أحمد المحلاوي الشيخ الثائر

الشيخ أحمد المحلاوي (منصات التواصل الاجتماعي)

عُرِفَ بالقائد إبراهيم، وعُرِفت به الاسكندرية الباسلة، فلا تكاد تذكر أحدهما حتى تذكر الآخر.

لم ينتمِ لأي فصيل في الوقت الذي حُسِب فيه عليها جميعا، فتارة هو إخوان مسلمين، وتارة من الجماعة الإسلامية، وتارة أحد أقطاب التيار السلفي.

أزهري من زمن القوة، ومعتدل في أزمنة الاعوجاج، حين سألوه عن عدم انتمائه لأي من التيارات الاسلامية على الساحة، أجاب بأنه فضل أن يكون أبا للجميع، رغم تحمله مسؤولية الخلافات التي حدثت بين تلك الجماعات خاصة تلك التي تبنت فكرة الجهاد وربما العنف ليصلح بينها وبين الدولة ويقرب وجهات النظر وينقذ ما يمكن إنقاذه.

ثبُت على كلمة الحق في مواجهة الحكم الناصري رغم خطورة ذلك في وقته ورفض الدعاء لعبد الناصر على منبر القائد ابراهيم، وحتى أُلقي به في غياهب السجون في نهاية حكم الرئيس الأسبق أنور السادات، ثم جاب الإسكندرية حاملا دعوته رافضا اتفاقية كامب ديفيد التي وقعها السادات وأثارت جدلا واسعا في وقتها.

إنه الشيخ أحمد عبد السلام المحلاوي الذي وُلد يوم 1 يوليو 1925م في محافظة كفر الشيخ، وتخرج من قسم القضاء الشرعي بكلية الشريعة جامعة الأزهر عام 1957م. ثم عمل إماما وخطيباً بوزارة الأوقاف لجامع القائد إبراهيم بمحطة الرمل بمدينة الإسكندرية قبل توقفه عن ذلك عام 1996.

المحلاوي داعية الأزهر المستنير

ظهر الشيخ المحلاوي رحمه الله بالإسكندرية في وقت كانت أنشطة الحركة الإسلامية بكل طوائفها علي أشدها وبالرغم من ذلك ظل الرجل محتفظا بهويته الأزهرية لم يتبدل رغم انخراطه في الاتصال بكافة أجنحة الحركة لتحجيم الفجوة القائمة بينها وبين النظام في فترة حكم السادات بتواصله مع شباب جماعة الجهاد ومحاولة استيعابهم بعد رفضه لمسألة العنف كسبيل للتغيير.

تحرك الشيخ بفكره الأزهري غير مبالٍ بحالة الاستقطاب القائمة في ذلك الوقت وكانت له مواقف ثابتة لم تتبدل تجاه فكرة الانضمام التنظيمي لأي فصيل. تربى على يديه آلاف من التابعين ومنهم مشاهير مثل: صفوت حجازي، وعبد العزيز الرنتيسي، ومحمد إسماعيل المقدم، لم يكن مريدوه من فصيل واحد، وإنما استطاع أن يجمع في مسجده كافة التيارات والأفكار ونجح في تهدئة حالة الصراع القائمة بين التيارات الوسطية والجهادية في الإسكندرية.

مواقفه مع الأنظمة الحاكمة في مصر

تميز الشيخ المحلاوي بالشعبوية والاتصال الجماهيري خاصة حين خرج من القائد إبراهيم ليجوب مساجد المحافظة فيتبعه الآلاف من مسجد إلى مسجد لتنتشر أفكاره وتعاليمه خاصة بين الشباب وآلاف من المحافظات المجاورة الذين كانوا يشدون الرحال للصلاة المليونية خلف الشيخ ليهرع أهالي الإسكندرية لاستقبال ضيوفهم بتجهيز وجبات السحور لمن لا يسعفه الوقت للعودة لبلده بعد صلاة التراويح خلفه وتكتظ الشوارع والمحال المجاورة للمسجد بالمصلين ومريدي الشيخ وتلاميذه.

كانت له مع الأنظمة مواقف ثابتة لم يبدلها حتى وفاته رحمه الله يوم التاسع من مارس الجاري خاصة القضايا المهمة بالنسبة للأمة:

أولا: موقفه من القضية الفلسطينية: ظل يردد مرارا وتكرارا على منبره أمام الجماهير الغفيرة أن قضية فلسطين هي قضية كل المسلمين وليست قضية الفلسطينيين وحدهم، وأنها تدخل ضمن الشأن المصري باعتبار مصر هي الجارة الأولي لدولة فلسطين المحتلة.

ثانيا: موقفه مع عبد الناصر وعدم الدعاء له: كانت فترة الحكم الناصري شديدة القساوة على علماء الأمة ومشايخها، لكنه بالرغم من ذلك لم يرضخ للضغوط التي تطالبه بالمداهنة ومن بينها الدعاء للحاكم في صلاة الجمعة، لكنه ظل ثابتا على انتقاد الحكم وعدم الدعاء لعبد الناصر.

