عيدُنا غزة

صلاة العيد في قطاع غزة

(1) بداية وليست نهاية

يأتينا عيد الفطر المبارك هذا العام وغزة تحت القصف، التدمير والخراب طال كل أحيائها والموت لا يفارق شوارعها وأزقتها.

كل يوم يدفن الغزاويون شهداءهم ولا يعرفون من سيكون التالي غدًا، المعاناة ترافقهم أينما ولوا وجوههم. معاناة وهم يحاولون إنقاذ مصاب. ومعاناة في البحث عن رغيف خبز، ومعاناة وهم يبحثون بين ركام منازلهم المنهارة عن متعلقاتهم الشخصية.

غزة كانت مثل باقي المدن الإسلامية تستيقظ يوم عيد الفطر على التهليل والتكبير حيث تمتلئ المساجد بالمصلين الذين يبدؤون يومهم بصلاة العيد، ويستكملون طقوس الفرحة بتناول الكعك وزيارة الأقارب حيث يحرص الأطفال على ارتداء الملابس الجديدة وينتظرون من الكبار نفحات العيد السخية.

هذا العام يأتيهم العيد وهم في العراء، لم يعد لدى الأطفال سوى حلم البقاء على قيد الحياة.. لكن للأسف أصبح هذا الحلم عصيًا على الكثيرين منهم. لن تكون هناك بالونات ملونة تطير في سماء غزة، فسماء غزة محتلة بطائرات العدو. ولن تكون هناك ملابس جديدة، فالأرض مغطاة بملابس ممزقة ملطخة بدماء الشهداء. ولن تكون هناك زيارات عائلية، فما تبقى من أفراد عوائل غزة ما زالوا يبكون شهداءهم ونكبتهم..

العيد في غزة مختلف لأن أهل غزة مختلفين. كُتب عليهم القتال وهو كره لهم. لكن غزة تصنع التاريخ، غزة أصبحت عنوانًا للصمود وأول طلقة في معركة تحرير فلسطين من المحتل المغتصب للحقوق. البداية كانت غزة لكن النهاية لن تكون غزة رغم الدمار الذي طال أكثر من 60% من أبنيتها وخدماتها.

(2) الحياة اختيارات

منذ الربيع العربي، لم تعرف منطقتنا المنكوبة حربًا شريفة سوى حرب غزة، حيث لا يلتبس الحق بالباطل، عكس الحروب الأهلية التي دمرت سوريا وليبيا واليمن والسودان، حيث يقتل الأخ أخاه ويختلط على الناس الأمر فلا يعرفون الحق من الباطل.

في غزة الأمر واضح وجلي؛ مقاومة مشروعة ومحتل غاشم، وكان لابد أن يأتي يوم 7 أكتوبر.

غزة اختبار يطرح على العالم كل يوم، فشل فيه الكثرة وتمسك به الأقلية، “قُل لَّا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ”.

المهم أن تظل هذه القلة على إيمانها وثباتها مع الحق، فقادة التغيير في العالم كانوا دائمًا قلة، صحيح أن الكثرة تغلب الشجاعة، لكن الشجاعة تهزم الخوف، والدول الكبرى تحكم العالم بالخوف، تفرض قرارتها بالقوة العسكرية والاقتصادية والنفوذ في المنظمات الدولية، لكن التصدع بدأ في النظام العالمي الحالي وسيستمر هذا حتى تأتي لحظة الانهيار الكامل.

كل يوم نتأكد أن هذا النظام غير عادل، وأن كل من لديه القدرة والقوة يستطيع خرقه وهو آمن من العقاب.

الأمين العام للأمم المتحدة لم يعد لديه من سلطة غير تصريحات تحذير وشجب وإدانة، لا أمل في منظمة تستضيفها الولايات المتحدة الأمريكية على أرضها وتساهم بأكبر نصيب في ميزانيتها وهو ما يجعل لها اليد العليا عليها مستخدمة أسلوب الجزرة والعصا.

نحن كعرب ومسلمين يجب أن نُعرب بصراحة عن انحيازنا لغزة، فهل يمكن أن نقف موقف المراقب المحايد وإسرائيل تبيد شعبًا من على أرضه التي احتلتها بالقوة؟

هل يمكن أن نتخيل بعد ما حدث أن أمريكا، التي تملأ خزائن السلاح لإسرائيل كلما نفذت، يمكن أن تكون وسيط سلام ويد تمتد بالمساعدة الإنسانية لأهل غزة؟.

غزة تحولت لعدسة مكبرة ترينا بوضوح العدو من الصديق، وأثبتت لنا أن المشروع الصهيوني هو مشروع استعماري عنصري، إسرائيل فيه ليست سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد، وأن الغرب سيظل يفكر في المنطقة العربية على أنها مستعمراته السابقة التي يجب أن تبقى له على الولاء والطاعة ويظل على استغلاله لخيراتها.

(3) فرحة منقوصة ولكن

الفرح بالعيد والبهجة بقدومه سنة عن سيدنا رسول الله، ورغم الحزن الكاتم على أنفاس الأمة العربية بسبب أحداث غزة، فعلينا أن نضمد قلوبنا الجريحة وأن ندخل على بيوتنا البهجة والفرحة بالعيد، ونعتبره وقتًا مستقطعًا من فترة صعبة ستستمر معنا طويلًا وحتى يأذن الله بنصر أهل الحق، وعزاؤنا الوحيد أنه رغم كل ما يحدث في غزة من دمار وقتل وإرهاب من الجانب الإسرائيلي، إلا أنها أطول حرب يدخلها الكيان الصهيوني ولا يحقق فيها نصرًا رغم تفوق جيشه بعد ستة أشهر من بدايتها.

ولقد انسحبت قواته من جنوب القطاع لتستعد لدخول رفح على حد قول قادتهم ولكنهم بإذن الله لن ينالوا ما يتمنون وستظل المقاومة الفلسطينية في غزة تثير الرعب في نفوسهم، والفرق كبير بين من يحارب عن حق وعقيدة ومن يحارب عن باطل ومتاع زائل، ولنتذكر قوله تعالي: “إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا”. صدق الله العظيم.

اللهم ثبت أهل غزة وأنصرهم وأجعل عيدهم عيدين بمدد من عندك.

وكل عام والأمة العربية والإسلامية بخير بمناسبة عيد الفطر المبارك أعاده الله علينا باليمن والبركات. وجعلنا الله دومًا من المدافعين عن الحق الرافضين للباطل.

المصدر : الجزيرة مباشر