في الصين: صاحب نوبل متهما بالخيانة العظمى!

الحائز على جائزة نوبل في الأدب، مو يان من الصين (في الوسط) خلال مأدبة نوبل في قاعة المدينة في 10 ديسمبر 2012 في ستوكهولم، السوي (غيتي)

تحول صاحب نوبل الأديب الصيني مو يان إلى متهم بالخيانة وإهانة شهداء الجيش، مقابل تجميل جنود الاحتلال الياباني الذي غزا الصين فترة الحرب العالمية الثانية. وجه 10 آلاف مدون يقودهم ماو شنغو مدير موقع “راوي الحقيقة” على شبكة “ويبو” أكبر شبكة للتواصل الاجتماعي في الصين، الاتهام للأديب -69 عامًا- مدعين أمام القضاء أن مو يان، ذكر في رواياته التي قادته للفوز بالجائزة العالمية عام 2012، إهانات تؤذي مشاعر الشعب الصيني.

طلب المتقاضون المدفوعين بروح الوطنية التي يعلي الحزب الشيوعي نبرتها، في الآونة الأخيرة، من المحكمة، منع كتب مو يان من التداول، وأن يعتذر للشهداء والشعب، مع فرض غرامة عليه بقيمة 1.5 مليار يوان، توزع بقيمة يوان واحد لكل مواطن، عن الإساءة التي تسبب لهم بها.

استند المدعون إلى قانون “الأمن القومي” أصدره مجلس نواب الشعب العام الماضي، يمنح أي مسؤول أو فرد، مقاضاة كل من يتصور أنه يسيء لأي من أفراد الجيش أو قيادات الحزب الشيوعي التاريخية والموجودة في السلطة، أو الرموز والأفكار التي يدعو إليها القادة، أو يرتدي إشارات أو يقوم بإيماءات، يعدها المجتمع تمثل إساءة إلى ثقافته وتراثه.

تجري الدعوى ضد صاحب نوبل، على طريقة “قضايا الحسبة” التي بطلت في مصر نهاية القرن الماضي، ثم عادت لتطل برأسها من جديد بعد 30 يونيو 2013، بدافع من قيادات رسمية تلاحق كل صاحب رأي، تحت دعاوى الانضمام إلى جماعة إرهابية وخيانة الوطن والإساءة للسلطة أو أحد المسؤولين.

الأراجوز والغوغاء

أصبح مو يان في نظر القوميين الجدد “أراجوز” يقفز بكلمات جميلة ودافئة ودودة لصالح اليابان من أجل الشهرة، بينما يعدّها كتاب ومفكرون وشباب أصغر سنًا من ذوي التعليم الجيد، عودة للرقابة الشعبوية المضرة بالثقة في الدولة لصالح أغلبية من ذوي التعليم والدخل المحدود، ما زالوا يؤمنون بأبوية الدولة ويرفعون قداسة الحاكم إلى مرتبة الآلهة.

لم يحظ مو يان بشهرة كبيرة، داخل الصين، فأعماله الأدبية قليلة، وعندما انسحب من العمل في جيش التحرير، أثناء الثورة الثقافية التي أغلقت الجامعات وأحرقت الكتب وشردت الكتّاب والمفكرين، من 1966-1976، تفرغ للكتابة بعيدًا عن الأضواء. انتهج الحزب مبدأ “فتح النوافذ، ثمانينيات القرن الماضي، ليسمح بتجديد الهواء” مع التجاوز مع بعض المخالفين عند “دخول الهواء المنعش أن يتسرب خلاله بعض الذباب”.

ظلت أعمال مو يان محدودة النشر، في ظل هيمنة حكومية على مؤسسات النشر والإعلام، مع ذلك استطاعت كتابته الرشيقة لبعض الإصدارات، أن تصنع تهافتًا من المثقفين والمترجمين على رواياته.

حظيت سلسلة “الذرة الرفيعة الحمراء” على شهرة واسعة، وهي تحكي عن الصراع العائلي داخل عشيرته، منذ عام 1923، وأثناء مقاومة القبيلة للاحتلال الياباني، مرورًا بالثورة الشيوعية والعشرية السوداء للثورة الثقافية وحتى عودة العلاقات الدبلوماسية بين الصين واليابان عام 1972.

يروي الكاتب صور استنزاف طاقات 3 أجيال، في صراع تسبب في إراقة الدماء والموت، بينما كانت تجري مصالح مشتركة بين العدو الياباني وبعض العائلات الصينية، ويتهافت الجميع على توفير الطعام والمأوى والنبيذ ويتشبثون بكل ما يدفعهم للحياة.

