الإبادة التعليمية: جريمة ترتكبها دولة الاحتلال الإسرائيلي ضد الحضارة!

أطفال غزة يذهبون للمدارس عبر عربة تجرها حمار
أطفال غزة يذهبون إلى المدارس بعربة يجرها حمار، صورة أرشيفية (رويترز)

جرائم دولة الاحتلال الإسرائيلي لم تكشفها بعد وسائل الإعلام، وحُرمت الإنسانية من معرفتها حتى لا تقوم بالدفاع عن حقها في الحياة. وسأحدثكم اليوم عن جريمة ضد الحضارة والمستقبل؛ حيث قام جيش الاحتلال الإسرائيلي بتدمير النظام التعليمي والمعرفي في غزة.

هذه الجريمة يطلق عليها “الإبادة التعليمية”، وهو مصطلح تم صكه ليصف تدمير المدارس والجامعات، وقتل الأساتذة والمدرسين والطلاب بهدف تدمير تاريخ الشعب الفلسطيني ومستقبله.

إنها جريمة ضد الحضارة

بدأ الأكاديميون في العالم يرددون هذا المصطلح بعد أن أدركوا خطورة الجريمة ضد الحضارة؛ حيث اتهم خطاب مفتوح وقع عليه 1600 من الأكاديميين الأمريكيين إسرائيل بالتدمير الممنهج للبنية الأساسية التعليمية في غزة؛ إذ دمّرت 12 جامعة و378 مدرسة.

كما أدان 100 أكاديمي أوروبي التدمير الممنهج للنظام التعليمي في غزة، وقالوا في بيانهم: “إن التعليم يوفر أداة فعالة للأمل والحرية ضد سياسات القمع والفصل العنصري والإفقار، ويغذي ثقافة الشعب ويحرره، وهو أساس لتحقيق الرخاء الفردي والجماعي؛ لذلك تقوم دولة الاحتلال الإسرائيلي بشنّ هجمات عسكرية مستمرة على المؤسسات التعليمية في غزة؛ مما أدى إلى تعطيل العملية التعليمية بكل أبعادها.

في بيانهم قال الأكاديميون الأوروبيون: “إن الهجمات العسكرية الإسرائيلية ترقى إلى مستوى “القتل المعرفي”، وإبادة نظام المعرفة الفلسطيني، وهذا يندرج في إطار جريمة الإبادة الجماعية”.

وأدان بيان آخر وقع عليه 180 أكاديميا بريطانيا الهجمات الإسرائيلية على المؤسسات الأكاديمية البريطانية، وقتل الأساتذة والباحثين والطلاب، كما أصدرت مجموعة “علماء ضد الحرب في غزة” بيانا قالت فيه: “إن جيش الاحتلال الإسرائيلي دمّر كل المؤسسات التعليمية التي بناها الفلسطينيون خلال عقود، وإن إسرائيل تستهدف أساتذة الجامعات في غزة خاصة الذين حصلوا على درجات عليا، وربط البيان بين الإبادة التعليمية والإبادة الجماعية، وقام بتوسيع مفهوم الإبادة التعليمية ليشمل حصار المؤسسات التعليمية، أو إغلاقها أو منع الوصول إليها.

إسرائيل تغتال الأساتذة.. لماذا؟!!

تضمنت الدعوى التي أقامتها جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل أن الأكاديميين الفلسطينيين تم اغتيالهم بشكل متعمد، وقالت بلين ناي تشارليغ الممثلة القانونية لجنوب إفريقيا: “إن 90 ألفا من طلاب الجامعات الفلسطينية في غزة تم حرمانهم من الدراسة، وتم تدمير 60% من المدارس، وتدمير كل الجامعات والمكتبات، كما تم قتل مئات المدرسين والأكاديميين، ويشمل ذلك عمداء الجامعات، وعلماء فلسطينيين قياديين بهدف تدمير مستقبل التعليم في غزة.

