شباب الصين يطلب الثروة بالبخور وصلوات رقمية!

احتفالات عيد التنين (رويترز)

أثارت الأزمة الاقتصادية التي تمر فيها الصين، اهتمام مئات الملايين بقضاء الناس فترة استرخاء طويلة، بمناسبة رأس السنة القمرية “تشونيون” التي بدأت 26 يناير الماضي إلى 17 فبراير الجاري، وحرص كثيرون على أن تمتد الإجازة لمدة 40 يومًا، فخرجوا مبكرًا من المدن الكبرى إلى مسقط رؤوسهم، إما غضبًا من سوء المعيشة والبطالة التي تلاحقهم أو قضاء وقت أطول مع عائلاتهم، وتناول وجبة عشاء رأس السنة الجديدة “نياني” في الوقت الوحيد لتجمع العائلات.

يقول لي شوي عالم الاجتماع بجامعة هونغ كونغ الصينية في شنتشن: لا شيء في الصين يكافئ تجمع الأسر على عشاء “نياني” رمز لم الشمل، لكونه طقسًا مرتبطًا بالجذور منذ آلاف السنين، ويتناولون وجبة تتكون من 12 طبقًا لمختلف أصناف الطعام، ويشرف عليه أكبر أعضاء العائلة سنًا، ويحظر استخدام وجبات أو أصناف جاهزة، مما تفضله الأجيال الجديدة، لأنها تدنس روح “نياني”، ولا تتوقف أهمية “نياني” عند تقاليد الطهي التي تفوق اهتمامات الغرب بـ”عيد الشكر” والتهامهم “الديك التركي”، وإنما الشعور بالدفء بين أفراد العائلة وتبادل الذكريات وحفظ التقاليد، والتأكيد أن “نياني” لن يكون في مكان آخر غير مسقط الرأس ومع العائلة.

ليلة “تشونيون”

قدرت الحكومة سفر مئات الملايين عبر 1.8 مليار رحلة نقل جماعي بالقطارات والحافلات، لقضاء “تشونيون”، وذلك أقل بعدد 300 مليون رحلة عن عام 2023، متوقعة تفضيل البعض السفر بالسيارات الخاصة لأول مرة، عبر 9 مليارات رحلة. أدرجت الحكومة السفر بالسيارات الخاصة، ضمن تقريرها السنوي لأول مرة. لا يفضل المواطنون السفر بسياراتهم على طرق تمتد آلاف الكيلو مترات، تقطعها الجبال الوعرة والبحيرات الشاسعة، وفي ظل أجواء شديدة البرودة، ولكن هذه المرة يبحثون عن ترشيد نفقاتهم، التي أدت إلى تراجع قضاء العطلة في الخارج، بنسب تصل إلى 60%، عن إجازة 2019، قبل انتشار كوفيد-19.

منحت الحكومة السفر على الطرق مجانًا، في وقت يتراجع استهلاك المواطنين لكل شيء، “حيث يظهر ضعف ثقة المستهلك إلى جانب الضغوط الانكماشية، أن المستهلكين ليسوا على استعداد للإنفاق، وتركيز كل ميزانيتهم على مواسم العطلات”، كما يرصدها تشن لوه رئيس أبحاث المستهلكين في الصين بشركة “بي أو إف إيه سكيورتيز” في هونغ كونغ.

في سوق “شاهي”

رصدت وسائل الإعلام الصينية، اهتمام الشباب بقضاء” تشونيون”، خاصة من لم يتمكنوا من العودة إلى مسقط رأسهم، في المدن الكبرى مثل بيجين، وشغفهم بالبحث عن الجذور والسعادة في أسواقها القديمة، فاتجه الآلاف إلى سوق “شاهي” الشعبي، الذي اعتدنا كغرباء الذهاب إليه وسوق “الحرير” طلبًا للمنتجات الرخيصة، التي تبدأ بالمأكولات الطازجة، وعروض الفراء الروسي والمعدات الثمينة.

يشبه “شاهي” الأسواق الشعبية بالدول العربية، حيث يجتمع الباعة والمشترون بمساحات مفتوحة، في يوم محدد أسبوعيًا. تنقرض الظاهرة عربيًا، بينما ازدادت 3 أضعافها في الصين مؤخرًا. تشير مراكز أبحاث تسويق بأن 68% من روادها يخططون لزيادة نفقاتهم بالأسواق الأسبوعية، على الشاكلة نفسها منذ 2000 عام، لدعم اقتصاد الشارع.

