قانون الجزيرة يكشف عداء دولة الاحتلال الإسرائيلي لحرية الإعلام!

مبنى قناة الجزيرة في العاصمة القطرية الدوحة
مبنى قناة الجزيرة (رويترز)

العدوان الإسرائيلي على غزة يمتد تأثيره إلى الكثير من المجالات، ومن أهم نتائجه أنه يكشف للعالم زيف الدعاية الإسرائيلية، وأن العالم غرق في طوفان الأكاذيب والخرافات التي روجتها، وأن الجماهير تعرضت للتضليل والحرمان من حقها في المعرفة، وإخفاء الكثير من الحقائق.

من أهم الأكاذيب التي استخدمت إسرائيل وسائل الإعلام الغربية لترويجها أنها جزيرة الديموقراطية في بحر الاستبداد العربي، وأنها تحترم حرية الإعلام.

كنت أعرف منذ زمن طويل كيف تتعامل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية مع مراسلي وسائل الإعلام الغربية، والوسائل التي تستخدمها في التحكم في تغطيتهم للأحداث، ونشر الدعاية والأكاذيب وشيطنة العرب، وتشويه صورة الفلسطينيين، وبذلك كانت وسائل الإعلام الغربية تشن حربها الإعلامية التي لا تقل خطورة عن أسلحة الدمار الشامل التي توفرها الولايات المتحدة لإسرائيل لترتكب بها جرائم الإبادة العنصرية.

الإعلام الغربي والاستكبار الإسرائيلي

بذلك وفرت وسائل الإعلام الغربية لإسرائيل الفرصة لتزداد علوًا واستكبارًا وغرورًا وطغيانًا، حيث أخفت الحقائق عن عوامل الضعف التي تعانيها، ومن أهمها أنها تغتصب أرض شعب يتطلع لتحريرها، وأن وسائل القهر والقوة الغاشمة كلها لا يمكن أن تجعل شعب فلسطين ينسى حقوقه، وأنه لا يمكن أن ينعم مغتصب بالأمن، فأصحاب الأرض سوف يستمرون في كفاحهم، ويقدمون التضحيات، ويستخدمون عقولهم في ابتكار الوسائل واختراع الأسلحة التي يحررون بها أرضهم، والزمن دائمًا يعمل لصالح أصحاب الأرض، فجنود الاحتلال تتعلق قلوبهم بالترف والأمن والتمتع بلذة الحياة، بينما يظل المظلوم يفكر في الحرية والتحرير.

صدمة تكشف الحقيقة

لذلك جاء “طوفان الأقصى” ليشكل صدمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي ولأمريكا ولكل الدول التي تؤيدها، وانكشفت بسرعة حقيقة الأكاذيب التي قامت عليها الدعاية الصهيونية، والتي رددها بايدن نقلًا عن “النتن ياهو”، ففقد مصداقيته، وتزايدت أزمته.

لقد أصبحت شعوب العالم تشاهد جرائم الإبادة التي ترتكبها إسرائيل، وعمليات الانتقام الوحشي التي تقوم بها ضد شعب فلسطين، وجثث أطفال فلسطين المكدسة في مستشفى الشفاء، والحصار والتجويع والفظائع التي لا يمكن أن يقبلها ضمير إنساني، ولذلك استهدف جيش الاحتلال الإسرائيلي الصحفيين بهدف منع نشر الحقائق، وتصوير المشاهد التي تفرض على العالم أن يفكر في مصيره، فهذا الظلم سيدفع العالم كله نحو السقوط والدمار، ولذلك قتلت إسرائيل حتى الآن ما يزيد على 100 من الصحفيين، وتلك جريمة ضد حرية الإعلام، وحق الجمهور في المعرفة.