ثالثا: موقفه مع السادات: يقف السادات في خطابه الشهير يوم الخامس من سبتمبر يتحدث عن الشيخ المعتقل قائلا إنه “مرمي في السجن زي الكلب”، وكان الشيخ قد تعرض في خطبه ودروسه لاتفاقية كامب ديفيد ورفضها جملة وتفصيلا، وفضح بنودها ووصفها بالتطبيع مع العدو الاسرائيلي، وأن سيناء لم تتحرر بالفعل، وتعرض كذلك لزوجة السادات لتدخلها في شؤون الحكم آنذاك، وظل بالسجن حتى عفا عنه الرئيس الأسبق حسني مبارك، لكنه لم يتوقف كذلك عن انتقاده والتحدث عن الحريات خاصة في آخر عهده.

رابعا: موقفه من ثورة يناير 2011: لم يكتف الشيخ المحلاوي بإبداء رأيه في ثورة يناير ودعم الشباب في خطاباته، ولكنه انضم للثورة منذ يومها الأول ليمثل مسجد القائد ابراهيم نقطة ارتكاز ثابتة للانطلاق للثورة المجيدة تحت قيادته المباشرة، ويحث الشباب على استكمالها معددا مساوئ النظام الحاكم وقتها رغم كبر سنه ليكون رمزا للثورة بالمدينة ومحرضا عليها.

الخروج على الحاكم

ومن مواقفه كذلك موقفه من قضية الخروج علي الحاكم، وقد أعلنه لشباب حركة الجهاد، لكنه اختلف معهم علي الوسيلة وطالبهم بالاستعداد وإعداد أنفسهم. وفي عدة لقاءات له مع صحيفة المصري اليوم في مايو 2008 أي قبل ثورة يناير بثلاث سنوات وفي ظل سطوة النظام الأسبق تحت عنوان “المحلاوي يخرج عن صمته” في إجابة عن سؤال عن رأيه في المراجعات التي قام بها تنظيم الجهاد قائلا: إن شباب الجهاد خاصة الذين كانوا منهم في الصعيد كانوا شيئاً مبشرا للغاية، وكان فكرهم جيداً إلي حد كبير، وقد التقيت بهم أكثر من مرة هناك لدرجة أن السادات نفسه ذكر ذلك فقال: “هو بيقول إن مفيش حريات.. طيب ما هو انتقل وذهب لأسيوط وسوهاج والمنيا..”.

وكأن الشيخ كان يستشرف المستقبل ويرى مصير أي حكم إسلامي للبلاد دون إعداد كاف للتصدي له فيرى أن قضية حكم الإسلاميين ليست هينة حتى ولو قدم لهم الحكم طواعية فيقول في نفس الحوار السابق معبرا عن شروط قبول الحكم أو التصدي له بالنسبة لأي فصيل أو فرد إسلامي قائلا ومحذرا: “فلو فرض وعرض علي اليوم بوصفي عالماً مسلماً حكم مصر سأقول لا، لماذا، لأن القاعدة ليست مهيأة، وبالتالي لن تقف معي وإذا حدث وتوليت الحكم وجاءت أمريكا الدولة العظمي ومنعت عني سفينة غلال سيثور الشعب ضدي، وبالتالي أكون قد أعطيت صورة مشوهة عن الإسلام وبدلا من ذلك علي أن أعد نفسي حتى يأتي الوقت المناسب لتولي الحكم وهذا ما كنت أنتظره من جماعة الجهاد، وعلي سبيل المثال فقد التقيت أثناء وجودي بالسجن عقب مقتل السادات بأفراد ممن عُرفوا بتنظيم الفنية العسكرية التابع لصالح سرية وسألتهم: كم كان عددكم، قالوا: “كنا 90 فرداً”، قلت: وما هي الإمكانات التي كانت لديكم، قالوا: كان معنا حبال وسكاكين، كما ورد بالتحقيقات، واستغربت لبدائية الإمكانيات وأكدت لهم لو أن السادات علم بهذه المؤامرة وتصرف بعقلانية وأعطاكم حكم مصر بشكل سلمي بدلا من موت نصفكم كما حدث ما وجدتم من بينكم من يصلح ليكون وزيرا للخارجية أو الداخلية..

وهكذا كانت عقلية الشيخ المحلاوي المتوازنة والعميقة في النظر لأمور الحكم والتعامل مع الأنظمة الحاكمة، فلا تهاون أو انبطاح أو تدليس على الناس، بالرغم من رفضه المطلق للحكم دون استناده لقاعدة شعبية صلبة تساند الحاكم المسلم في تصديه للنظام العالمي الذي يرفض وجود إسلاميين بشكل مباشر على رأس أي نظام وأن هناك طريقا طويلا من التوعية والإعداد والدعوة والتربية حتى يتهيأ الأمر بسلاسة.

رحم الله الشيخ ورزق الأمة بمثله.

 

المصدر : الجزيرة مباشر