الحروب وحدها لا تحقق انتصارًا

ترامب وصف بايدن بأنه "أسوأ رئيس في تاريخ الولايات المتحدة"
الرئيس الأمريكي بايدن (رويترز)

(1) إنها الحرب

“الحرب ” كلمة قليلة الحروف واسعة الأثر، فهي تؤدي إلى الخراب والدمار وسقوط القتلى الأبرياء، إلا أنها ضرورية لتغيير الأوضاع القائمة.

معظم الحضارات الكبرى بنت أمجادها على ركام الدول التي غزتها وانتصرت عليها عسكريا، والحضارات التي لم تتوسع بالقوة العسكرية استعاضت عنها بأدوات ردع قوية تمنع أعداءها ومنافسيها من التجرؤ عليها وتجعلهم يفكرون ألف مرة قبل التعرض لحدودها.

الحرب حالة متكررة في المجتمعات الإنسانية، وهي اللغة الوحيدة التي يفهمها العالم بأسره منذ فجر التاريخ وحتى الآن، وهي تعيد ضبط العلاقات بين المجتمعات والدول وترتيبها الهرمي على مدار التاريخ.

(2) الحرب العالمية الثانية وهيكلة النظام العالمي

مثلت نهاية الحرب العالمية الثانية نصرا استراتيجيا كبيرا للحلفاء، أعاد هيكله النظام العالمي، حيث تقاسم المعسكر الغربي بقيادة أمريكا والمعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي النفوذ، ولكن بعد سقوط الأخير تغيرت القواعد وأصبح الغرب وحده صاحب النفوذ وانفردت الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة العالم.

وكان هذا بمثابة انتصارا استراتيجيا جديدا للمعسكر الغربي لكن بدون طلقة رصاص، مما جعل المفكر الأمريكي “فرانسيس فوكوياما” يتسرع ويتنبأ بانفراد الحضارة الغربية بقيادة العالم حتي نهاية التاريخ. لكن القرن الـ21 كان بداية تشكل قوي جديدة واستيقاظ قوي قديمة من غفوتها، وكلها تريد أن يكون لها مكان ومكانة في النظام العالمي، وهذه القوي مثل الصين وروسيا تجد أن النظام الحالي أحادي القطبية لم يعد صالحا ولابد أن يحل محله نظام متعدد الأقطاب، ويلاقي هذا الطرح رفضا وإنكارا من الولايات المتحدة والغرب، فكلاهما يريد الحفاظ علي مكانته التي تحقق له مكاسب ضخمة، وبدلا من اندلاع حرب عالمية ثالثة معلنة بين هؤلاء المتنافسين.

يشهد العالم بؤر صراع وحروب في مناطق متفرقة تندرج تحت صراع الوجود بين هذه القوي والتي تتخذ حتى الآن أشكالا خفية مثل الحروب بالوكالة والحروب الأهلية، وإفريقيا ساحة واضحة وفاضحة لهذا الصراع الوجودي وكذلك أوكرانيا وغزة ومستقبلا تايوان.

(3) تذكروا هذه التواريخ

22 فبراير 2022 بدء الغزو الروسي لأوكرانيا.

7 أكتوبر2023 بدء معركة طوفان الأقصى.

14 أبريل 2024 الضربات الإيرانية المباشرة على إسرائيل.

في تلك الأحداث الثلاث، اصطف الغرب ضد روسيا وفصائل المقاومة الفلسطينية وإيران، لأن هؤلاء في نظر الغرب يهددون النفوذ الغربي في أوروبا والشرق الأوسط، وإسرائيل تمثل الغرب في المنطقة، ومن المتوقع أن يصطف الغرب أيضا ضد الصين في حال أقدمت على ضم تايوان إلى الوطن الأم.

(4) نصر عسكري أم نجاح استراتيجي

أمريكا خلال حربها على العراق وأفغانستان استخدمت قوتها العسكرية المفرطة لتحقيق انتصار بغرض إزاحة أنظمة الحكم في البلدين والتي وصفتها بالإرهابية وادعت أن الهدف من عملياتها العسكرية هو تحرير شعبي الدولتين وليس احتلالا، لكن الواقع يقول إنها لم تترك وراءها أنصارا بل دمارا وخرابا وشعوبا معادية لوجودها.

