كيفية قضاء زكاة الفطر بعد رمضان

المسجد النبوي الشريف (مواقع التواصل)

في شهر رمضان يشغل الكثيرون بالنقاش حول زكاة الفطر، هل تخرج حبوبا أم مالا؟ وتعلو على سطح النقاش والحديث عن زكاة الفطر، هذه المسألة، في حين أن هناك مسائل أخرى، يكثر فيها السؤال، ويكون مهما، وتضيع أسئلة الناس المتعلقة بها، لأنها ذابت في بحر النقاش السنوي الذي لا ينتهي، ولا يحسم، حول: أمال هي أم حبوب؟

لكن هناك مسائل أخرى لا تقل أهمية عن هذه المسألة، تطرح عن زكاة الفطر، منها: من نسي أو غفل أو أهمل إخراج الزكاة، وأراد إخراجها بعد رمضان، ماذا يفعل؟ وما مصير بعض زكوات الفطر، التي أخرجها أصحابها بالفعل لجهات خيرية، أو لأشخاص موثوق فيهم، ولكن لظروف معينة تأخرت الزكاة عن الوصول إلى مستحقيها قبل عيد الفطر، فما حكم ذلك؟

متى تخرج زكاة الفطر؟

الوارد في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم في وقت خروج زكاة الفطر، أنها تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة، أي: صلاة العيد، وهذا النص كان سببا في اختلاف الفقهاء في التوقيت، فمنهم من رأى أن تخرج في أي وقت من شهر رمضان، ومنهم من ذهب إلى أيام قلائل قبل عيد الفطر، ومنهم من فضل أن تخرج في يوم الفطر نفسه قبل الصلاة، بناء على فهمهم لهذا النص وغيره من النصوص الواردة في الموضوع، سواء ما صح منها وما ضعف.

وحُكي عن ابن سيرين، والنخعي: أنهما كانا يرخصان في تأخيرها عن يوم الفطر، وفهما ذلك من حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “اغنوهم في هذا اليوم” أي: يوم العيد، يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر؛ ليتحقق بذلك إغناء الفقراء عن السؤال في يوم العيد، فمن رخص في التأخير عن يوم الفطر، ببقية أيام الفطر، نظر إلى الهدف من الزكاة بالإغناء، وهو يتحقق في يوم الفطر نفسه، بعد الصلاة، أو فيما بعده من أيام الفطر، ورغم عدم رجحان هذا الرأي، وضعفه، فإنه يظل رخصة لمن فاته أداء الزكاة في الوقت الأفضل، والأقبل للصدقة.

كيف تقضى زكاة الفطر؟

فمن فاته أداء زكاة الفطر في موعدها الذي حدده النص النبوي، وهو ما قبل صلاة العيد، فهل تسقط عنه؟ أم لا بد من تأديتها لأنها دين عليه؟

تحدث الفقهاء عن إثم التأخير، فقال الإمام الخطابي: “وقال بعض أهل العلم: تأخير إخراجها عن وقتها من يوم الفطر كتأخير إخراج زكاة الأموال عن ميقاتها، فمن أخرها كان آثما، إلاّ من عذر”، وقال الإمام العمراني الشافعي: “فإن أخرجها بعد الصلاة يوم العيد، وقبل خروج يوم الفطر.. لم يأثم، وإن أخرها عن يوم الفطر.. أثم بذلك، وإذا أخرجها بعد ذلك.. أجزأه”.

وبين الإمام ابن حزم أنها تعد دينًا عليه قضاؤه، فقال: “فمن ‌لم ‌يؤدها ‌حتى ‌خرج ‌وقتها، فقد وجبت في ذمته وماله لمن هي له، فهي دين لهم، وحق من حقوقهم، وقد وجب إخراجها من مال، وحرم عليه إمساكها في ماله، فوجب عليه أداؤها أبدا، ويسقط بذلك حقهم، ويبقى حق الله تعالى في تضييعه الوقت، لا يقدر على جبره إلا بالاستغفار والندامة”.

زكاة أم صدقة عند التأخير؟

هل تحسب زكاة الفطر لمن تأخر عن أدائها لما بعد صلاة العيد زكاة، أم قضاء للزكاة، ولا يحسب له الأجر عنها باعتبارها زكاة فطر؟ الحديث الوارد في المسألة عن ابن عباس رضي الله عنهما، ونصه: “فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة، فهي زكاة مقبولة، ‌ومن ‌أداها ‌بعد ‌الصلاة، فهي صدقة من الصدقات”. فهل كل النص هنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بناء على نص له، أم أنه مفهوم ابن عباس للموقف النبوي من زكاة الفطر؟

ما أفهمه هنا أن الزكاة يأثم من أخرها بدون عذر، وعليه أن يتوب إلى الله، وهو في باب عفو الله ومغفرته، ولا يتحتم أنها مجرد صدقة لا تقبل منه باعتبارها زكاة، وقد وردت نصوص نبوية أخرى تبين أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.

هذا فيمن لم يكن له عذر، لكن هناك بعض الأعذار التي تحدث في زماننا بحكم التقنيات الحديثة، أو بحكم الحياة الضيقة، فقديما كان هناك الجيران، ومن معه مال الزكاة يعرف الفقراء حوله، والآن أصبح من المتعذر على كثيرين معرفة من يستحقون الزكاة، وبعض الجمعيات قد تتسلم المبالغ المقدرة للزكاة، لكنها لا تسلمها لكل مستحقيها لظروف العمل، أو من تعطلت وسائل التحويل المالي إليه، أو ما يستحدث من ظروف الحياة الحالية، فعندئذ يعذر صاحبها ما دام قد نوى إخراجها، أو فصل المال ليعطيه لفقير، ولم يصل إليه لظروف معينة، وقد سئل الإمام أحمد بن حنبل عمن أخرج الزكاة ولم يعطها، فقال: نعم، إذا أعدها لقوم.

أما من تأخر عن أدائها لنسيانه، وهو ما يحدث للبعض، فتكثر عليه مطالب رمضان، ومتطلبات العيد، فينسى إخراجها في زحمة الحياة وشواغلها، فإنه يقضيها وقت تذكره، ويعفو الله عنه نسيانه، كما قال صلى الله عليه وسلم: “رفع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه”.

المصدر : الجزيرة مباشر