وكانت الجزيرة أهم وسيلة إعلامية وفّرت المعرفة للجماهير في العالم عن الأحداث، وكشفت الحقائق، وأثبتت أن التزامها بالأساليب المهنية في التغطية يشكل تحديًا للوسائل التي استخدمتها إسرائيل في حربها الإعلامية منذ عام 1948، وأن الشعوب يمكن أن تثور عندما تشاهد الجرائم الإسرائيلية، ودماء الفلسطينيين تتدفق، ومعاناتهم تتزايد، وهذا يكشف الإفلاس الأخلاقي للنظام العالمي، ولأمريكا وأوروبا التي تشارك في هذه الجرائم.

قانون الجزيرة.. لماذا؟!

لذلك فكّر “النتن ياهو” بأسلوب المستبدين العرب الذي اعتقد أن التطبيع معهم سيحميه، ويوفر له الأمن، وأنهم نجحوا في تجهيل شعوبهم وتضليلها بالتحكم في وسائل الإعلام، لذلك قدّم للكنيست ما يسمى بـ”قانون الجزيرة” الذي يمنح الحكومة صلاحيات مؤقتة لمنع شبكات الأخبار الأجنبية من العمل في إسرائيل، إذا رأت الأجهزة الأمنية أنها تضر بالأمن القومي.

وتحليل مضمون القانون يؤكد أنه يشبه الكثير من القوانين الموجودة في النظم العربية المستبدة التي يتعالى عليها “النتن ياهو” بالادعاء أنه جاء إلى الحكم في انتخابات ديموقراطية، ثم اضطر أن ينقل منها قانونًا دون أن يكلف نفسه إعادة صياغته.

لكن لماذا لجأ “النتن ياهو” لهذه الوسيلة التي تسقط الخرافات التي يروجها حول ديموقراطيته واحترامه لحرية الإعلام؟!!.. فسّرت منظمة “مراسلون بلا حدود” ذلك بأن إسرائيل تستخدم الوسائل الممكنة جميعها في محاولة لإسكات قناة الجزيرة بسبب تغطيتها واقع الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، بينما قالت رشيدة طليب عضو “الكونغرس”: إن إسرائيل تريد الآن إغلاق قناة الجزيرة بالكامل لمنع العالم من رؤية جرائم الحرب التي ترتكبها.

تفسير جديد

وأنا أتفق مع ذلك التفسير، لكنني أضيف إليه أن الأيام المقبلة ستشهد الكثير من الأحداث التي تريد الحكومة الإسرائيلية إخفاءها عن العالم وعن شعبها، فهذه الأحداث يمكن أن تدفع إسرائيل نحو الانهيار السريع، فلم يعد أمامها سوى الاعتراف بالهزيمة والقبول بكل شروط “حماس” إن أرادت أن توفر الاستقرار لدولة الاحتلال لسنوات مقبلة.

وهناك أحداث أخرى أكثر خطورة منها الاعتداء على المسجد الأقصى، الذي يمكن أن يدفع المنطقة كلها للانفجار، ودولة الاحتلال الإسرائيلي تدرك أن النظم العربية المتحالفة معها تعيش على فوهة بركان من الغضب الشعبي، وأن المنطقة يمكن أن تشهد تغييرًا شاملًا خلال السنوات المقبلة، وأنها ستسهم بغرورها واستكبارها في دفع المنطقة كلها للانفجار، ويومئذ لن تنفعها قوتها الغاشمة، وستتركها أمريكا لمصيرها.

ولقد استكبرت إسرائيل عندما تم إبلاغها بمعلومات عن “طوفان الأقصى”، وظنت أن المقاومة لن تستطيع أن تقوم بهذا العمل، لكن المفاجأة كانت أكبر من خيالها، لذلك فإن عدم القدرة على استشراف المستقبل من أهم مؤشرات السقوط والانهيار، ولن يكون الحل هو إغلاق مكاتب الجزيرة ومنع مراسليها من تغطية الأحداث، فالعالم يعيش في عصر ثورة اتصال، ولن يتمكن أحد من إخفاء الحقائق.

 

 

المصدر : الجزيرة مباشر