السجائر تعكر “مزاج” المصريين ومصدر يكشف للجزيرة مباشر سبب الأزمة

أزمة نقص السجائر في مصر دفعت بعض المدخنين إلى نشر مقاطع فيديو يعبرون فيها عن غضبهم من استمرار الأزمة (أسوشيتد برس- أرشيف)

رغم أنها ليست سلعة استراتيجية، ورغم أنها ضارة بالصحة كما هو مدوّن على أغلفتها، فإن أزمة السجائر المتفاقمة في مصر حاليًّا، تصدرت اهتمامات قطاعات عريضة من المصريين، ودفعت السلطات إلى التدخل بشكل عاجل لاحتوائها.

فقد شهد سوق السجائر المصري مظاهر جديدة لم يعتدها من قبل، حيث اختفت السجائر من العديد من المحال التجارية، وارتفعت أسعار المتاح منها بصورة جنونية، وتزاحم صغار التجار في طوابير أمام مراكز التوزيع.

ويحكي حسن فتحي، الذي يسكن أحد أحياء الجيزة شمالي مصر، وهو مدخن، أنه واجه صعوبة كبيرة خلال الفترة الماضية في الحصول على علبة سجائر، ولم يكن يتوقع أن رحلة العثور على هذه العلبة ستكلفه كل هذا الوقت والجهد والمال، وأن تستمرّ قرابة شهرين.

ويضيف في حديثه لموقع الجزيرة مباشر، أن أصحاب المحال لا يبيعون إلا لمن يطمئنون إليه من أهالي المنطقة، ويمتنعون عن البيع للغرباء، خشية أن يكونوا من رجال الأمن والرقابة المتخفين؛ لأنهم يبيعون بأسعار غير رسمية.

وأوضح فتحي أن السعر غير الرسمي المتداول لعلبة السجائر، يختلف من محل إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى، وأن سوقًا سوداء ضخمة للسجائر ظهرت في الآونة الأخيرة.

وروى موقفًا كان شاهدًا عليه يوم الجمعة الماضي، حين طلب أحد الزبائن علبة سجائر وأراد أن يدفع سعرها الرسمي وهو 24 جنيهًا، إلا أن صاحب المحل أصر على مبلغ 65 جنيهًا (2 دولار) للعلبة وإلا فلن يبيع له، وبرر البائع إصراره بأن الشركة الموزعة كانت تخصص له 5 خرطوشات (الواحدة تضم 10 علب سجائر) في اليوم، وخفضتها إلى خرطوشة واحدة فقط يوميًّا.

وارتفعت أسعار السجائر في الأسواق بأنواعها كافة، خاصة سجائر كليوباترا الأكثر بيعًا، إذ قفزت من 24 جنيهًا للعلبة الواحدة، وهو سعرها الرسمي حتى الآن، إلى 65 جنيهًا في الأسواق، و55 جنيهًا في بعض المناطق، كما ارتفعت سجائر “إل إم” و”مارلبورو” و”ميريت” إلى ما فوق 75 جنيهًا، رغم أن سعرها الرسمي في حدود 50 جنيهًا.

أسباب ارتفاع أسعار السجائر في مصر

وأكد رئيس شعبة الدخان باتحاد الصناعات إبراهيم امبابي، أن الأسعار لا تزال مرتفعة في الأسواق، رغم انخفاضها في بعض المناطق، معتبرًا أن الأزمة لم تُحلّ من جذورها، ومتوقعًا عدم انتهائها عما قريب كما يروج له بعض المتابعين.

وقال امبابي في تصريحات لموقع الجزيرة مباشر، إن السبب الرئيسي في الأزمة هو تأخر إقرار الزيادة الرسمية في أسعار السجائر بعد التعديل الضريبي الذي أقره مجلس النواب لموازنة العام المالي الجديد، معتبرًا أن هذا ما دفع التجار إلى تخزين كميات هائلة من السجائر في المخازن لتحقيق أكبر ربح بعد ارتفاع أسعارها.

كما أكد امبابي أن هذه الأزمة لم تتعرض لها البلاد من قبل، وقال “أعمل في هذا المجال منذ 30 عامًا، ولم ترتفع أسعار السجائر بهذه المعدلات قط”.

ويرى رئيس الشعبة أن معدلات إنتاج السجائر في مصر ليست سبب الأزمة، قائلًا إن ما تم القبض والتحفظ عليه من قبل الأمن من المخازن يوازي إنتاج الشركة الشرقية للدخان مدة شهرين.

وفي المقابل قال مصدر خاص للجزيرة مباشر رفض الكشف عن اسمه، إن سبب الأزمة هو تخفيض الشركة الشرقية للدخان لحصة كبار التجار على مستوى الجمهورية بنسبة تقارب 50% منذ 3 أشهر.

وقال إن خفض حصص التجار جاء نتيجة تخفيض الإنتاج لدى الشركة، لكنها لم تعلن عن ذلك رسميًّا حتى الآن، موضحًا أن سبب خفض الإنتاج هو عجز السيولة الدولارية لاستيراد الكميات اللازمة من التبغ.