المثقفون والسلطة

يقف مو يان أمام مشاهد القتل الوحشي الذي مارسه اليابانيون في قريته، بينما لا يخفى عن القارئ زوايا الجرم الذي كانت تمارسه بعض العائلات، من أجل تحقيق مآرب خاصة، ممن يقاتلون عدوًا في الصباح، وعند المساء يحتسون الخمر مع عصير الذرة الحمراء، الذي تنتشر زراعته بمسقط رأسه “غاومي الشمالية” في مقاطعة شاندونغ.

في دولة شمولية كالصين، لا يستطيع الكاتب أن يفلت من عقاب السلطة إذا خرج عن السياق الذي ترسمه لرواية الواقع والتاريخ، وهي الصعوبة نفسها التي تواجه الرواة والمفكرين العرب، لذا عاش مو يان في الظل، رغم تسرب أعماله إلى الخارج وترجمتها إلى الإنجليزية ولأكثر من لغة. كان حظه أكثر سوءًا عندما فاز بجائزة نوبل في الآداب لعام 2012، فعادة ما تتعامل السلطات الصينية مع حائزي الجوائز الدولية في السياسة والآداب وحقوق الإنسان بحذر شديد، وتقصر حفاوتها على الفائزين بجوائز علمية ورياضية لتؤكد قدرتها على التفوق والمنافسة والإنجاز. مع إعلان الجائزة كانت الصين في نهاية مرحلة الانفتاح الثقافي التي استمرت طول 3 عقود، فتعاملت المؤسسات مع الكاتب وفقًا لرؤية قادتها، فرأينا تجاهلًا كبيرًا بفوزه من أجهزة الإعلام المحلي ودور النشر، بينما تلقفت ذلك بعض الجامعات ومؤسسات النشر باللغات الأجنبية وإن كانت حكومية.

شعبية الصين تتراجع

كانت الصاعقة قوية بالعالم العربي، الذي بدا أنه لا يعلم شيئًا عن صاحب نوبل إلا نخبة من الباحثين في اللغة الصينية، ولم يكن هناك عمل مترجم في مصر إلا ما قدمته الدكتور ناهد عبد الله أستاذ الأدب الصيني بجامعة عين شمس، الذي شرفنا بطباعته، وشروع الدكتور محسن فرجاني أستاذ الترجمة والأدب، في ترجمة عمل آخر، لصالح صندوق الترجمة بالمجلس الأعلى للثقافة.

واكب فوز مو يان، تبني رئيس الصين شي جين بينغ السلطة رسميًا في شهر مارس 2013، شعار “لترفع الصين صوتها عاليًا ليسمعه العالم”، مع ذلك ابتعد عن الأدباء والمفكرين، مفضلًا عن دعاة “البروباجندا” والإعلام المدار أمنيًا.

بعد عشر سنوات من تحويل هذا النداء إلى واقع، مدعوم بمليارات الدولارات، أنفقت على تحديث أجهزة الإعلام، وتوظيف الأدوات الدبلوماسية، وإغراق شبكات الإنترنت وقنوات محلية، ببرامج ومسلسلات مدفوعة، لتقريب وجهة نظر الصين للشعوب الأخرى، تراجعت شعبية الصين دوليًا، عما كانت عليه منذ 20 عامًا، وفقًا لمركز “بيو” للأبحاث.

قانون أكثر قسوة

أعدّ جيا تشينغ قوة أستاذ العلاقات الدولية في جامعة بيجين، وعضو اللجنة الدائمة للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، مقترحًا للجنة الحكماء في البرلمان، تستهدف دفع الجهود الشعبية لسرد قصة نجاح الصين، وقدرتها على أن تصبح نموذجًا بديلًا للنظام الليبرالي الغربي. أشار” قوة” إلى القيود المفرطة على سفر العلماء والمسؤولين المتقاعدين خارج البلاد، أو مقابلة الدبلوماسيين الأجانب، والالتقاء بالصحفيين، والتضييق على الأنشطة الاقتصادية. تجاهلت الحكومة أقوال أحد دعاتها، وناقشت خلال اجتماع مجلس نواب الشعب، الأسبوع الماضي، تعديلًا أكثر قسوة بقانون الأمن القومي، بجعل مواد القانون المطاطي، تلاحق نشطاء الحقوق المدنية والسياسية، بالسجن 20 عامًا، ويخضع المخالفون لجرائم الخيانة العظمى، بين الإعدام والنفي. نخشى أن يتجه القانون بمو يان إلى المقصلة.

المصدر : الجزيرة مباشر