تصفية أعضاء المطبخ المركزي العالمي والطعن في الظهر!

جريمة المطبخ العالمي (الأناضول)

كانت جريمة قتل سبعة من أعضاء المطبخ المركزي العالمي بمثابة صفعة للموقف الأمريكي والأوروبي الداعم للعدوان الإسرائيلي على غزة، فهذه المنظمة الإنسانية الدولية دخلت بترتيبات وتنسيق مع قادة الاحتلال، لتنشيط الميناء البحري الذي خططت إسرائيل مع الولايات المتحدة ليكون هو الطريق أو حصان طروادة الذي يسيطر الجيش الإسرائيلي من خلاله على القطاع وفرض الإدارة البديلة لحماس.

لم تكن الإدانات في العالم الغربي لقتل أعضاء المطبخ عادية، فقد سمعنا لأول مرة الشجب بعبارات صريحة من قادة أمريكا والدول الغربية التي ينتمي إليها الضحايا، ورأينا الاستنكار الواضح لهمجية الإسرائيليين وعدم احترامهم للقانون الدولي الإنساني، والاستهانة بأرواح موظفي الإغاثة الذين يقدمون الطعام للشعب الفلسطيني الذي تفتك به المجاعة.

لم يستطع الإسرائيليون تقديم مبررات مقنعة لعملية الاستهداف، ولم يصدق الغربيون الرواية الإسرائيلية وهي أن فلسطينيا مسلحا كان على متن واحدة من السيارات الثلاث، وكأن هذا مبرر كاف لسفك دمهم، وقد رد عليهم رئيس المنظمة خوسيه أندريس بأن العملية مقصودة وأن حركة القافلة على الطريق متفق عليها مسبقا مع الجيش الإسرائيلي، وأن الاستهداف لم يكن بقنبلة سقطت خطأ وإنما بثلاث صواريخ من طائرة مسيرة كانت تتعقبهم على مسافة تتراوح بين 1.5 و1.8 كم.

دور مؤثر للمطبخ المركزي وفريقه الإغاثي

أسس الطباخ الإسباني الأمريكي خوسيه أندريس منظمة المطبخ المركزي العالمي في عام 2010 لتقديم الوجبات في مناطق الكوارث والحروب، ويشارك في تمويلها طيف واسع من الشركات الأمريكية والأوروبية ورجال أعمال يهود كبار، وكان لها دور بارز في إغاثة الشعب الأوكراني بعد الغزو الروسي، وقدمت المنظمة  1.75 مليون وجبة ساخنة منذ بداية الحرب على غزة، للإسرائيليين النازحين من المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة وفي الشمال وفي المستشفيات الإسرائيلية.

وكأي منظمة إغاثية دولية يعمل بها عسكريون سابقون وعناصر مخابرات لأغراض معلومة وأخرى خافية، فالضحايا السبعة الذين قتلوا بالهجوم الإسرائيلي هم السائق الفلسطيني الشاب سيف الدين عصام عياد أبو طه، وستة من جنسيات غربية هم 3 عسكريين سابقين في الجيش البريطاني وهم جيمس هندرسون وجون شابمان وجيمس كيربي، ومزدوج الجنسية الأمريكي الكندي جاكوب فليكنغر الذي شارك في حرب أفغانستان، والأسترالية لالزومي فرانكوم والبولندي داميان سوبول؛ ولأهميتهم السياسية وما يمثلونه كان الرد الغاضب في العواصم الغربية قويا.

المطبخ المركزي العالمي لم يكن كأي منظمة إغاثية أخرى، ولهذا كان التنسيق مع الجيش الإسرائيلي يتم بشكل مباشر، وليس عن طريق الأمم المتحدة التي تقدم خريطة إحداثيات يومية للاحتلال عن أنشطتها وتحركات المنظمات التابعة لها، وكان الاتصال بين قادة المطبخ والاحتلال في غزة وثيقا فهم الذين أنشؤوا الرصيف على الشاطئ الذي كان يخضع للسيطرة الإسرائيلية، وقادة المطبخ هم الذين نظموا حركة السفن التي تحمل المساعدات من قبرص.