وأعلن البنك المركزي المصري خلال العام الماضي، عددًا من الإجراءات لتقليل الطلب على الدولار، الذي تعاني البلاد من ندرته، وكان من أبرز هذه الإجراءات، تغيير نظام الاستيراد. ورغم أن “المركزي” تراجع عن تعديل النظام أواخر العام الماضي، فإن تخبط القرارات فاقم الأزمة، وهو ما أكده المستوردون عبر شكواهم المستمرة حتى الآن من صعوبة الاستيراد وتكدس البضائع في الموانئ.

وفي مارس/آذار الماضي، قال الرئيس التنفيذي للشركة الشرقية للدخان هاني أمان، لموقع “زاوية”، إن الشركة تواجه الأجواء ذاتها التي تواجهها كافة الشركات العاملة في مصر، لكنه لم يوضح بالتفصيل الأضرار الواقعة على الشركة.

الشركة الشرقية للدخان تستحوذ على 70% من سوق السجائر المصري (مواقع)

الشرقية للدخان

وتأسست الشركة الشرقية للدخان (إيسترن كامباني) عام 1920، وتمتلك الحكومة 50.5% من أسهم الشركة، و6.13% منها لصالح اتحاد العاملين، وتُتداول النسبة الباقية في البورصة.

وتستحوذ الشركة على 70% من سوق السجائر في مصر، مقابل 30% للشركات الأجنبية، محققة مبيعات بقيمة 924 مليون دولار خلال العام الماضي فقط، وتنتج الأنواع الأكثر شعبية وتداولًا مثل كليوباترا سوبر وكليوباترا بوكس.

وتعد مصر من أعلى الدول استهلاكًا للسجائر، إذ تبلغ نسبة المدخنين فيها 17% من إجمالي السكان، وهو ما يمثل 18 مليون نسمة، غالبيتهم من الذكور، حسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، ويستهلكون نحو 85 مليار سيجارة سنويًّا، حسب إمبابي.

تدخلات حكومية

بالرغم من تزامن أزمة نقص السجائر، مع أزمات أخرى اقتصادية طاحنة يعاني منها الشعب المصري، فإن تجاوب السلطات مع أزمة السجائر كان مختلفًا وسريعًا. فقد عقد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي اجتماعًا عاجلًا مع المجموعة الاقتصادية لإيجاد الحلول، وعلى الفور أعلنت الشركة الشرقية زيادة إنتاجها إلى 150 مليون سيجارة يوميًّا.

كما كثفت السلطات حملاتها الأمنية والرقابية في الأحياء الشعبية وأمام المحال التجارية، وقامت بضبط كميات ضخمة من السجائر المخزنة بشكل غير رسمي، مع الحرص على إبراز هذه الأخبار عبر وسائل الإعلام المختلفة لتأكيد جدية السلطة في مواجهة احتكار هذه السلعة وتعطيش الأسواق.

ويعكس هذا الاهتمام الكبير من السلطات المصرية بحل الأزمة مخاوفها من انفلات الوضع الأمني، نتيجة ردود بعض المدخنين الذين لا يجدون احتياجاتهم اليومية، وهو ما يعكّر صفوهم ويدفعهم إلى بعض السلوكيات المنفلتة، وقد اكتظت مواقع التواصل بمنشورات ومقاطع فيديو تظهر غضب هؤلاء المدخنين وتهديداتهم للمتسببين في الأزمة.

غموض يحيط بالشركة الشرقية للدخان

يذكر أن شركة تحمل اسم “الشركة المتحدة للتبغ” قد حصلت على رخصة لإنتاج التبغ من الحكومة العام الماضي، وسط غموض يحيط بهوية مالكي الشركة، خاصة مع صعوبة الحصول على رخصة مماثلة لأي مستثمر محلي أو أجنبي.

وذكر موقع “إيكونومي بلس” الاقتصادي المحلي، أنه “بين ليلة وضحاها، أصبحت الشركة المتحدة للتبغ تمثل حجر الزاوية في صناعة التبغ بعد حصولها على رخصة بقيمة 450 مليون دولار”.

وتستحوذ الشرقية للدخان على 24% من المتحدة، لكن الموقع المصري كشف أنها حصة مهددة، وذلك بحسب تعديل اتفاق يجبرها على بيع حصتها “للمتحدة” خلال 7 سنوات.

وعادة ما تسمى الشركات التابعة للمخابرات في مصر باسم “المتحدة”، على غرار المتحدة للإعلام، والمتحدة للتسويق الرياضي، وغيرها.

وفي السياق ذاته، نقلت صحف “المال” المحلية قبل شهرين رغبة مؤسسة إماراتية حكومية في الاستحواذ على حصة تصل إلى 30% من أسهم الشرقية للدخان، وذلك في إطار سعي الحكومة لطرح شركات تابعة للدولة للاستثمار، لتوفير سيولة دولارية لخزينة الدولة.

المصدر : الجزيرة مباشر