لماذا يهرب مليونيرات الصين بالثراء الفاحش؟!

الرئيس الصيني

تُظهر تقارير الثروة العالمية استحواذ الولايات المتحدة والصين على أكبر عدد من المليارديرات وأصحاب الملايين خلال عام 2024 بأنحاء العالم. بيّنت التقارير أن مليونيرات البلدين من ذوي الثراء الفاحش ممن يملكون أكثر من 100 مليون دولار، يهربون بأموالهم واستثماراتهم من البلدين.

الدافع لدى مليونيرات الولايات المتحدة شعورهم بمستقبل غامض ينتظرهم مع عدم استقرار البلاد، باقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، والبحث عن ملاذ ضريبي يحصنهم من ضرائب مرتفعة يعتقدون أنها تبدد ثرواتهم. تسبب الانقسام السياسي المستثمرين الأمريكيين ورجال الأعمال والأسر الثرية، بحذر من رهانهم على مستقبل داخل الولايات المتحدة، ورغبتهم في الحصول على جنسية احتياطية أو إقامة خارج البلاد.

يبدو المشهد في الصين مختلفا، فاضطراب السوق الحالي يدفع الحكومة إلى وضع ضوابط صارمة على رأس المال، لوقف الفقاعات التي حطمت سوق العقار والتكنولوجيا والأسهم، وجعل النظام أكثر استقرارا، بما يثير غضب الأغنياء الذين يتهمون الحكومة بتجاهل إنقاذهم من أزمات وملاحقتهم بمزيد من القيود على نقل أموالهم إلى الخارج، وأخرى تدفع شركاءهم من المستثمرين الأجانب إلى الهرب من البلاد.

مليونيرات الاشتراكية

يكشف تقرير مؤسسة هينلي وشركائه “Henley & Partners” لاستشارات الهجرة والاستثمارات الدولية عن نمو الثروات الخاصة في الصين بنسبة 92% في العقد الماضي، أدت إلى ارتفاع عدد المليونيرات في الصين إلى 862 ألفا و400 مليونير من بينهم 305 مليارديرات و2352 شخصا تفوق ثرواتهم 100 مليون دولار، بما يوازي ثلثي ما تمتلكه الولايات المتحدة.

لا تزال الولايات المتحدة مركز الثروة الأول في العالم، إذ تستحوذ على 32% من الثروة السائلة عالميا، بقيمة 67 تريليون دولار، وتُعَد موطنا لـ37% من المليونيرات في العالم، بعدد 5.5 ملايين فرد يملكون ما يزيد على مليون دولار، منهم 9850 مليونيرا تزيد أموالهم على 100 مليون دولار مقابل 2352 في الصين و788 مليارديرا مقابل 305 مليارديرات صينيين، وفقا لتقرير الثروة الأمريكي لعام 2024.

يقيم في العاصمة بيجين 42 مليارديرا و165 ألفا و600 مليونير، تفوق ثروات 347 منهم 100 مليون دولار. تأتي شنغهاي العاصمة الاقتصادية للبلاد بالمركز الثاني في حيازة المليونيرات بعدد 123 ألفا و400 مليونير، تليها “شينتشن” بعدد 50 ألفا و300 مليونير، وهانغتشو 31 ألفا و600 مليونير، وقوانغتشو 24 ألفا و500 مليونير.

الأثرياء الجدد

يمتلك مليونيرات الولايات المتحدة -القلقون على أموالهم- القدرة على تغيير القرار السياسي، بما لديهم من أموال ونفوذ وتوجيه الرأي العام، عند اختيار الرئيس القادم للولايات المتحدة، وأعضاء الكونغرس ومجالس الولايات، ومع ذلك يخشون العقاب الذي يمكن أن تنزله الجماهير التي تتعرض لاستقطاب سياسي، مع تراجع مستويات المعيشة وارتفاع مستوى الديون.

يبدو الأمر في الصين مختلفا كليا، فالثروة التي يملكها المليونيرات تشكلت عبر قنوات نظام يديره الحزب الشيوعي منفردا، يرعى من خلاله الشركات وثروات المليونيرات الجدد، لحساب الدولة أو التي تملكوا أصولها بما أتاحته الدولة لهم من فرص هائلة بتخصيص الأراضي والقروض العامة. يخشون أن تمد الدولة يدها لمصادرة الأموال، ويسعون للخروج بها إلى ملاذ آمن أو دول أكثر استقرارا.

