قوى الاستعمار العالمي، وقد اكتوينا مرارا بنيرانه عندما صوَّب سلاحه لقتل ضباط وجنود الجيش المصري في سيناء بينما لم يحرك ساكنا تجاه جيش الاحتلال على بُعد خطوات من الحدود، وبدلا من دعمه المقاومة في غزة رأينا أفعاله الشائنة كطعنة في ظهرها بسعيه لتحويل أنظار العالم بعيدا عن جرائم الصهاينة بحق الأبرياء العزل، والمدهش أن فعلته النكراء في موسكو جاءت بعد أقل من 24 ساعة من “فيتو” روسي صيني ضد قرار حاولت واشنطن تمريره في مجلس الأمن لدعم نتنياهو وعصابته في حربهم لإبادة الشعب الفلسطيني.

فهل بعد هذا يظن الغرب أنه قادر على مواصلة خداعنا بحيله القديمة؟! أم أن عليه أن يجتهد أكثر ويبحث في “جرابه” عما يمكن أن يجدد قدراته لمواصلة جرائمه بحق البشرية وادعاء دعمه لاستتباب الأمن والاستقرار فيما يغذي عناصر الإرهاب ويستخدمها لتحقيق مآربه الخبيثة؟!

يقول المثل “عارٌ عليكَ أنْ تخدعني مرَّةً.. وعارٌ عليَّ أنْ تخدعني مرَّتَين”.

المصدر : الجزيرة مباشر