مصر.. هل يستمر “ظلام الأمر الواقع” خلال الصيف لمواجهة تراجع إنتاج الغاز؟

خطة تخفيف الأحمال تقتضي قطع الكهرباء لساعات يوميا عن أغلب المناطق
خطة تخفيف الأحمال تقتضي قطع الكهرباء لساعات يوميًا عن أغلب المناطق (رويترز)

بقيت شوارع القاهرة مضيئة، دون انقطاع حتى ساعات الفجر، خلال شهر رمضان نتيجة خطة أعلنتها الحكومة المصرية، تقضي بإيقاف العمل بجدول تخفيف الأحمال خلال الشهر الكريم، وهو الجدول الذي اتبعته الحكومة بصرامة منذ يوليو/تموز العام الماضي تزامنًا مع موجة حارة استثنائية شهدتها البلاد.

وقتها أعلن وزير الكهرباء المصري محمد شاكر أن خطة تخفيف الأحمال هي خطة مؤقتة، لحين توفير الغاز والوقود اللازم لتشغيل المحطات.

إلا أن العمل بتخفيف الأحمال وقطع الكهرباء استمر بانتظام في أنحاء مصر كافة، دون رضى المصريين، حتى مع دخول الشتاء، ولم يتوقف بشكل كامل إلا خلال شهر رمضان.

ويتساءل المواطنون، الذين عانوا قبل رمضان من انقطاع الكهرباء لما يقارب ساعتين على الأقل يوميًا، عن أسباب قيام بلدهم، التي لديها فائض في إنتاج الطاقة يصل إلى 13 ألف ميغاوات، بتصدير الطاقة لدول عدة في أوروبا وإفريقيا وآسيا، في الوقت الذي يعاني فيه السوق المحلي من نقص واضح.

أوقفت مصر خطة تخفيف الأحمال خلال شهر رمضان الكريم
أوقفت مصر خطة تخفيف الأحمال خلال شهر رمضان الكريم (رويترز)

توفير العملات الأجنبية

“ترشيد الأمر الواقع”، هو المصطلح الذي أطلقه جمال القليوبي أستاذ هندسة البترول والطاقة على ما يجري، وقال للجزيرة مباشر إن خطة تخفيف الأحمال التي اتبعتها الحكومة ترجع بالأساس إلى الطقس الاستثنائي الذي شهدته مصر الصيف الماضي، حيث وصلت درجات الحرارة إلى 46 درجة مئوية في بعض الأيام، مما شكل ضغطًا على محطات توليد الكهرباء.

وأضاف القليوبي أن الطلب المحلي المتزايد، بالإضافة للتطبيقات المختلفة للغاز مثل التوسع في إدخال الغاز للمنازل، والسيارات المعتمدة على الغاز الطبيعي، مقابل رغبة الدولة في الاستمرار بتصدير الغاز، وراء عدم تحقيق الاكتفاء الذاتي.

كما أرجع استمرار انقطاع الكهرباء خلال فصل الشتاء إلى احتياج الدولة للالتزام بصفقاتها مع الدول المستوردة للغاز المسال، لتوفير العملات الأجنبية التي تعاني مصر من نقص واضح في المعروض منها.

تراجع إنتاج حقل ظهر

بدأ التشغيل التجريبي لحقل ظهر، الذي اكتشفته شركة “إيني” الإيطالية على بعد 200 كيلو متر من شواطئ بورسعيد، في 2017، ومكن مصر من الاكتفاء الذاتي من الغاز في سبتمبر 2018.

كان الحقل، الذي يعد الأكبر في حوض المتوسط، ينتج في بداية تشغيله 400 مليون قدم مكعب يوميًا، ثم وصل بحلول عام 2019 بمعدل إنتاجه إلى 2,7 مليار قدم مكعب يوميًا حيث شكل 40% من إجمالي إنتاج الغاز في مصر قبل أن يعود ويتراجع إلى 2,4 مليار قدم مكعب في 2022.

مكن الإنتاج الوافر من الغاز الدولة من القضاء على مشكلة الكهرباء بشكل تام لخمس سنوات، كما مكن الفائض في استخراج الغاز الذي وفره حقل ظهر إلى جانب حقول أخرى، مصر من إبرام صفقات تصدير بلغت إيراداتها في 2022 وحدها نحو 8.8 مليارات دولار، أسهم في هذا الانتعاش ارتفاع أسعار الغاز عالميًا بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.

إلا أن الأزمة عادت للظهور في صيف العام الماضي، حيث تزامن تراجع إنتاج حقل ظهر، مع ارتفاع كبير في درجات الحرارة أدى إلى الضغط على محطات توليد الكهرباء بشكل غير مسبوق، لأجل عمليات التبريد.