يحتفظ الأغنياء الذين يمتلكون أصولا تزيد على مليون يوان (الدولار= 7 يوانات) بنحو 50% من ثروة الصين، بينما يمثلون نحو 8% من تعداد السكان. تُظهر التقديرات الرسمية تركزا عاليا للثروة، بيد المستفيدين الرئيسيين خلال العقود الأربعة الماضية، الذين وُلدوا في الستينيات والسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وكانوا أول من عادوا إلى الجامعة بعد اغلاق المدارس خلال الثورة الثقافية بين 1969-1979، وأصبحوا في طليعة أصحاب المشروعات التجارية الخاصة، بعد أن وطئ الزعيم دينغ شياو بينغ الشيوعية الماوية بقدميه، داعيا إلى الانفتاح الاقتصادي، والسماح للشعب بتحقيق الثروة والثراء.

بعيدا عن السياسة

يتحسس مليونيرات الصين الاقتراب من السياسة، مكتفين بالعمل تحت لواء النظام، إذا طلب منهم الحزب الشيوعي، بينما تظهر قوتهم بالسيطرة على 64% من جميع الأسهم المتداولة وصناديق الاستثمار، ونسبة كبيرة من العقارات السكنية، المحتفظ بها كاستثمارات.

تفقد هذه الاستثمارات قيمتها في أزمات بسوق المال وسوق العقارات، بينما “تبدو الحكومة غير مبالية، وكأنها معادية للأثرياء الجدد، الذين يعتقدون أنهم أصبحوا العدو للنظام”. يعتقد أثرياء الصين أن اضطراب السوق الحالي غير مسبوق ومشوش، بعد سنوات من ارتفاع أسعار العقارات، منحتهم فرصة تملك 70% من إجمالي استثماراتها، وتقلبات عديدة بسوق الأسهم، استفاد خلالها المستثمرون من عمليات الإنقاذ الحكومي، بينما تسير الأمور حاليا في اتجاه معاكس حيث تبتعد الدولة عنهم.

يشير تقرير أصدره معهد “هورون” للأبحاث الشهر الماضي، يرصد نمط الحياة وعادات الاستهلاك لذوي الدخل المرتفع في الصين على مدار 20 عاما، تحولا واضحا بسلوك المستهلكين نحو اقتناء السلع ذات السمعة والحرفية والجودة والقدرة على إعادة بيعها، دون السعي وراء العلامة التجارية أو التصميم فقط التي كانت تدفع الأغنياء إلى شراء السيارات والملابس والساعات الفاخرة بقيمة 237 مليار دولار عام 2023. تحولت النخبة نحو الذهب والألماس والادخار بالودائع المصرفية والصناديق المشتركة، والإنفاق على الصحة والسفر.

الفقراء والعودة إلى الماضي

يتمسك الأغنياء ببراغماتية شديدة بالتفاؤل في المستقبل، في ظل مؤشرات تُظهر زيادة أعداهم بنسبة 47% بحلول عام 2028، وتركز المزيد من الثروات بأيديهم ليرتفع عدد ذوي الثراء الفاحش من 98 ألفا و551 مليونيرا إلى 144 ألفا و897 مليونيرا بحلول عام 2028.

يرتفع عدد المليونيرات في الصين بما يناطح الزيادة بالولايات المتحدة، بينما يظل نصيب الفرد من الناتج القومي عند 18 ألفا و800 دولار مقارنة بـ201 ألف و500 دولار للمواطن الأمريكي الذي يحتل المرتبة السادسة بعد مواطني موناكو ولوكسمبورغ وسويسرا وأستراليا وسنغافورة.

تقف طبقة وسطي تضم 400 مليون نسمة عالقة وسط حالة الاضطراب الاقتصادي، بعد أن جردتها الأزمات الاقتصادية خلال العامين الماضيين من ثرواتها البسيطة، وفقدان الوظائف وتراجع المرتبات.  بيّنت استطلاعات حديثة معاناة 40% من السكان انخفاض الثروة بنسبة 10% على الأقل خلال عام 2023. يهدد الفقر نحو 900 مليون نسمة هربوا من الفقر المدقع لبضع سنوات، بما يعكس تآكل الثقة بالمحركات الاقتصادية ومسيرة الازدهار التي ينشدها الحزب الشيوعي، ويُظهر أن أسلوب توزيع الثروة بين الأسر في مجتمع اشتراكي لم يكن أبدا مثاليا.

المصدر : الجزيرة مباشر