موازنة الحكومة العامة المصرية مجرد تجميل للمؤشرات!

وزارة المالية المصرية (مواقع التواصل)

أعلن وزير المالية المصري العمل بما يسمي موازنة الحكومة العامة مع بداية العام المالي الجديد أول يوليو/ تموز المقبل، وذلك بضم الهيئات الاقتصادية البالغ عددها 59 هيئة، إلى موازنة الدولة التي تضم منذ ثلاثة مكونات هي: الحكومة والهيئات الخدمية والحكم المحلي بالمحافظات.

وقد لا يعلم الكثيرون أن موازنة الحكومة العامة كانت مطبقة بمصر لعقود، حتى صدر قانون الموازنة عام 1973 الذي استبعد الهيئات الاقتصادية وصناديق التمويل ذات الطابع الاقتصادي من الموازنة، وبالتالي فليس الأمر بجديد، أما تبرير الحكومة المصرية بإدخال الهيئات الاقتصادية بأنها تستهدف تحقيق شمول الموازنة، بحيث تخضع كافة المصروفات والإيرادات العامة للموازنة، فكلام غير حقيقي لأن الحكومة تتحدث عن ضم تلك الهيئات الاقتصادية للموازنة على مدار خمس سنوات مقبلة.

وجري الحديث عن ضم 40 هيئة بالبداية من إجمالي 59، لكنه لم يتم إعلان أسماء الهيئات التي سيتم البدء بها، بل إن البيان المالي عن موازنة العام المالي الجديد 2024-2025 الذي قدمه وزير المالية للبرلمان، تعامل مع بيانات الهيئات الاقتصادية ككل دون استبعاد أي منها وهو أمر يحتاج مراجعة.

وحتى يتم شمول الموازنة المصرية فالأمر يتطلب أن تنضم إليها الصناديق الخاصة بالوزارات والمحافظات والجامعات التي يقدر عددها بالآلاف، ولا يوجد رقم رسمي لعددها فما بالنا بحجم أموالها، لرفض بعض الجهات السيادية الإفصاح عن أموال الصناديق التابعة لها أو خضوعها لرقابة جهاز المحاسبات أو وزارة المالية أو إيداع أموالها بالحساب الموحد بالبنك المركزي، فما بالنا بتحقيق المطلب الشعبي والاقتصادي بضرورة خضوع شركات الجيش للموازنة، حتى يتحقق بالفعل شمول الموازنة لكل الموارد والاستخدامات العامة.

تجميل مؤشرات فوائد الدين والضرائب

ونعود للأسباب الحقيقية لضم الهيئات الاقتصادية للموازنة بالعام المالي الجديد، وهو ما يكشف عنه أداء الأشهر الثمانية الأولي للموازنة المصرية بالعام المالي الحالي حتى شهر فبراير/شباط الماضي، حين زادت تكلفة فوائد الدين الحكومي حتى بلغ نصيبها النسبي 55% من إجمالي المصروفات، مما يعني توزيع النسبة الباقية على الأبواب الخمسة الأخرى للمصروفات، من أجور ودعم واستثمارات وسلع وخدمات لإدارة دولاب العمل الحكومي ومصروفات أخري تخص نفقات الجيش والجهات السيادية.

بل إن تلك الفوائد للدين بلغت نسبتها 101% من إيرادات الموازنة خلال تلك الأشهر الثمانية، فإذا كان باب واحد للمصروفات يزيد عن مجمل الإيرادات، فإن هذا يعني أن الإنفاق على باقي أبواب المصروفات الخمسة سيكون من خلال المزيد من الاقتراض، مما يفاقم الدين العام ويزيد من قيمة فوائد الدين بالموازنة بالفترة المقبلة.

وجاءت قرارات السادس من مارس/آذار الماضي بزيادة سعر الفائدة 6%، وزيادة سعر الصرف للدولار من 32 جنيها لحوالي 48 جنيها، الأمر الذي سيفاقم تكلفة الدين خلال الشهور التالية من الموازنة، مما ينعكس علي زيادة العجز بالموازنة والحاجة لمزيد من الاقتراض.

ومن هنا كان قرار إلحاق الهيئات الاقتصادية بالموازنة بحيث يكبر رقمي المصروفات والإيرادات بها، بحيث يتم الخروج بنسب أقل سواء لتكلفة الفائدة، أو حتى لنسبة الضرائب من الإيرادات، والتي بلغت نسبتها خلال الأشهر الثمانية الأولي من العام المالي الحالي 82%، وبما يعطي انطباعا واضحا بدولة جباية لدى أي مستثمر أو باحث، بينما سيتم قسمة رقم الضرائب على رقم أكبر مع إدخال الهيئات الاقتصادية للموازنة، ليصل إلى نسبة 38% من الإيرادات كما توقعت وزارة المالية بالعام المالي الجديد بدلا من نسبة 82%.

