تأثير الدومينو وتداعيات السقوط

بايدن ونتنياهو (رويترز)

(1) لم تنتصر إسرائيل ولم تنهزم المقاومة

حين تشاهد الدمار الذي خلفه جيش الاحتلال في مجمع دار الشفاء وأعداد الجثامين التي تركها وراءه، لابد أن يتسلل اليأس إلى نفسك.

فالعالم يشاهد ما يحدث ويقف عاجزا عن ردع آلة القتل الإسرائيلية واستخدامها المفرط للقوة مع الشعب الفلسطيني وكذلك مع المنظمات الإنسانية العاملة في غزة مثلما حدث مع العاملين في مؤسسة “المطبخ المركزي العالمي” الذين سقط 7 منهم قتلى جراء القصف الإسرائيلي العشوائي لدير البلح، رغم تواصلهم وتنسيقهم مع قوات جيش الاحتلال، ومن قبلهم قتل 147من العاملين في المنظمات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة.

كل كائن حي في غزة معرض للقصف والموت، الطلقات الإسرائيلية لا تفرق بين مدني ومقاتل، بين فلسطيني وأي جنسية أخرى، كل من يتجرأ ويبقى على أرض غزة فهو مشروع شهيد، يتحمل وحده مسؤولية وجوده على أرض قرر جيش الاحتلال إبادة كل من عليها.

المشهد مروع، دمار وموت وخراب في كل أنحاء غزة، سكان غزة يقفون وحدهم في انتظار الفرج والمدد، لكن من أين يأتي؟ ومفاوضات الهدنة تتعثر وقرارات مجلس الأمن مجرد حبر على ورق وتصريحات قادة الدول بضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية مجرد كلمات للاستهلاك الإعلامي.

فما دامت أمريكا تمد إسرائيل بالسلاح والذخيرة والدعم الدبلوماسي، فأي حديث عن إدخال المساعدات لأهل غزة ووقف إطلاق النار هو حديث إفك.

هل ما يحدث على أرض غزة من مذابح سابقة تاريخية لم يحدث لها مثيل من قبل؟ بالطبع لا، ومعركة ستالينغراد مثال يذكر، إذ راح ضحيتها ما يقرب من مليوني شخص، وكانت هزيمة الجيش الألماني فيها من أسباب خسارة هتلر للحرب العالمية الثانية رغم أن أعداد القتلى بين الروس كانت أكبر من أعدادهم من الألمان.

سيقول قائل إن معركة ستالينغراد كانت بين جيشين نظاميين متقاربين في القوة والعتاد، لكن في غزة هناك جيش مدجج بالسلاح وفصائل مقاومة تحارب بأقل الإمكانيات. لكن رغم ذلك فإن إسرائيل لم تكسب الحرب بعد 6 أشهر من اندلاعها، والحكومة الإسرائيلية تحتاج إلى مزيد من الجنود والسلاح لتنتصر على مقاتلي المقاومة الذين يقاتلون بصدور عارية، ولقد فقد نتنياهو القدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة كما فقد ثقة الشارع الإسرائيلي والتأييد العالمي، بسبب عدم قدرته على تحقيق أهداف الحرب التي أعلنها.

لن تخرج إسرائيل منتصرة من هذه الحرب، ولن تخرج المقاومة الفلسطينية مهزومة من هذه الحرب، لكن سيتشكل واقع جديد ما كان ليحدث لولا هذه الحرب الدموية التي فضحت إسرائيل وأفقدتها الشرعية وجعلتها تبدو على حقيقتها أمام العالم دولة احتلال تسعى لإبادة الشعب الفلسطيني وكسر إرادته، نحن نشاهد الفصل الأول من ملحمة التحرير الفلسطينية وقد تبدو الغلبة فيه لإسرائيل المدعومة أمريكيا لكن ما زالت هناك فصول لم تكتب.