وتناقلت تقارير عن وجود مشكلات فنية وتسرب للمياه في الحقل مما أسهم في تراجع الإنتاج، كما اعتقد خبراء أن الضغط في استخراج الغاز من الحقل بكميات كبيرة أدى إلى استهلاكه ووصوله إلى ذروة الإنتاج في وقت قصير، وبالتالي تراجعه سريعًا.

ينفي القليوبي استهلاك حقل ظهر بشكل مبالغ فيه، ويقول إن الطبيعي في الحقول الضخمة أن تبدأ بتدفقات كبيرة فتصل لذروة الإنتاج سريعًا ومن ثم يبدأ الإنتاج في التراجع، وهذا ما يطلق عليه العمر المحتسب للخزان، كما قال إن استخراج كميات كبيرة من الحقل كان بدوافع اقتصادية.

كما أنه يرد على مسألة الخلل الفني الذي أدى إلى تسرب المياه إلى آبار الغاز، بأنه أمر طبيعي لأن ضخ الغاز يتم عبر دفعه بضغط المياه.

ولم ينف القليوبي تأخر مصر في سداد بعض مستحقات شركة “إيني”، إلا أنه أكد أن تلك المستحقات تمت جدولتها دون تغريم مصر، وأن الشركات العالمية لديها ثقة في مصر وقدرتها على الوفاء بالتزاماتها.

وكان مجلس الوزراء المصري أعلن مؤخرًا سداد 20% من مستحقات شركات النفط الأجنبية ضمن خطة لسداد المتأخرات كافة.

حقل ليفاثيان، أحد أكبر حقول الغاز في شرق المتوسط
حقل ليفاثيان، أحد أكبر حقول الغاز في شرق المتوسط (رويترز)

تراجع واردات الغاز الإسرائيلي

تعتمد مصر في الفترة الحالية على الغاز الوارد من إسرائيل لمواصلة التصدير وتلبية الاحتياج المحلي وتعويض النقص في الإنتاج، إلا أن العدوان الإسرائيلي على غزة وما سببه من تأثر واردات الغاز الإسرائيلي بالسلب، حال دون الخروج من أزمة الكهرباء.

وتتراوح تدفقات الغاز الطبيعي الإسرائيلي الواردة إلى محطات الإسالة المصرية بين 1.05و 1.1 مليار قدم مكعب يوميًا، تُضخ كميات منها إلى السوق المصرية، وكميات إلى دول تستورد الغاز من مصر في آسيا وأوروبا.

ومع بدء الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، تراجعت واردات مصر من الغاز القادم من إسرائيل بصورة حادة نتيجة توقّف الضخ أيامًا عدّة، ليسجل 364 مليون متر مكعب، وهو الأقل منذ أغسطس/آب 2022.

إلا أن توقف ضخ الغاز الذي جاء بقرار إسرائيلي لم يدم، وعادت تدفقات الغاز الإسرائيلي لمعدلاتها الطبيعية في نوفمبر/تشرين الثاني 2023.

وكانت شركة “نيوميد إنرجي” الإسرائيلية أعلنت أن صادرات الغاز الطبيعي من حقل “ليفياثان” البحري الإسرائيلي إلى مصر قفزت 28% في عام 2023، كما وافقت وزارة الطاقة الإسرائيلية فبراير/شباط الماضي على زيادة الإمدادات لمصر من الغاز الطبيعي بما قدره 4 مليارات متر مكعب إضافية سنويًا، لمدة 11 عامًا.

بدائل للغاز

وفي مسعاها للتقليل من الاعتماد على الغاز في إنتاج الطاقة والتخفيف من وطأة الطلب المحلي المتزايد على الكهرباء ومن ثم الغاز، اعتمدت مصر حلولًا عدة من بينها الاعتماد على تشغيل محطات الكهرباء بـ”المازوت”، وزيادة كفاءة المحطات وصيانتها.

كما تخطط مصر لاعتماد “مزيج الطاقة” كحل للخروج من الأزمة، عبر الاعتماد على طاقات متجددة مثل محطات الرياح والطاقة الشمسية.

أوضح القليوبي أن مصر تستهلك في ذروة مواسم استهلاك الكهرباء ما لا يزيد 36 ألف ميجاوات، بينما تنتج في المجمل ما يزيد على 50 ألف ميجاوات، يخصص الفائض منها للتصدير إلى دول من بينها قبرص والأردن وفلسطين والسودان.

بالرغم من الحلول المطروحة كلها، لم يستبعد أستاذ هندسة الطاقة احتمال استمرار سياسة “ترشيد الأمر الواقع” بعد انقضاء شهر رمضان والعيد، فهو يراها الحل الأمثل إذا لم يتمتع المواطنون بسلوك ترشيد ذاتي.

المصدر : الجزيرة مباشر