وأضافت الممثلة القانونية أن الإبادة التعليمية تهدف إلى تدمير حياة الشعب الفلسطيني، والنظم المعرفية والتراث الثقافي، وأن إسرائيل تستهدف إبادة الطبقة المتعلمة بهدف منع الفلسطينيين من استعادة الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يمكن أن تشكل إعادة بناء غزة.

وطبقًا لإحصائيات وزارة التعليم الفلسطينية فإن جيش الاحتلال الإسرائيلي قتل 4327 تلميذا و281 مدرسا و239 أستاذا جامعيا، وأصاب أكثر من 800 مدرس.

وقد اغتالت إسرائيل 95 من رؤساء الجامعات وعمداء الكليات وأساتذتها، ومن أبرزهم سفيان تايه رئيس الجامعة الإسلامية بغزة، الذي تم تصنيفه بأنه من أفضل الباحثين في العالم، وحصل على جائزة اليونسكو لأفضل عالم. وهو أستاذ في الفيزياء والرياضيات التطبيقية وعلوم الفضاء.

لو استعرضنا تخصصات العلماء الذين اغتالتهم إسرائيل لاكتشفنا الهدف الحقيقي لإسرائيل، وهو القضاء على مستقبل الشعب الفلسطيني، ومنع هذا الشعب من تطوير العلم والتعليم، وأنها لا تبالي بأن اغتيال العلماء الذين قدموا إنجازات علمية عظيمة جريمة ضد الإنسانية والحضارة.

لو عدنا إلى التاريخ

هل جريمة الإبادة التعليمية ظاهرة جديدة ارتبطت بالعدوان الإسرائيلي على غزة؟ لو درسنا التاريخ لاكتشفنا أن العصابات الصهيونية كانت تستهدف البنية الأساسية للنظام التعليمي والمعرفي الفلسطيني منذ النكبة عام 1948، حيث قامت هذه العصابات بتدمير المدارس الفلسطينية، أو الاستيلاء عليها وتحويلها إلى مدارس صهيونية.

وهذا يعني أن تدمير نظم التعليم والمعرفة كان هدفا للسياسة الاستعمارية الإسرائيلية منذ البداية، وارتبط ذلك بتدمير المكتبات ودور الوثائق الفلسطينية، وإحراق الكتب. وقد أشارت إلى ذلك الممثلة القانونية لجنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية فقالت: “إن إسرائيل قامت منذ النكبة عام 1948 بإحراق آلاف الكتب الفلسطينية والمكتبات والوثائق والصور والمواد الثقافية.. كما قامت بتدمير المدارس الفلسطينية والاستيلاء عليها وتحويلها إلى مدارس إسرائيلية”، وأكدت أن تدمير الثقافة الفلسطينية يهدف إلى منع الفلسطينيين من المحافظة على هويتهم.

ويمكن أن نضيف إلى ذلك أن جيش الاحتلال في كل عدوان يشنه على غزة منذ عام 2006 كان يستهدف الجامعات والمدارس والمكتبات والمتاحف.. وهذا يوضح أن إسرائيل تعمل منذ النكبة على تنفيذ مخطط لمنع الشعب الفلسطيني من بناء مستقبله.

ولكن ما موقف الأكاديميين العرب؟

أشعر بالغضب والحزن والأسى وأنا أكتب هذا المقال، وأستعرض مواقف الأكاديميين الأوروبيين والأمريكيين، وأريد أن أصرخ: أين أساتذة الجامعات العرب؟ لماذا لم يصدر أحد حتى الآن بيانا يعبر عن رفض الأكاديميين العرب لقتل زملائهم، وتدمير الجامعات الفلسطينية؟ هل نفتقد الشجاعة لنعبر عن موقفنا؟!! وكيف يمكن أن ندرس لطلابنا الحرية والديمقراطية والقيادة، ونحن لا نستطيع أن نثور ضد الجريمة التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد زملائنا الأكاديميين والطلاب والجامعات الفلسطينية.

المصدر : الجزيرة مباشر