(2) قانون “الجزيرة”

الحرب في غزة عبء ثقيل على إسرائيل ويبدو ذلك في سلسلة الأخطاء التي تقع فيها حكومة الحرب ومنها القانون الذي أقره مؤخرا الكنيست الإسرائيلي والذي يعطي الحق لرئيس الوزراء في حظر وسائل إعلام أجنبية تضرّ بالأمن في إسرائيل، وهو يستهدف في الأساس قناة الجزيرة القطرية التي كان لها دور مهم ومؤثر في توثيق جرائم الاحتلال في غزة وكافة الأراضي المحتلة منذ اندلاع الحرب في أكتوبر الماضي، ولقد وصفها نتنياهو بأنها إرهابية واتهمها بالمشاركة في هجوم 7 أكتوبر، ولقد نفت القناة هذه الاتهامات وأعلنت أن هذه الافتراءات لن تثنيها عن القيام بعملها بكل جرأة ومهنية.

هذا القانون ينزع عن إسرائيل القناع الذي ارتدته طويلا باعتبارها واحة الديمقراطية وملاذ الحريات في الشرق الأوسط، فمنذ بدء طوفان الأقصى ارتفع عدد القتلى من الصحفيين إلى 122 صحفيا واستهدف جيش الاحتلال عددا من صحفيي الجزيرة على وجه الخصوص، إسرائيل تريد أن تخرس كل صوت يفضحها. أمريكا التي تدعم حرية الصحافة، اكتفت المتحدثة باسم البيت الأبيض فيها بوصف إغلاق مكتب الجزيرة في إسرائيل بأنه أمر مقلق!! أمريكا تشارك إسرائيل الخسارة الأخلاقية بدعمها غير المحدود لها، وهذا ليس بالقليل، وسيكون له تأثير مستقبلي في مكانة أمريكا وهيبتها.

(3) “ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض”

يوم الاثنين الماضي، قامت إسرائيل بعمل انتقامي من طهران حين استهدفت القنصلية الإيرانية في دمشق وهو ما أدى إلى مقتل 13 شخصا بينهم 7 إيرانيين من قادة الحرس الثوري الإيراني وعلى رأسهم العميد محمد رضا زاهدي، والآخرون مواطنون سوريون.

ولقد صرح وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بعد الحادث قائلا: “نحن نوضح لكل من يعمل ضدنا، في جميع أنحاء الشرق الأوسط، أن ثمن العمل ضد إسرائيل سيكون باهظا”.  رغم أن إسرائيل لم تعلن رسميا أنها وراء الحادث لكن إيران أتهمتها هي وأمريكا بأنهما وراء هذا العمل الإرهابي الذي يخالف الأعراف الدولية. أمريكا تحاول منذ بدء الحرب على غزة عدم التصعيد مع إيران وتتحاشى المواجهة بينهما، والأخيرة أيضا اكتفت حتى الآن بتحريك مليشيات محور المقاومة الموالية لها في المنطقة دون الانخراط المباشر في الصراع، لكن بعد استهداف القنصلية ومقتل هذا العدد الكبير من قادة الحرس الثوري لن تستمر إيران في ممارسة سياسة الصبر الاستراتيجي كما فعلت من قبل.

فقصف القنصلية هو القشة التي قصمت ظهر البعير، وعدم الرد السريع والمباشر سيزيد من جرأة إسرائيل على القيام بضربات أخرى موجعة لإيران وهو ما سيقلل من نفوذها في المنطقة الذي بنته على مدى سنوات طويلة.

وإذا توسعت الحرب وانخرطت إيران فيها، فستكون في مواجهة مباشرة مع أمريكا، ولن تترك الصين وروسيا حليفتهما إيران وحدها في الميدان ولن يقبلا بخسارتها الصراع؛ لأن ذلك ستكون له عواقب في أوكرانيا وفي تايوان، إغواء القوة يعمي البصيرة، لكن لولا صراع الأقوياء ومنافسة بعضهم لبعض لما استطاع الضعفاء العيش بينهم. ورغم الثمن الفادح الذي دفعه أهل غزة، فطوفان الأقصى كان بداية تداعي مصفوفة الدومينو العالمية.

المصدر : الجزيرة مباشر