من البوعزيزي إلى بوشنيل: الثورة قادمة!

الجندي الأمريكي الذي أحرق نفسه أمام السفارة الإسرائيلية في واشنطن تنديدا بالإبادة الجماعية في غزة
الجندي الأمريكي الذي أحرق نفسه أمام السفارة الإسرائيلية في واشنطن تنديدا بالإبادة الجماعية في غزة

شكل إشعال محمد البوعزيزي النار في نفسه صدمة للضمير العربي؛ فانطلقت الجماهير العربية في ثورة ضد الظلم والفساد والدكتاتورية.. وظلت صرخة البوعزيزي تتردد في قلوب الأحرار، الذين يرفضون الطغيان، فما ضاعت تلك الصرخة، بل وجدت صداها في هتاف الجماهير للحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.

جدد الطيار الأمريكي أرون بوشنيل تلك الصرخة أمام السفارة الإسرائيلية، ليسمعها كل أحرار العالم، قائلا: أنا لن أكون متواطئا في عملية الإبادة التي يتعرض لها شعب فلسطين في غزة، وفلسطين حرة.

وقف بوشنيل يبث رسالته الأخيرة للعالم قائلا: إنه سيقوم بعمل احتجاجي متطرف، لكنه لا يعتبر متطرفا على الإطلاق مقارنة بما يتعرض له الفلسطينيون!

كلمات من نار

كلمات بوشنيل أشعلت نار الغضب في قلوب الكثير من أحرار العالم على الدور الأمريكي في حرب الإبادة التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي، ويقتل فيها آلاف الأطفال والنساء؛ بهدف تهجير الفلسطينيين قسريا، وتعريضهم لنكبة جديدة.

ودفعت كلماته مجموعة من موظفي البيت الأبيض -الذين يعارضون العدوان الإسرائيلي على غزة- إلى إصدار بيان عبرت فيه عن أسفها للحادث، وطالبت بوقف إطلاق النار، ووجهت اللوم إلى الرئيس الأمريكي بايدن لأنه يتجاهل معارضة استمرار المأساة الإنسانية التي يشارك فيها قادتنا، وأضاف البيان أن بايدن يمتلك القوة لوقف الحرب بتطبيق القانون الدولي، والدبلوماسية القوية التي يمكن أن تحمي غزة من الدمار.

مع ذلك اكتفت الإدارة الأمريكية بوصف الحادث بأنه مأساوي، ثم لاذت بالصمت.

تحيز وسائل الإعلام الأمريكية

أما وسائل الإعلام الأمريكية فقد شكلت تغطيتها للحادث دليلا قويا على تحيزها لإسرائيل، فاكتفت بتغطية وصفية سريعة، وتجاهلت كلمات بوشنيل وأهدافه من الاحتجاج وطبيعته السياسية، ولم تقم بدورها في الوفاء بحق الجماهير في المعرفة.

واستخدمت بعض الوسائل الإعلامية الأمريكية أسلوب الصحافة السلطوية في تفسير الحادث بأن بوشنيل يعاني من مرض عقلي، لكن الحقائق توضح زيف ذلك التفسير، فسيرة أرون بوشنيل على “لينكد إن” توضح أنه شخص يتميز بقدرات عقلية ونفسية ومهارات اتصالية مكنته من القيام بأدوار قيادية في كل الأعمال التي قام بها في الجيش الأمريكي، وأنه متميز في هندسة الكمبيوتر، وحقق نجاحا كبيرا في هذا المجال، وأنه يعيش حياة مستقرة، ويحصل على دخل كبير يمكنه من تحقيق كل رغباته.

كما أن مهاراته الاتصالية والقيادية العالية مكنته من تكوين صداقات وعلاقات عمل وتعاون مع الجيران.

إنه فوضوي!!

