جواز الاحتفاظ بالدولار في مصر.. والتعامل به قانوني منذ 48 عاما

هل حيازة الدولار جريمة في القانون المصري؟ (رويترز)

 

بعد نحو عامين من عجز السلطات المصرية عن مواجهة السوق غير الرسمية للتعامل بالدولار لجأت للحل الأمني المصحوب بتسريب بعض الأخبار عن موارد دولارية قادمة في الطريق، الذي لم يقتصر على المتعاملين بالدولار خارج الجهات الرسمية كما ينص القانون، ولكنه امتد إلى حائزي الدولار في الشوارع والمكاتب، باستيقاف السيارات في الطرق وتفتشيها، ومداهمة مقار الشركات بحثًا عن الدولار.

وإذا كان الحل الأمني قد تمكن من إيقاف تصاعد السعر وخفضه حول الستين جنيهًا، فقد تسبب بالوقت نفسه في تعطل عمليات البيع بالسوق الموازية، مما أصاب كثيرًا من الأنشطة الصناعية المعتمدة عليه لاستيراد مستلزماتها بالشلل، كما أساء الحل الأمني لبيئة الاستثمار بعدم الالتزام بالقوانين، في وقت خرج فيه كثير من المستثمرين المصريين للعمل في دول خليجية وإفريقية.

وما نود التركيز عليه هنا هو الموقف القانوني للحملات الأمنية التي استهدفت الأشخاص في الشوارع والمكاتب، رغم إجازة قانون النقد الأجنبي رقم 97 لسنة 1976 بمادته الأولى للأفراد والشركات الاحتفاظ بكل ما يؤول إليهم أو يملكونه أو يحوزونه من نقد أجنبي، كما أن لهم الحق في القيام بأية عمليات للنقد الأجنبي، بما فيها التحويل للداخل والخارج، والتعامل بالعملات الأجنبية داخل البلاد عن طريق البنوك وشركات الصرافة وشركات تحويل الأموال.

قانونا 1994 و2003 خلا من الحبس

وظل ذلك الحق مقررًا في قوانين النقد الأجنبي التي صدرت بعد ذلك، وهي القانون 38 لسنة 1994 بمادته الأولى، وقانون البنوك رقم 88 لسنة 2003 بالمادة 111 منه، وقانون البنوك رقم 194 لسنة 2020 الساري حاليًا بالمادة 212 منه، مما يعني عدم قانونية ما حدث من استيقاف للأشخاص أو مصادرة ما معهم من عملات أجنبية، أو اتخاذ أية إجراءات قانونية تجاههم في حالة حيازتهم للعملات الأجنبية أيًا كان حجمها.

ونعود إلى مربط الفرس وهو تهديد الأشخاص عند حيازتهم للعملات الأجنبية بقبول أحد خيارين وهما: قبول مصادرة المبالغ الموجودة معهم أو تحويلهم للقضاء وإمكانية تعرضهم لعقوبات التعامل بالنقد الأجنبي خارج القنوات الرسمية، التي تصل إلى السجن لفترة تتراوح ما بين ثلاث إلى عشر سنوات، وغرامة من مليون جنيه وحتى خمسة ملايين جنيه، مع مصادرة المبالغ المضبوطة.

مما يدفع الكثيرين لتفضيل خيار الاستغناء عما لديهم من عملات أجنبية، بدلًا من عمل قضايا لهم، وحتى بعض من يعرف أن حيازته للعملات الأجنبية قانونية، فإنه يتحاشى الإجراءات البوليسية والاحتجاز بأقسام الشرطة مع المجرمين لفترة قد تطول حتى تتم إحالته متهمًا للنيابة.

وهنا نستعرض عقوبة جريمة التعامل بالنقد الأجنبي خارج البنوك والقنوات الرسمية، في ستة قوانين نظمت التعامل بالنقد الأجنبي في التاريخ المصري، كان أولها قانون 1939 الذي صدر بعد أسابيع عدة من نشوب الحرب العالمية الثانية، وكانت العقوبة به الحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وغرامة لا تتجاوز 200 جنيه أو بإحدى العقوبتين، وجاء قانون عام 1947 مع أجواء خروج مصر من منطقة الجنيه الإسترليني، وكانت العقوبة به الحبس من ستة أشهر وحتى ثلاث سنوات، والغرامة من 100 جنيه وحتى ألف جنيه أو بإحدى العقوبتين.

ومع الانفتاح الاقتصادي بعد حرب 1973، كان تخفيف العقوبة لتصبح الحبس مدة لا تقل عن شهر، وغرامة من 200 جنيه وحتى ألف جنيه أو بإحدى العقوبتين، وكان التخفيف الأكبر للعقوبة بقانون النقد الأجنبي الرابع الصادر عام 1994، وفي أجواء المطالبة بوقف العقوبات البدنية بالنشاط الاقتصادي، لتخلو عقوبة التعامل بالنقد الأجنبي خارج الجهات الرسمية من عقوبة الحبس، والاكتفاء بالغرامة وحدها التي تم خفض قيمتها إلى ما بين 500 جنيه وحتى ألفي جنيه فقط!

