مندوب التوصيل.. هل يحق له التدخل في محتوى ما يوصله للزبائن؟

(شترستوك)

عجّت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر منذ أيام بتغريدات وتدوينات ساخرة وأخرى داعمة للعاملين في مهنة مندوب التوصيل، فيما يتواصل اللغط بشكل واسع على المنصات.

بدأت القصة عندما نشرت امرأة تدوينة على موقع فيسبوك، تحكي فيها عن حوار هاتفي دار بينها وبين بائعة فساتين، تُبلغها أن مندوب التوصيل رفض أن يوصل لها فستانا طلبته قبل التأكد من أنها لن تخرج به إلى الشارع “لأنه يخالف الشرع” والتأكد أيضا من أن الزبونة تعلم عن عيب فيه.

شكرت صاحبة التدوينة “أمانة” مندوب التوصيل و”حرصه”، وأوصت متابعيها بالتعامل معه، إلا أن رواد مواقع التواصل الاجتماعي كان لهم رأي آخر.

ورفض عدد كبير من الناشطين تدخل مندوب التوصيل في محتوى السلعة التي يوصلها للزبون، معتبرين أن ما فعله الشاب هو نوع من الوصاية والرقابة، وأن الأمانة تمنعه من الإطلاع على محتوى ما يوصله.

مندوب التوصيل يرفض التعليق

وأكد مندوب التوصيل عبد الرحمن عماد لموقع الجزيرة مباشر، أن القصة كما روتها بائعة الفساتين في تدوينة لاحقة، رافضا الإدلاء بأي تصريحات أخرى.

وأوضحت البائعة أن “علبة الفستان كانت مفتوحة حتى تمكن المندوب من رؤية العيب فيه”، وأنه سأل إن كانت الزبونة تعلم عنه حتى لا يضطر لإعادته مرة أخرى.

وقالت البائعة إن المندوب لم يتواصل مع الزبونة، إنما معها بشكل خاص وأنها تتعامل معه بشكل مستمر “وهو يشترط عدم إيصال أي زي غير شرعي”، على حد قولها، مضيفة أنها لو كانت أغلقت العلبة ما كان ليفتحها ويرى محتواها.

رأي شرعي

ومن الناحية الشرعية، قال الدكتور محمود القلعاوي، عضو اتحاد علماء المسلمين، إنه بداية ليس من حق أحد السخرية من ورع وفعل الرجل فهو اجتهاده وحقه، أما مندوب التوصيل من حقه رفض توصيل “ما قد يجعله يشارك في معصية”.

وأفاد الدكتور في تصريح لموقع الجزيرة مباشر، بأن مندوب التوصيل ليس ملزما بالسؤال عن محتوى ما سيوصله لكل زبون، لكن لا حرج في السؤال إذا شك في أنه قد يخالف الشرع.

وأوضح الدكتور أن “رفض المندوب توصيل السلعة التي تخالف الشرع من حقه”، وإن كان من الأفضل “العمل بمهنة أخرى ليحافظ على دينه وإسلامه”.

“نوع من التنمر”

وقال الدكتور رشاد عبداللطيف نائب رئيس جامعة حلوان وأستاذ علم الاجتماع، إن قبول امتهان مهنة مندوب التوصيل يتنافى مع الاعتراض عن محتوى ما يوصله.

وفسّر أستاذ علم الاجتماع لموقع الجزيرة مباشر، تصرف الشاب بأنه “تشبث بقيم معينة”، مضيفا أن ذلك “لا يعطيه الحق بفرض قيمه على الآخرين”.

واعتبر الدكتور عبداللطيف أن سلوك مندوب التوصيل “هو نوع من التنمر”، مرجعا السبب في ذلك إلى عدم احترامه لقواعد المهنة التي يزاولها.

وقال أستاذ علم الاجتماع إن فكرة فرض الوصاية على الآخرين في مصر كانت موجودة قبل الانفتاح الثقافي والاقتصادي، لكنها “أصبحت مرفوضة طالما لا يتعارض الأمر مع العرف والتقاليد بطريقة فجة”.

فُقاعة منصات

وشكّكت المستشارة الاجتماعية وخبيرة تنمية بشرية نجلاء محفوظ في الواقعة من الأساس، مرجحة أنها مختلقة لخلق الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقالت نجلاء محفوظ لموقع الجزيرة مباشر، إن دور المندوب هو توصيل السلعة للزبون باحترام دون التطفل عليه، معتبرة أن الواقعة إن كانت حقيقية فإن كاتبة التدوينة “أساءت التصرف بالسماح بالتدخل في خصوصيتها وفرض الوصاية عليها”.

وعبرت المتحدثة في الوقت نفسه عن رفضها للهجوم “المبالغ فيه” و”الإساءات الفجة” على صاحبة التدوينة والسخرية من مندوب التوصيل، وأن هذا النوع من الترندات يرسخ لفكرة إيذاء الآخرين عبر الهجوم والسخرية بسهولة.

ورفضت المستشارة الاجتماعية فرض الوصاية على لباس المرأة، سواء على المحجبات والمنقبات أو على غيرهن، ليس فقط من منطلق ديني. وأوضحت أن من ينطلق من الشرع يبرر الأمر بأنه يهدي الناس أما من ينطلق من التحرر فهو يبرر بأن ضد الانغلاق، مشددة على أن “كليهما على خطأ”.

وأبلغت المستشارة الاجتماعية للجزيرة مباشر أن الأصوب هو إبداء الرأي في النطاق المسموح به، وعدم فرض رأي الفرد على الآخرين، مفسرة ذلك بأنه “هروب من مأزق نفسي”، يجعل الشخص يفرض توجهه -أيا كان- على الآخرين.

المصدر : الجزيرة مباشر