هل أصبح شباب الغرب أكثر وعيا بحقوق الفلسطينيين من العجائز؟

مظاهرات حاشدة تضامنا مع غزة في لندن (رويترز)
مظاهرات حاشدة تضامنا مع غزة في لندن (رويترز)

لم تكن حادثة إقدام الضابط بسلاح الجو الأمريكي “رون بوشنل” على حرق نفسه أمام سفارة إسرائيل في واشنطن اعتراضا عما يحدث في قطاع غزة حادثا عرضيا يقوم به شاب رفض ما يحدث من قتل وحرب إبادة من الدولة الصهيونية، ولكن يبدو أن الشباب الغربي عنده وعي وإنسانية أفضل من العجائز الذين يحكمون هذه الدول.

فمنذ بداية الحرب على قطاع غزة، كان هناك رفض كبير من الشباب الغربي والأمريكي لما يحدث من إسرائيل في القطاع من إبادة وتجويع، وقتل للنساء والأطفال، وهدم المباني والمستشفيات، وتحويل غزة إلى مكان لا يمكن العيش فيه نهائيا.

آلاف يتظاهرون

وتجلّى رفض الشباب الغربي في قيامه بمظاهرات بمئات الآلاف في مختلف المدن الأوروبية، ومختلف مدن أمريكا، تنديدا بالجرائم  الإسرائيلية، وفي الوقت نفسه ينددون بمشاركة حكوماتهم في هذه الحرب من خلال مساعدة الكيان المحتل، والوقوف بجانبه، ومدّه بالسلاح والذخيرة، واستخدام حق الفيتو لكل قرار يدين إسرائيل.

لم نرَ من قبل ولم نسمع عن مظاهرات شبابية في تلك الدول بمئات الآلاف تدافع عن حق الفلسطينيين، وتتخذ طرقا عديدة من الاعتراض، سواء في الشعارات أو الهتافات، وكذلك في تمثيل مشاهد المذابح التي يتعرض لها الفلسطينيون في القطاع من خلال حمْل دُمًى مثلا كأنهم أطفال جرحى أو قتلى، أو حمل العَلم الفلسطيني، أو ارتداء الكوفية الفلسطينية المشهورة.

لقد غاب الشباب العربي والمسلم بفعل تضييق الحكومات عليه في التعبير عن رأيه، وحضر الشباب الغربي في سابقة تحدث لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، فلم نر المظاهرات المليونية من أجل غزة في القاهرة، ولكن رأيناها في لندن، ولم نر تلك المظاهرات في بغداد، ولكن شاهدناها في واشنطن ونيويورك.

ولم يعتصم طلاب جامعة عربية تنديدا بما يحدث في غزة، ولكن رأينا اعتصام طلاب جامعة ليدز الإنجليزية يطالبون باستقالة حاخام خدم مع الجيش الإسرائيلي أثناء العدوان على غزة.

“أنت تسمحين بقتل الأطفال”.. هذه كانت كلمات شاب كندي ينتقد وزيرة الخارجية الكندية، بسبب موقفها من حرب الإبادة الجماعية في غزة، وها هي أم هولندية تبعث برسالة تضامنية إلى أمهات غزة، قالت فيها “كيف أضع طفلتي في سريرها بينما يموت الآخرون؟”.

وهكذا نرى التضامن من الشباب الغربي هذه المرة قويا مع القضية الفلسطينية، بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، رغم عدم الحياد في تغطية الأحداث، وحذف كل ما هو مساند لأهل غزة من تغريدات أو منشورات، ولكنْ هناك ذُعر من الإسرائيليين، ومَن معهم مِن تلك الوسائل، حتى إن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو قال منزعجا إنه تنقصهم الكفاءات في المجال الإعلامي، ويرى أن هناك مليارا من المسلمين ينشطون ضدهم.

أطباء وفنانون مع فلسطين

“رأينا في بضعة أيام ما لم نشاهده طوال حياتنا”.. لم يقل هذه الجملة اتحاد الأطباء العرب، ولكن قالها أطباء أمريكيون وهم يروون حكاياتهم عن فظاعة جرائم الاحتلال في غزة، مما يؤكد أن هناك تأثيرا قويا حدث للشباب الغربي والأمريكي بمختلف فئاته، بسبب تلك الحرب الظالمة.

فلم يقتصر الأمر على الطلاب والأطباء والأمهات والشباب، بل امتد إلى الفنانين والموسيقيين والمطربين وحتى الرياضيين من مختلف الأجناس، وكلهم اجتمعوا على قلب رجل واحد، يرفضون ما يحدث في غزة، ويتضامنون مع الشعب الفلسطيني، ويلبسون الكوفية، ويرفعون العلم الفلسطيني، ويعلقون الشارات في ملابسهم، لتؤكد أن هناك شيئا ما حدث في عقيدة الشباب الغربي تجاه القضية الفلسطينية.

ربما يكون السبب في تعريف هؤلاء الشباب بحقيقة القضية الفلسطينية التي لم يكن يقف معها آباؤهم وأجدادهم هي القنوات المحترمة التي أخذت على عاتقها إظهار الحقيقة القذرة للجيش الإسرائيلي، مثل قناة الجزيرة التي أصبحت القضية الفلسطينية وما يحدث في غزة هو خبرها الأول والأخير، وفي بث مباشر طوال 24 ساعة تظهر فيه بشاعة القصف والإبادة التي يقوم بها المحتل ضد أهلنا في غزة.

كرة الثلج وصلت إلى الكيان

فمثلا، نشرت قناة الجزيرة توثيقا لقصف الاحتلال لـ7 موظفين عاملين في منظمة المطبخ المركزي العالمي للغذاء بغزة، مما أجبر إسرائيل على الاعتراف بهذا، وإقالة قيادات كبيرة والتحقيق معهم، إرضاء للدول الغربية، هذا وغيره الذي تبثه قناة الجزيرة جعل الشباب الغربي يتابع أخبارها، خاصة أن بها قناة تبث باللغة الإنجليزية، وتغطي الأحداث بحيادية ومصداقية.

ووصل الأمر إلى تفضيل بعض الشباب الإسرائيلي السجن على المشاركة في حرب غزة، ووصل الأمر أيضا إلى أن هناك ضباطا إسرائيليين قالوا إن غالبية قتلى غزة المصنفين إرهابيين هم مدنيون، بل إن كرة الثلج بدأت تكبر وتتدحرج في إسرائيل نفسها من خلال مظاهرات ضخمة ضد رئيس الوزراء، وخلافات بين القيادات، ووصل الأمر إلى طرد الأمن عضو الكنيست “عوفر كسيف”، بسبب قوله “إن اقتحام مستشفى الشفاء جريمة حرب”.

فلا تستغرب عندما يتهم موظفون في شركة أبل الشهيرة الشركة بأنها تفصل زملاءهم بسبب آرائهم المؤيدة للفلسطينيين، ولا يخشون شيئا، ولا تتعجب عندما يطلب موظفو الخدمة العامة المشرفون على تصدير السلاح البريطاني لإسرائيل وقف عملهم، حتى لا يُتهموا بالضلوع في جرائم حرب بغزة.

إن ما يحدث حاليا في المجتمع الغربي من الشباب، وتضامنهم مع القضية الفلسطينية، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن هناك وعيا لدى هذا الشباب، وتضامنا مع القضية، عكس الآباء والأجداد، وأن الشباب الغربي الآن بات أقرب إلى سماع الحقيقة أكثر من ذي قبل، مما يؤكد أن ما بعد الطوفان ليس كما قبله بالنسبة لهذه الدولة المحتلة.

المصدر : الجزيرة مباشر