هل تدمر إسرائيل نفسها؟!

يحيى السنوار
يحيى السنوار (غيتي)

 

هذا سؤال طرحه ألوف بين في مقال نشرته مجلة الشؤون الخارجية الأمريكية (فورين افيرز) في 7 فبراير 2024، وهو من أهم الصحفيين الإسرائيليين، حيث يرأس تحرير جريدة “هآرتس”، وتنشر مقالاته الصحف الأمريكية مثل “نيويورك تايمز” و”نيوزويك”، كما تنشر مقالاته جريدة الـ”جارديان”، وهذا يعني أن ما يكتبه يستحق الاهتمام والتحليل.

والمقال طويل ومتحيز بشكل عام لإسرائيل، وحاول كاتبه أن يقدم تفسيرًا جديدًا للأحداث، ويبحث عن وسائل لإنقاذ دولة الاحتلال الإسرائيلي.

لن ينسوا النكبة!

بدأ ألوف بين مقاله بقصة عن موشي ديان الذي ذهب في إبريل 1956 إلى مستوطنة إسرائيلية بالقرب من حدود غزة للمشاركة في جنازة جندي إسرائيلي قام الفلسطينيون بقتله مما سبب صدمة للشعب الإسرائيلي، فأدرك ديان أن الفلسطينيين لن ينسوا النكبة التي تعرضوا لها، وكانت نتيجتها تهجيرهم من قراهم التي استولى عليها الإسرائيليون، وسيظلون يحلمون بالعودة إلى أرضهم، وأما الحل الذي قدمه ديان فهو أن الإسرائيليين يجب أن يظلوا مستعدين ومسلحين وأقوياء حتى لا يفقدوا حياتهم.

كانوا يهتفون هذه أرضنا!

يرى ألوف بين أن 7 أكتوبر يشكل نقطة تحول في حياة إسرائيل على المستوى القومي، وعلى مستوى حياة كل إسرائيلي، وكل من يرتبط بهم، وعلى إسرائيل أن تدرك أن الصراع مع الفلسطينيين مستمر، ويشكل تهديدًا لوجودها، وأن استمرار الاحتلال وتوسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وحول غزة لن يحقق لإسرائيل الأمن.

يضيف ألوف بين مبرهنًا على صحة النتيجة التي توصل إليها أن جنود “حماس” عندما قاموا بغزو المستوطنات الإسرائيلية حول غزة والهجوم على مقرات الجيش الإسرائيلي كانوا يهتفون “هذه أرضنا”.

إن الفلسطينيين الذين تعرضوا للنكبة يعودون الآن للأخذ بثأرهم، لذلك كان ما حدث في 7 أكتوبر أسوأ هزيمة تعرضت لها إسرائيل في تاريخها، فخلال ساعات هاجم جنود “حماس” أكثر من 20 مستوطنة، وقتلوا حوالي 1200 جندي إسرائيلي، وأسروا أكثر من 200 إسرائيلي.

ونتيجة لفشل الجيش الإسرائيلي في صد هجوم “حماس” استخدم قوته الغاشمة كلها في قتل الآلاف من الفلسطينيين المدنيين، حيث أسقط الطيارون الإسرائيليون القنابل على غزة، ووعد “النتن ياهو” بتدمير “حماس”، لكنه لا يملك رؤية أو استراتيجية لتحقيق هدفه، وكل ما يفعله هو استخدام القنابل والصواريخ للتدمير والقتل.

السنوار وهزيمة إسرائيل!

يضيف ألوف بين أن الذي خطط لغزو إسرائيل في 7 أكتوبر ورسم الاستراتيجية هو يحيي السنوار من عائلة تعرضت للنكبة، واضطرت للهجرة من المجدل، وقضى 22 سنة في السجون الإسرائيلية، وأخبر المحققين الإسرائيليين أن إسرائيل سوف تهزم، وأن أسرته سوف تعود إلى قريتها، وقضى تلك السنوات كلها في السجن يحفز زملاءه الأسرى، لتحرير أرضهم التي اغتصبها اليهود في النكبة، ويرسم الخطط، ثم خرج ليقود الفلسطينيين لتحقيق حلمهم في العودة إلى أرضهم.

إسرائيل تتعرض للخطر!

بعد أن يستعرض الكثير من الأحداث يتوصل ألوف بين إلى نتيجة مهمة هي أن مستقبل إسرائيل يرتبط بتاريخها، فالخطر يحيط بها بسبب اغتصابها لأراضي الفلسطينيين وتهجيرهم، واستمرار الاحتلال والاستيطان.. إنه اختيار خطر، وعلى المواطن الإسرائيلي الذي سبب له حدث 7 أكتوبر الرعب أن يستمع إلى اقتراحات السلام حتى لا يتعرض لكوارث جديدة، فالاستقرار لا يمكن أن يتحقق طالما أن إسرائيل تتجاهل حقوق الفلسطينيين، وترفض طموحهم ووجودهم وقصتهم.. ذلك هو الدرس الذي يجب أن يتعلمه الإسرائيليون من تحذير ديان، فإسرائيل لا يمكن أن تتجاهل الوجود الفلسطيني إذا أرادت أن تعيش!.

لكن “النتن ياهو” باع الدولة!

إن 7 أكتوبر بداية فترة مظلمة في تاريخ إسرائيل تتميز بعنف متزايد ومستمر، وهذا الهجوم هو مجرد بداية للكثير من الأحداث المقبلة، فما الحل؟!

يقدم ألوف بين تصوره للحل في أن يبحث الإسرائيليون عن صيغة جديدة تضمن لهم إمكانية التعايش مع الفلسطينيين، لكن ذلك يبدو احتمالًا بعيدًا، “فالنتن ياهو” يصر على استمرار الاحتلال والصراع، ويرفض إقامة دولة فلسطينية.

تاريخ “النتن ياهو” يوضح رفضه للتفاوض مع الفلسطينيين، للتوصل إلى حلول سلمية، فقد وعد شعبه بتحقيق الازدهار من دون سلام، وبذلك باع الدولة بفكرة أنه يستطيع احتلال الأراضي الفلسطينية للأبد بتكلفة عالمية ومحلية قليلة، وشجعه على ذلك أنه تمكن من تطبيع العلاقات مع عدد من النظم العربية.

لكن ما حدث في 7 أكتوبر يوضح أن وعود “النتن ياهو” زائفة، وأن عملية السلام ماتت، لكن الشعب الفلسطيني تمكن من أن يحافظ على قضيته حية، وأثبت أن استمرار الاحتلال يشكل خطرًا على إسرائيل، ولن يحقق الأمن أو الاستقرار.

لحظة حاسمة في التاريخ!

إنها لحظة حاسمة في التاريخ كما يري ألوف بين، “فالنتن ياهو” أضعف المؤسسات الديموقراطية الإسرائيلية، وحوّل الدولة إلى ديكتاتورية ثيوقراطية، ووجوده يهدد بتمزيق دولته، ولا يمكن أن يدير مناقشة داخل المجتمع الإسرائيلي للتوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين، ونهاية الحرب في غزة تعني سقوط حكومته، لذلك سيستمر في الاحتلال والصراع، ولا يمكن أن يدرك أن إسرائيل لن تعيش دون حل المشكلة الفلسطينية.

تلك أهم النتائج التي توصل إليها ألوف بين في مقاله، لكن غرور القوة يمنع “النتن ياهو” وحكومته من الاستماع إلى صوت العقل، ولذلك سيستمر الصراع، وستحدث الكثير من المفاجآت، ولن ينسى الفلسطينيون حلمهم وحقهم في تحرير أرضهم.

المصدر : الجزيرة مباشر