 

انفجار بركان الخلافات

جاءت جريمة قتل أعضاء المطبخ العالمي لتفجر الخلافات المكبوتة في الخندق المساند للاحتلال، فحتى الذين أرسلوهم لتخفيف الضغط الشعبي في العواصم الغربية وتحسين صورة بايدن والقادة الرافضين لوقف إطلاق النار قتلوهم، وتمت تصفيتهم بطريقة مروعة متعمدة، توحي بأن الإسرائيليين قرروا بشكل منفرد وقف الطريق البحري بعد فشل سيناريوهات الإدارة البديلة، سواء برفض العشائر في غزة التعاون أو باعتقال حماس للعملاء الذين تم إدخالهم بطرق سرية وفضح الخطة.

الغضب الغربي معروف دوافعه، فهم صبروا أكثر من اللازم على الإسرائيليين، ولم يحقق نتنياهو وجيشه أي إنجاز، فالعدوان دخل شهره السابع والإسرائيليون عالقون في غزة التي تم تدميرها، وخسرت الحكومات الغربية سمعتها بعد السكوت على استخدام الجوع لإجبار حماس على إلقاء السلاح والاستسلام ولكن لم يحدث شيء، ورغم ذلك يريد نتنياهو توريطهم أكثر فأكثر في اجتياح رفح وارتكاب مجازر ليس في استطاعتهم تحملها.

بالنسبة للغربيين فإن العدوان العسكري على المطبخ كان طعنة في الظهر، وسوء تقدير وتصرف لقادة الاحتلال الفاشلين، ولذلك اضطر بايدن وحلفاؤه إلى إدانة “إسرائيل” علانية، ولكن دون التطرق لضرورة وقف إطلاق النار، فهم يستخدمون جريمة العدوان على فريق المطبخ للضغط على نتنياهو الذي يرفض إدخال المساعدات ولم يلتزم بأي قرار دولي سواء قرار محكمة العدل الدولية أو قرارات مجلس الأمن الخاصة بإدخال المساعدات، بل وعدم الالتزام بالقرار الأخير لمجلس الأمن بوقف إطلاق النار في رمضان.

الأمريكيون والأوروبيون لم يتغير موقفهم، وليس لديهم دوافع إنسانية، وإنما يريدون الضغط على نتنياهو لإنقاذه ولإنقاذ جيشه الذي يتعرض لعمليات مميتة يوميا على يد المقاومة الفلسطينية، وأيضا لإنقاذ السياسيين الغربيين الداعمين الذين يعيشون في عزلة، بسبب مواقفهم المؤيد لإبادة الفلسطينيين، وتنتظرهم الهزائم السياسية في أي انتخابات قادمة، وهم يضغطون الآن للسماح بدخول المساعدات لامتصاص الغضب واستجابة للاحتجاجات الشعبية التي تواجههم في كل مكان.

قد ينجح بايدن ومن معه في إدخال المزيد من المساعدات، وتصوير الشاحنات وهي تدخل القطاع وبث مشاهد الفلسطينيين الجوعى وهم يتسلمون الطحين والطعام، لتحسين الصورة، لكن إذا استمروا في موقفهم الرافض لوقف الحرب فسيبقى الحال كما هو، ولن يتحقق شيء من أوهام الاحتلال ومؤيديه.

رسالة بايدن التي تدور حول “أطعموهم ثم اقتلوهم” رسالة خائبة لا يقتنع بها أحد، وأصبحت ورقة خاسرة ستنهي حياته السياسية بأسوأ ختام، فالفلسطيني الذي نجا من القصف وشاهد استشهاد أسرته بعينيه، وما زال الكثير من أهله تحت الأنقاض لن تضحك عليه أمريكا برغيف خبز لبعض الوقت، وبهدنة مؤقتة لتقتله الطائرات الإسرائيلية عندما يأتي دوره بعد أيام.

المصدر : الجزيرة مباشر