 62 % من الانفاق لتكلفة الدين

ولمزيد من التدليل على سبب إدخال الهيئات الاقتصادية للموازنة، نستعرض بيانات موازنة الدولة بالعام المالي الجديد بدون إدخال الهيئات الاقتصادية، فسنجد الاستخدامات قد بلغت 5.541 تريليونات جنيه، بينما بلغت الموارد العامة 2.692 تريليون جنيه، أي أن الموازنة بحاجة إلى اقتراض 2.849 تريليون جنيه خلال العام المالي المقبل، وبما ينسف كل ادعاء حكومي بالسيطرة على الدين العام.

وتبدو خطورة الموقف أكثر باستعراض أبواب الانفاق الثمانية بموازنة الدولة، بدون الهيئات الاقتصادية بالعام المالي الجديد، حين تستحوذ فوائد الدين الحكومي وأقساطه على نسبة 62 % من مجمل الإنفاق، لتتوزع نسبة 38 % المتبقية على باقي أبواب الإنفاق الستة، بنسبة 11.5% للدعم و10.4% لأجور العاملين بالحكومة، و9% للاستثمارات الحكومية من طرق ومرافق وصحة وتعليم، و3% لشراء مستلزمات العمل اليومي بالجهات الحكومية وحوالي 3% لنفقات الجيش والبرلمان ومجلس الشيوخ، وأقل من 1% لمساندة الشركات العامة المتعثرة.

والغريب أنه رغم تسبب التوسع بالاقتراض الداخلي والخارجي خلال السنوات الاخيرة، في تلك الكارثة بموازنة العام المالي الجديد باستحواذ فوائد وأقساط الدين الحكومي على نسبة 62% من الإنفاق، وهو إنفاق لا يستفيد منه المواطن دافع الضرائب بالمرة، فقد ركز وزير المالية كباقي المسؤولين في بيانه المالي عن الموازنة الجديدة، على أسباب المشاكل الاقتصادية التي عانت منها مصر بالسنوات الأخيرة، بأنها أسباب خارجية، بداية من وباء كورونا إلى الحرب الروسية الأوكرانية إلى التضخم العالمي، إلى ارتفاع الفوائد الدولية إلى حرب غزة، رغم أن حرب غزة وموقف الإدارة المصرية المساند لحصارها وتجويعها، كانت سببا في توصية الخزانة الأمريكية لصندوق النقد الدولي لزيادة قرضه لمصر من 3 إلى 8 مليارات دولار، وسببا في القروض التي أعلن عنها الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي وبريطانيا واليابان خلال السنوات المقبلة، وبما يعني أن الإدارة المصرية قد أجادت في توظيف دورها إزاء المقاومة الفلسطينية لحصد أكبر منافع!

                 إصلاح الهيئات الاقتصادية قبل دخولها الموازنة

وحسب البيان المالي لموازنة العام المالي الجديد يزيد إدخال الهيئات الاقتصادية إلى الموازنة، من إجمالي الإنفاق بها إلى 8.445 تريليون جنيه، كما يزيد الموارد بها إلى 5.358 تريليون جنيه، مما يعني الحاجة لاقتراض 3.087 تريليون جنيه خلال العام المالي الجديد..

مما يعني عمليا أن إدخال بيانات الهيئات الاقتصادية إلى الموازنة لتصبح موازنة الحكومة العامة، لم يحل المشاكل الجوهرية للموازنة، لأن الأمر يتطلب بشكل أكثر أهمية إصلاح الأحوال الاقتصادية، وهو الأمر الذي تعهدت بها حكومات عديدة عبر العقود الماضية دون تنفيذ، والتي ما زالت 12 هيئة منها تحقق خسائر بلغت 12.3 مليار جنيه حتي بيانات العام المالي 2021/2022 وهي آخر بيانات متاحة، بخلاف أربع هيئات لم تحقق أرباحا أو خسائر، وتحقيق بعضها لأرباح محدودة تصل إلى خمسة ملايين جنيه لإحداها، و 13 مليون جنيه لهيئتين وأخري ما بين 17 و18 و27 مليون جنيه.

ولا نتوقع أن يتم إدخال بعض الهيئات الاقتصادية الكبري ذات الأرباح الكبيرة، مثل قناة السويس وهيئة البترول وهيئة التأمينات الاجتماعية وهيئة المجتمعات العمرانية، بالسنوات الأولي لضم الهيئات الاقتصادية للموازنة والذي سيتم على مدار السنوات الخمس المقبلة، ولهذا فإن كثيرا من الأرقام التي جاء بها البيان المالي لموازنة الحكومة العامة بالعام المالي الجديد لن تتحقق، ليصبح الإنجاز الأكبر لما حدث هو إلهاء الجمهور عن الواقع الأليم للموازنة المصرية، وتغول نفقات فوائد وأقساط الديون بها، والتي لا تستطيع معه الاسهام في تحسين مستوي معيشة المواطنين كما أكد وزير المالية في البرلمان!

المصدر : الجزيرة مباشر