كيف ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي طالبان على استعادة أفغانستان؟

طالبان استخدمت استراتيجية إعلامية حديثة وناجحة (أسوشيتدبرس)

تناولت الباحثة في جامعة إكستر ويدا مهران استغلال طالبان لوسائل التواصل الاجتماعي لاستعادة أفغانستان والتي لم تكن للدعاية فحسب، بل أدوات قيمة لجمع الأموال والتجنيد حسب تعبيرها.

تقول الباحثة -في مقالها بصحيفة الغارديان- إن هناك عوامل عدة أدت لنجاح طالبان في السيطرة على أفغانستان في غضون أسبوعين منها اتفاق سلام إشكالي، وفقدان الإرادة السياسية لمحاربة طالبان من قبل الحكومة السابقة والفساد المستشري إلا أن من أبرز تلك العوامل كانت الاستراتيجية الإعلامية الحديثة والناجحة.

قبل عام 2001، حظرت طالبان استخدام الإنترنت وفككت محطات التلفزة التي تديرها الدولة وأجبرت المواطنين على التوقف عن مشاهدة التلفاز تمامًا ومنعت الموسيقى، ولكن وبعد أن أطاحت بهم القوات الدولية وسّعت الجماعة بسرعة من وجودها على الإنترنت بدءًا من عام 2003 تزامنا مع حركة تمرد جديدة.

استغلت طالبان وسائل التواصل لكسب التأييد الشعبي والمادي (مواقع التواصل)

وأطلقت طالبان محطة إذاعية تسمى صوت الشريعة والتي كان لها موقعها الخاص على الإنترنت باسم (الإمارة)، ورغم كل المحاولات العديدة لحجبها وإزالتها ظلت (الإمارة) الموقع الرسمي لطالبان.

ويحتوي الموقع على أخبار ومقاطع فيديو من ساحة المعركة، بالإضافة إلى البيانات الرسمية لطالبان، وركزت طالبان عقب هزيمتها جهودها في إحياء الجماعة على الإنترنت في شكل (إمارة افتراضية) كما أسماها أحد الباحثين.

وكذلك أطلقت طالبان مجلات على الإنترنت بلغات متعددة (الإنجليزية والباشتو والداري والعربية وغيرها) وصمموا رسائلهم في كل منها لمخاطبة اهتمامات جمهورها وقضاياها، فعلى سبيل المثال، يُستخدم الدين في المنشورات العربية والإنجليزية، بينما تقدم النزعات القومية في النص الفارسي، ويتعامل محتوى اللغة الأوردية مع الاهتمامات السياسية المحلية.

وعلى الصعيد الدولي، تصوّر طالبان نفسها على أنها جماعة إسلامية راديكالية “وطنية” تسعى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وتقرير المصير في الوقت الذي تحارب فيه الإمبريالية، أما القاسم المشترك طوال الوقت فهو إضفاء الشرعية على طالبان كبديل سياسي قابل للتطبيق لحكومة كابل، إذ يتم استغلال كفاءتهم العسكرية وانتصاراتهم الاستراتيجية من أجل وضع طالبان كقوة إقليمية مهمة.

وعلى الجانب الآخر، فصياغة رسائل تلقى صدى لدى السكان المحليين هو تكتيك فشلت فيه قوات التحالف الدولي. وفي الوقت نفسه ظلت حركة طالبان تركز على بناء الشعور بالهوية ليتجذّر في الثقافة الأفغانية، ما أكسبها الكثير من التأييد بين بعض شرائح السكان، بما في ذلك الشخصيات المحلية المؤثرة مثل الملالي وعلماء الدين وشيوخ المجتمع.

حركة طالبان تسيطر على الأوضاع في أفغانستان
حركة طالبان سيطرj على الأوضاع في أفغانستان في أسبوعين (غيتي)

وتذكر الباحثة أنه من المفارقات أن تحديث البنية التحتية للبلاد بعد عام 2001 أثبت أنه نعمة كبيرة على طالبان، إذ تشير التقديرات الأخيرة إلى أن 89% من الأفغان لديهم الآن إمكانية الوصول إلى الإنترنت من خلال هواتفهم المحمولة، ما يزيد كثيرا من وصول دعاية طالبان ومواد تجنيدها داخل البلاد.

وفي ظل زيادة انتشار تقنيات الاتصالات، استفادت طالبان وأنصارها من التطبيقات أيضا، إذ تُستخدم المنصات المشفرة من طرف إلى طرف مثل واتساب وتليغرام للاتصال وتنظيم العمليات وتوزيع التقارير والتواصل مع الصحفيين الأجانب والمحليين.

كما تستخدم طالبان أيضًا تطبيق واتساب لتقديم خدمات مثل الخطوط الساخنة للجريمة في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وينشط القادة والقائمون على التجنيد والنشطاء على منصات مثل فيسبوك وتويتر منذ أكثر من عقد حتى الآن.

وكذلك اتبعت حركة طالبان الجديدة -الأكثر ذكاءً من الناحية التقنية- الصيغة الراسخة للجماعات الجهادية العنيفة الأخرى مثل القاعدة وتنظيم الدولة، فيما يتعلق بتأسيس حضور عام على منصات التواصل الاجتماعي، إذ تشكل هذه المجتمعات أدوات قيمة لجمع التبرعات والتجنيد.

وعلاوة على ذلك، فإن طبيعة وسائل التواصل اللامركزية وعدم الاعتماد على أي بنية تحتية مادية ثابتة جعلت من الصعب إغلاقها والتحكم فيها. فلم تكن هناك محطة إذاعية لتفجيرها، ولا إشارة للتشويش عليها، ولا مروجين للاعتقال. وكما قال المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد “نحاول الاستفادة القصوى من الوسائل الحديثة بنا يتناسب مع احتياجاتنا”.

وترى الباحثة أن استراتيجية طالبان الإعلامية نجحت على مدى العقدين الماضيين لقدرتها على إيصال رسالتهم بشكل أسرع من أعدائهم، إذ مكنتهم من نشر جانبهم من القصة في وقت أبكر بكثير من الحكومة الأفغانية والقوات الدولية.

المصدر : الغارديان البريطانية