تتناقض الظاهرة، مع توسعات هائلة في المدن، شملت إقامة ناطحات سحاب متصلة بشبكات مترو الأنفاق والمواصلات العامة ومواقف السيارات، ليمكنك قضاء أيام عدة في أسواقها، دون أن ترى ضوء السماء. اللافت أن “المظاريف الحمراء” التي تحمل شعار السنة القمرية الجديدة “التنين” جاءت أكثر المشتريات الشعبية في العيد، لشباب ما بين 18 إلى 35 عامًا. تظهر جريدة “جلوبال تايمز” التابعة للدولة إحصائية لمعهد أبحاث السوق “كانتر وورلد بانل تشينا” أن نسبة 83% من الشباب حملوا البطاقات الحمراء احتفالًا بعيد “التنين”. تستخدم المظاريف في وضع أموال حقيقة لإهدائها كـ”عيدية” للآخرين، وفي أكثر الأحيان توضع صور ملونة للعملات بداخل المظاريف تهدى للأطفال، أو تحرق داخل المعابد كقربان للموتى.

بطاقات عيد “التنين” الحمراء

مع تصاعد الأزمة الاقتصادية، زاد احتفاء الشباب بعيد التنين، ذلك الوحش الأسطوري، من بين 12 حيوانًا في نظام الأبراج للتقويم القمري الصيني، واتخذوه “إله الماء” منذ عام 202 قبل الميلاد. يعتقد الناس أن “التنين” يجلب لهم السعادة والثروة، ويحميهم بقوته الأسطورية “فو” من الأعاصير ويمنحهم المطر، ويضمن لهم الحصاد الجيد ويحمي سفنهم عبر البحار. اندفع الشباب الذي يعاني 24% منهم البطالة وتراجع الأجور، إلى المعابد لحرق البخور، معتقدين أن “فو” سيزيدهم ثروة ويجلب لهم الحظ، ومن لم يستطع اشترى هدايا من البخور لحرقها عبر غرف البث المباشر، تديرها مجموعات روحية متصلة بالمعابد الطاوية والبوذية.

رصدت منصة “D-pai” حرق أكثر من 500 ألف عود بخور وشراء آلاف التماثيل لـ”إله المال” لجلب الحظ على الطريقة الطاوية، في أسبوع العيد. تشير جريدة “Gin daily جين ديلي” المهتمة بالمودة لذوي الدخل المرتفع، إلى توجه الشباب إلى المعابد والصلوات الرقمية والسحر في الأوقات العصيبة، أملًا في جلب الحظ والسعادة.

ضرب الودع والرمل افتراضيًا

تفرض الحكومة رقابة حديدية على الأنشطة الدينية، خاصة عبر الإنترنت، مع ذلك نمت موجة واسعة لبيع الاستشارات الروحية والنفسية للجمهور، عبر تطبيقات خاصة. جاء تطبيق “CECE” الأعلى استخدامًا، تديره مجموعة من العرافين لقراءة الأبراج وتقديم مشورات روحية لنحو مليون متابع، تتعلق بعلاقات الفرد مع الآخرين والتخطيط الوظيفي.

في لعبة “CECE” وهي أشبه بضرب الودع والرمل التي يمارسها قبائل الغجر بالدول العربية، يمكن للشخص المشاركة في التحدث للعبة “CECE,S sand play game”، ووشوشة اللعبة الرقمية عبر الإنترنت، وينتظر أن يأتيه العراف بنبوءة، بعد دفعه نحو دولار ونصف الدولار عن الدقيقة. تقدر شركة أبحاث “فروست آند سوليفان”، سوق استشارات العلاج النفسي والروحي عبر الإنترنت، عام 2023، بنحو 940 مليون دولار، متوقعة بلوغه 1.46 مليار دولار عام 2025.

تدفع ضغوط الحياة الحديثة الناس إلى ظهور “اقتصاد روحي” يوفر الراحة للمواطنين، عبر المعابد التي زاد الولوج إليها فعليًا بنسبة 367% عام 2023، مقارنة بالفترة نفسها عام 2022، مع تركيز الشباب على حرق البخور والصلاة الافتراضية، بينما الدولة تلتزم بالعلمانية وعدائها الواضح للأديان كافة.

 

 

 

 

 

 

المصدر : الجزيرة مباشر