تحول من الغرامة فقط للسجن والغرامة

ومع إلحاق المواد القانونية الخاصة بالتعامل بالنقد الأجنبي في قانون البنوك الصادر عام 2003، فقد خلا هذا القانون أيضًا من عقوبة الحبس لجريمة التعامل بالنقد الأجنبي خارج القنوات الرسمية، ولكنه زاد الغرامة لتصبح ما بين 10 آلاف جنيه وحتى 20 ألف جنيه، وظل الأمر كذلك لأكثر من 3 سنوات، حتى تولى طارق عامر منصب محافظ البنك المركزي أواخر عام 2015.

وسط أزمة نقص بالنقد الأجنبي ونشاط للسوق الموازية لم تفلح محاولاته للتصدي لها، وفي ضوء شخصيته الصدامية التي تجلت باستبعاده لعدد من قيادات البنوك لعدم رضائه عنهم، وإجراءاته العنيفة تجاه شركات الصرافة وإغلاق بعضها، رغم وجود مندوب من البنك المركزي بكل فرع لها في أنحاء البلاد ليراقب عملها ليتقدم بتعديل للمادة الخاصة بعقوبة التعامل بالنقد الأجنبي في قانون البنوك، التي كانت تقتصر على الغرامة فقط، ليحولها في أغسطس/آب 2016، إلى السجن فترة ما بين ثلاث إلى عشر سنوات، ويضاعف الغرامة لتصبح ما بين مليون جنيه إلى خمسة ملايين، واستمر قانون البنوك لعام 2020، مع الاحتفاظ بالمادة نفسها في القانون الجديد برقم 233 بالنص نفسه دون أي تعديل.

ويظل السؤال الجوهري هل أسهم تشديد العقوبة بالحد من نشاط السوق الموازية؟ والإجابة المباشرة أنه بالفترة التي تلت التشديد في أغسطس/آب 2016، زاد السعر في السوق الموازية بالشهور التالية بشكل أكبر عما كان قبلها، ولم يتم التصدي للسوق الموازية بشكل حقيقي إلا بالإجراءات الاقتصادية، حين وفرت البنوك الدولار لطالبيه ورفعت السعر الرسمي ليفوق السعر بالسوق الموازي في ديسمبر/كانون الأول 2016.

ويؤكد ذلك تاريخ عقوبات التعامل بالنقد الأجنبي في القوانين المختلفة، فقانون عام 1939 نص صراحة على أنه لا يجوز للمحكمة الأمر بالمصادرة للمبالغ موضوع الدعوى، وهو أمر غاب عن باقي القوانين التالية له، كما تضمنت القوانين منذ عام 1976 إمكانية التصالح مع المتهم، وأنه لا يجوز رفع الدعوى العمومية إلا بناء على طلب الوزير المختص أو من ينيبه منذ عام 1976.

استمرار الغرامة وحدها رغم أزمات الصرف

وربما يقول البعض إن غياب عقوبة الحبس عن قانون 1994 الذي تم خلاله خفض الغرامة إلى ما بين 500 إلى ألفي جنيه، قد جاء في وقت لم تكن به سوق موازية، وكان سوق الصرف الأجنبي مستقرًا حينذاك، والتخلص من الدولار منتشر مما زاد من أرصدة احتياطيات النقد الأجنبي وقتها، لكنه رغم ظهور السوق الموازية منذ 1999 وما بعدها لم يطالب أحد بتشديد العقوبة.

كذلك غياب عقوبة الحبس عن قانون البنوك الذي صدر في يونيو/حزيران 2003، بينما كانت أزمة كبيرة بالنقد واستفحال للسوق الموازية حينذاك، كما يرد عليهم مجيء فاروق العقدة محافظًا للبنك المركزي أواخر عام 2003 الذي لم يلجأ لتشديد العقوبة، وإنما لجأ للإجراءات الاقتصادية خلال عام 2004 حتى استطاع في نهاية العام أن يجعل الجهاز المصرفي يقود الدفة بسوق الصرف الأجنبي، ويحقق الاستقرار لسعر الصرف لسنوات عدة تالية.

كما لم يلجأ هشام رامز محافظ المركزي عام 2015، مع نشاط السوق الموازية وقتها لإعادة عقوبة الحبس، بينما جاء من تلاه في المنصب بعقوبة السجن التي لم ترد بأي قانون سابق للنقد الأجنبي منذ عام 1939 مما يتطلب مراجعة تلك العقوبات القاسية الحالية التي يذهب ضحيتها صغار المتعاملين، مع وجود فارق كبير بالسعر بين السوقين الرسمي والموازي، والإدراك أن الإجراءات الاقتصادية هي وحدها الكفيلة بإنهاء وجود السوق الموازية، وأن السوق الموازية في وقت الأزمات تؤدي مهمة مطلوبة، من دونها ستكون الأمور أكثر سوءًا بالأنشطة الصناعية والتجارية والطبية وغيرها..

إلى جانب الانفصام القانوني حين يخلو قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار من العقوبات البدنية والاكتفاء بالغرامة فقط مهما كان حجم الجريمة، بينما يكون السجن لسنوات عدة لشخص بسيط يبيع 100 دولار بالسوق الموازية، للاستفادة من فارق السعر لمواجهة صعوبات المعيشة، أو سجن شخص يشتري دولارات لشراء دواء من الخارج غير متوافر محليًا، مع استمرار السؤال البديهي هل يبيع كبار العاملين بالبنوك أو كبار المسؤولين أو النواب أو كبار الإعلاميين ما لديهم من دولارات بالسعر الرسمي؟

المصدر : الجزيرة مباشر