هجرة غير مسبوقة.. لماذا لامبيدوزا بالذات؟

إلى جزيرة "لامبيدوزا" الإيطالية

 

هجرة غير مسبوقة إلى جزيرة “لامبيدوزا” الإيطالية، وتدفق مهاجرين بشكل مكثف وعشوائي قادمين من شمال إفريقيا عبر المتوسط. تداعيات أزعجت إيطاليا كلها، وجعلها ترسل طلبات الاستغاثة إلى الاتحاد الأوروبي.

قبل أيام قليلة أكثر من 7 آلاف مهاجر حطوا الرحال دفعة واحدة في الجزيرة الإيطالية، عبر 199 قاربًا نقلهم تباعًا إليها في ظاهرة غير مسبوقة أثارت مخاوف السكان المقدر عددهم أصلًا بحوالي 8 آلاف شخص، فجأة وجدوا أن عددهم تضاعف في أسبوع واحد، فحدث هرج ومرج، وتكدس غير مسبوق أثار مخاوف الإيطاليين مجددًا من هجرة المتوسط، وجعلهم يتساءلون أين الشركاء الأوروبيون مما نحن فيه؟

لماذا لامبيدوزا بالذات؟

لامبيدوزا لا تبعد أكثر من 150 كيلو مترًا من السواحل التونسية، وهي أهم نقطة عبور للمهاجرين القادمين عبر المتوسط، فأغلب قوارب التهريب القادمة من الساحل التونسي تتجه صوب الجزيرة، ودائمًا عندما تكون الأجواء صافية والبحر هادئ يسرع المهربون لنقل الآلاف عبر القوارب إلى الجزيرة.

احتلت الجزيرة صدارة الأخبار بعد هذا التدفق الكبير، وبعد أن ضاقت مراكز الاستقبال بالمهاجرين، واكتظت بهم الشوارع، وفيما أعلنت الجزيرة الطوارئ بات الارتباك الحكومي والأوروبي سيد الموقف، فلا هم قادرون على وقف هذا السيل البشري، ولا على إعادتهم من حيث أتوا.

لم يجد المهاجرون الطعام، وامتنعت بعض المطاعم عن إمدادهم بالغذاء، وتبرم بعض الأهالي من هذا الهجوم الكاسح، فيما قام البعض الآخر بالتبرع لهم ودفعوا نفقات طعامهم التي تناولوها في بعض المطاعم.

اتفاقات مع دول شمال إفريقيا لوقف الهجرة

حالة من الارتباك الكبير سادت تصريحات المسؤولين الأوروبيين أظهرت إلى أي مدى يسود التخبط في طريقة إيجاد حلول فاعلة لحل مشكل الهجرة عبر المتوسط، فالمشكلة ما زالت قائمة رغم الإجراءات كلها التي اتخذها الاتحاد الأوروبي في السنوات القليلة الماضية، آخرها هذا الاتفاق الذي وقّعه مع تونس ويدفع بمقتضاه مليار يورو على دفعات من أجل أن تقوم تونس بمنع الهجرة من سواحلها الشمالية إلى أوروبا.

إن أحد أسباب المشكلة هو الحيرة الأوروبية بين النزعة القومية العنصرية التي ترفعها الأحزاب اليمينية في بعض الأحيان وحقوق الإنسان وحقوق اللاجئين التي نصت عليها الدساتير الأوروبية، لهذا كان التفكير دائمًا في وجود حل عن طريق طرف ثالث وهو ما سعى إليه الاتحاد الأوروبي عندما وقّع اتفاقيات مع تركيا واليونان وتونس، وهو يحاول أن يجد شركاء آخرين جدد يقومون بهذا الدور نيابة عنه.

أرقام مفزعة للغرقى في المتوسط

هذا العام وحده توفي حتى الآن ألف شخص غرقًا في البحر المتوسط من الحالمين بالفردوس الأوروبي، وهذا يؤكد حقيقة أن لا شيء تغير، رغم الوعود الأوروبية المتكررة بإيجاد حل دائم للأزمة، ومع أن قوات المراقبة الأوروبية “فرونتكس” تنتشر في مياه المتوسط ، لكنها مع الدعم كله الذي تحظى به، لم تسطع حتى الآن لا وقف الهجرة ولا وقف الموت وإنقاذ المهاجرين، فالإحصاءات الصادمة تقول إن أكثر من 26 ألف مهاجر غرقوا في مياه المتوسط منذ عام 2014، وقصص الغرق كلها كانت مأساوية، أبرزها كانت تلك السفينة التي غرقت قبالة السواحل اليونانية، وكان على متنها نحو 750 مهاجرًا لم يتم إنقاذ سوى 104 منهم فقط.

إن مأساة لامبيدوزا كشفت الفشل الأوروبي، وفشل الحكومة الإيطالية، والساسة الأوروبيين كلهم الذين يتاجرون بقضية المهاجرين من أجل أصوات الناخبين، فرئيسة الحكومة الإيطالية اليمينية “جورجيا مليوني” ونائبها “ماتيو سافيني” كانا أثناء حملتهما الانتخابية قد قطعا وعودًا في سنة 2022 بوقف قوارب الهجرة، بينما نراهما الآن وهما عاجزان عن ذلك، وعندما تتوجه رئيسة الوزراء مليوني بالنداء للاتحاد الأوروبي للمساعدة فهي قد فشلت حتى أنها أمام هذا التحدي الصعب قررت مد الجزيرة بـ45 مليون يورو بشكل عاجل لمواجهة الأزمة، أما المفوضية الأوروبية التي لم تعمل أي شيء حتى الآن، اكتفت بتذكيرها أنها كانت قد أرسلت لها 14 مليونًا من الأموال الأوروبية المخصصة لهذا الغرض!

ألمانيا توقف استقبال المهاجرين وفرنسا تشدد الإجراءات

لا شك أن أحد جوانب المشكلة أيضًا هو غياب التنسيق بين دول الاتحاد الأوروبي، ففي الوقت الذي يتكدس فيه اللاجئون في لامبيدوزا نجد أن ألمانيا قد أعلنت من جانبها وقف استقبال المهاجرين القادمين من إيطاليا، في حين أعلنت فرنسا إرسال تعزيزات للتصدي للهجرة غير النظامية على حدودها مع إيطاليا.

أما رئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون ديرلايين” فقد زارت الجزيرة رفقة رئيسة الوزراء الإيطالية، للوقوف على ما تعانيه وسكانها من موجات الهجرة المتكررة، وتحدثت عن أهمية وقف تلك الهجرة.

وهكذا عدنا مرة أخرى إلى الصورة المتكررة نفسها من اجتماعات المسؤولين الأوروبيين وتحركاتهم التي لن تسفر أبدًا عن أي حلول متوقعة، أيضًا اجتماع وزراء داخلية فرنسا وإيطاليا وألمانيا وممثلًا عن الرئاسة الإسبانية لمجلس الاتحاد الأوروبي ومفوضة الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية يلفا يوهانسو للبحث في الأمر ذاته، لكن لا خطط ولا نتائج فقط تصريحات مثل ما قالته ميلوني وهي تدعو الاتحاد الأوروبي إلى القيام بعمليات لوقف قوارب الهجرة على الفور، وقالت: “يجب إرسال البحرية وقوات فرونتكس لحماية الشواطئ الأوروبية”، ويبدو أنها نسيت أن قوات “فرونتكس” موجودة بالفعل، وأن هذا التدفق البشري كله على الجزيرة تم رغم وجودها!

المصدر : الجزيرة مباشر