فهل يمكن أن نعتبر أنها حققت نصرا باستخدامها لجيشها الذي لا يقهر؟! صحيح أنها تفوقت علي الجيش العراقي وهزمته هزيمة منكرة، لكن النصر له مفاهيم متعدد الجوانب، والحرب أداة لتحقيق هدف سياسي وليست هدفا في حد ذاتها، والنجاح الاستراتيجي لا يمكن تحقيقه بالقوة العسكرية وحدها، النصر لا يتطلب هزيمة القدرات العسكرية للخصم فحسب، بل يتطلب أيضًا الحل الناجح للمشاكل الأعمق المتجذرة والمسببة للصراع، وهو ما لم يحدث في هاتين الدولتين وأيضا في الصراع العربي الإسرائيلي على اعتبار ان أمريكا شريك كامل لإسرائيل في حرب الإبادة التي تشنها علي غزة.

أحد المرادفات الأكثر شيوعًا للنصر هو الفوز والغلبة، في حين أن هناك مرادفا شائعا آخر هو النجاح. وعلى الرغم من أن هذه الكلمات متشابهة ظاهريا، إلا أنها تنقل معاني مختلفة وتساهم هذه الاختلافات اللغوية في عدم وجود فهم دقيق لمعنى النصر الذي يمكن أن ينعكس على تصميم السياسة ونتائجها اللاحقة. إن هزيمة الخصم عسكريًا ليس معناه تحقيق الهدف من الحرب، فمن الضروري التمييز بوضوح بين الهدف السياسي (الغاية) والهدف العسكري (أحد وسائل تحقيق الغاية)، ويمكن النظر إلى النصر على أنه المحرك لتحقيق أهداف محددة من خلال استخدام القوة.

لكن النصر الحقيقي هو النجاح في إحداث تأثيرات وتحولات في المجتمع الإقليمي والدولي. وهنا علينا أن نتأمل مجريات الأمور ونتائج الغزوات الأمريكية سيئة السمعة التي بدأتها مطلع القرن العشرين تحت مسمى الحرب على الإرهاب سواء في أفغانستان أو العراق، وهل حققت أمريكا من خلالها تأثيرات إيجابية لصالحها على المحيط الإقليمي أو الدولي أم إنها زادت من حدة الفوضى في هذه البلدان وأعطت فرصة لميلاد داعش في العراق وتمكين جماعة طالبان في أفغانستان وتمدد النفوذ الإيراني في أربع دول عربية، وزيادة الكراهية لأمريكا في الشرق الأوسط.

إذا كان صناع السياسة غير واضحين بشأن معنى النصر، فمن غير المرجح أن يحققوه، هذا المفهوم لابد أن يحكم  قرارات الرئيس الأمريكي “جو بايدن “، فسياساته الخارجية تتسم بالتخبط وعدم وضوح الرؤية يضاف إليها التردد وعدم الحزم وخاصة في هذه الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لكن عليه كرئيس لأعظم دولة في العالم أن ينصح  بحزم حليفه الاستراتيجي” نتنياهو” ويطالبه بتحديد معنى الانتصار علي حماس، وهل إبادتها ممكنة ولصالح دولته؟ وهل لو حدث ذلك -فرضا- ستتحقق لدولة الاحتلال الأمن والاستقرار الداخلي والإقليمي.

أعتقد أن مجلس الحرب الإسرائيلي يدير حرب الإبادة على غزة بمفهوم الردع الذي اتبعته إسرائيل طوال الصراع العربي الصهيوني، والاهتمام فقط بالتفوق العسكري النوعي والكمي وامتلاك سلاح نووي حتى لا يتجرأ عليها أيا من جيوش المنطقة، لكن هذا العقيدة دمرها طوفان الأقصى الفلسطيني والوعد الحق الإيراني وسيكون لزاما عليها التفكير في وسائل أخر لتحقيق أمنها غير الانتصار العسكري المزعوم في حروبها.

المصدر : الجزيرة مباشر