أما جريدة الواشنطن بوست التي يعتبرها الصحفيون في العالم جريدة قائدة، ويحاولون تقليد تغطيتها للأحداث، فقد قدمت تفسيرا لا يمكن قبوله من جريدة تخضع للرقابة في أي دولة دكتاتورية؛ حيث قالت: إنه تربي في وسط متدين، وله ماض فوضوي، وإنه تحدث مع صديق له عبر الهاتف قبل أسبوع من ارتكابه الحادث عن شخصيته الفوضوية.

هذا التفسير يوضح إدراك وسائل الإعلام الأمريكية لخطورة الحادث، وأن أرون بوشنيل يمكن أن يلهم الكثير من الأحرار في أمريكا، الذين يشعرون بالعار لموقف الإدارة الأمريكية، واستخدامها للفيتو لمنع مجلس الأمن من إصدار قرار بوقف إطلاق النار، وإمداد إسرائيل بأسلحة الدمار الشامل التي تستخدمها في إبادة الشعب الفلسطيني، وإرغامها النظم العربية على حصار الفلسطينيين وتجويعهم وتهجيرهم قسريا.

تحليل مضمون رسالة بوشنيل!

التفسير الذي قدمته الصحافة الأمريكية لا يليق بصحافة تصور نفسها بأنها حرة، وتلتزم بمواثيق أخلاقية، فرسالة بوشنيل واضحة، فقد قام بعمله ليوجه إلى العالم رسالة سياسية يمكن أن نكتشف بعض دلالاتها؛ حيث كتب على صفحته على الفيسبوك: يجب أن يسأل كل إنسان نفسه: ماذا يمكن أن يفعل عندما يعيش في عبودية أو تفرقة عنصرية.. وماذا يفعل إذا كانت دولته ترتكب جريمة إبادة.. إن الإجابة الصحيحة هي ما أفعله الآن!

هذا يعني أن أرون بوشنيل ثائر على الإبادة والتفرقة العنصرية والظلم، وأنه يرفض مشاركة أمريكا في حرب الإبادة التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على غزة، وأنه لم يجد وسيلة أخرى لتعبيره عن الغضب والاحتجاج والثورة؛ سوى أن يشعل النار في نفسه أمام السفارة الإسرائيلية؛ ليلهم بذلك أحرار العالم للثورة على النظام العالمي الظالم.

هل ننتظر ثورة عالمية؟

الجماهير كانت غاضبة على الظلم والطغيان؛ فانفجرت ثورات الربيع العربي عندما أشعل البوعزيزي النار في نفسه، كانت الشعوب تنتظر الشرارة لتدافع عن حقها في الحياة، فاستمرار الواقع لا يعني سوى الموت فقرا وجوعا وحرمانا وقهرا.

ومن المؤكد أن الجماهير في العالم تشعر الآن بمرارة الظلم الذي سيدمر الحضارة الإنسانية كلها، وما يتعرض له الشعب الفلسطيني في غزة بداية انهيار عالمي شامل، فالدماء التي تغرق الأرض في غزة ستشعل النار في النظام العالمي كله، وفي كل النظم التي شاركت مع دولة الاحتلال الإسرائيلي في إبادة الفلسطينيين وقتل أطفالهم.

وكانت صرخة أرون بوشنيل تعبيرا عن كل أحرار العالم الذين يرفضون الطغيان والظلم والقهر، والنار التي اشتعلت في جسده ستؤدي إلى انفجار الغضب الذي يعم العالم كله؛ فبوشنيل ثائر تعرض لتعذيب الضمير وهو يشاهد دولته تشارك في ارتكاب جريمة ضد الإنسانية، وأنه شعر بالعار لانتمائه لدولة تقوم بإبادة شعب فلسطين. فهل نبدأ مرحلة جديدة للكفاح نردد فيها صرخة بوشنيل: “فلسطين حرة”، ونفجر غضبنا في وجوه كل النظم التي شاركت في إبادة شعب فلسطين؟ وهل نشكل بداية ثورة عالمية ضد الاحتلال والاستعمار والظلم والتفرقة العنصرية؟

المصدر : الجزيرة مباشر