هل يقترب حلم الدولة الفلسطينية من التحقق؟

العلم الفلسطيني يرفرف في سماء القدس بالتزامن مع مسيرة الأعلام الإسرائيلية
العلم الفلسطيني يرفرف في سماء القدس (غيتي)

الفيتو الأمريكي لمنع الاعتراف بدولة فلسطين في الأمم المتحدة لم يكن مفاجئا، وإن كان ظالما، لكنه في المقابل كشف عن تحقيق القضية تقدما جديدا في هذا المحفل الدولي، إذ وقفت أمريكا بمفردها في جبهة الرفض هذه المرة بينما صوتت دول غربية كبرى لصالح الاعتراف بالدولة الفلسطينية لأول مرة مثل فرنسا ومالطا وسلوفينيا، وصوتت كوريا الجنوبية واليابان -حليفتا واشنطن- لصالح القرار لأول مرة أيضا، كما أن أيرلندا ستناقش الاعتراف بالدولة بقرار أحادي خلال أيام قليلة، وقد تحذو إسبانيا حذوها، بل إن إحدى دول الكاريبي (جمهورية بربادوس) سارعت إلى الاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية دون انتظار لقرار من الأمم المتحدة ليرتفع عدد الدول المعترفة رسميا بالدولة الفلسطينية إلى 140 من بين 193 دولة عضوا في الأمم المتحدة. وبالمجمل فإن التصويت الأخير في مجلس الأمن بعث برسالة قوية مُفادها أن فلسطين تستحق مقعدا كاملا في الأمم المتحدة، كما صرّح السفير الجزائري الذي تعهد بمعاودة تقديم الطلب (الجزائر هي مقدمة الطلب نيابة عن المجموعة العربية).

هذه الخطوة الرمزية الجديدة هي إحدى ثمار طوفان الأقصى، مما يعني أنها كسبت ولم تخسر من الطوفان كما ادعى بعض المرجفين، وقد ثبت من خلال الخبرة التاريخية أن القضية الفلسطينية لا تحقق أي تقدم في المحافل الدولية إلا على وقع معارك ميدانية، وتغيرات في موازين القوى الإقليمية الداعمة لها، كما حدث عقب اندلاع ثورات الربيع العربي، إذ وافقت الأمم المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2012 على قبول دولة فلسطين عضوا مراقبا في المنظمة، وهو ما يسمح لها حاليا برفع دعاوى دولية ضد الكيان لكن سلطة رام الله تخشى ذلك.

تغيُّر موازين القوى

قيام الدول والاعتراف بها ليس محض عمل دبلوماسي، بل إن العمل الدبلوماسي يكون ترجمة لموازين قوة على الأرض، وهذا يعني أن دولة فلسطين لا يمكن أن ترى النور إلا بمقاومة تجبر الكيان الغاصب نفسه على الانسحاب من الأرض المحتلة، وتجبر حلفاء هذا الكيان وخاصة الولايات المتحدة على الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس، وقد سبق لحكومات الاحتلال القبول بفكرة حل الدولتين خاصة في عهد حكومتي شارون وأولمرت، وحتى نتنياهو نفسه في بدايات حكمه في 2009 أعلن إمكانية قبول دولة فلسطينية (منزوعة السلاح!)، وكان هناك تأييد دولي كبير لفكرة حل الدولتين لكن هزيمة الربيع العربي أعادت القضية الفلسطينية إلى آخر نقطة وصلت إليها في الأمم المتحدة.

التعويل فقط على تحرك دبلوماسي للاعتراف بدول فلسطينية هو حماقة سياسية، فالعمل الدبلوماسي هو تتويج لتوازن قوى على الأرض، وحين اهتزت الأرض الفلسطينية تحت أقدام العدو عقب الانتفاضة الأولى فإنه قبِل على مضض بسلطة للحكم الذاتي عام 1994 عقب اتفاقية أوسلو (وإن جرّدها من فتات السلطة الذي وفرته لها الاتفاقية كما حاصرها في المقاطعة)، وعقب الانتفاضة الثانية اضطر إلى الانسحاب الأحادي من قطاع غزة، ثم أظهر قبولا مبدئيا  لحل الدولتين، وإن على طريقته الخاصة، وتزايد القبول الدولي لهذا الحل أيضا، وحين اندلع الربيع العربي الذي كانت القضية الفلسطينية في صلب انشغالاته، وافقت الأمم المتحدة على منح فلسطين صفة عضو مراقب.

تأثير الثورات المضادة

انتصار الثورات المضادة للربيع العربي انعكس سلبا على القضية الفلسطينية، إذ تراجعت فكرة حل الدولتين، واختفت من الأجندة الدولية تقريبا، وتزامن ذلك مع تهافت دول عربية على التطبيع المجاني مع الكيان متجاوزة المبادرة العربية التي أقرتها قمة بيروت عام 2002، والتي وضعت مبدأ الأرض مقابل السلام، فأصبح “التطبيع مقابل التطبيع” وفقا للديانة الإبراهيمية الجديدة.

طوفان الأقصى -رغم ما سبَّبه من مآسٍ- هو الذي أعاد الحياة إلى القضية الفلسطينية، وأعاد وضعها على قمة الأولويات الدولية، ومرة أخرى عاد الجميع يتحدثون عن حل الدولتين، وشهدنا اتجاهات التصويت الأخير في مجلس الأمن بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية الذي وقفت فيه أمريكا منفردة بالرفض في مواجهة بقية أعضاء المجلس بمن فيهم حلفاؤها التقليديون، وشهدنا محكمة العدل الدولية تستدعي الكيان متهما أمامها، وتأمره باتخاذ تدابير للحيلولة دون الإبادة الجماعية، وأصبح رئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو خائفا يترقب صدور قرار بتوقيفه شخصيا ووزراء آخرين من حكومته، ويوسط حكومات غربية للضغط على المحكمة لمنع صدور تلك القرارات، كما أن المحكمة الجنائية الدولية فتحت ملف الجرائم الإسرائيلية في فلسطين عموما وغزة خصوصا.

الحل العادل

حل الدولتين ليس هو الحل الأمثل للقضية الفلسطينية، وإن كان في نظر دعاته هو الحل الممكن، لكن طوفان الأقصى فتح أبواب الأمل مجددا نحو دولة فلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس، وهذا التنامي الدولي للمعترفين عمليا أو نظريا بالدولة الفلسطينية هو دليل على صحة هذا الاستنتاج، حتى إن كان اعترافهم في إطار حل الدولتين، لكن هؤلاء المعترفين الجدد عليهم المسارعة بخطوات عملية من قبيل تعيين سفراء لهم في فلسطين، وفتح سفارات لفلسطين في بلدانهم، والتعامل مع فلسطين فعلا لا قولا كدولة كاملة السيادة، وعدم الرضوخ لتهديدات الكيان الصهيوني الذي سارع إلى استدعاء سفراء تلك الدول لإبلاغ احتجاجه على تصويتها لصالح الاعتراف بدولة فلسطين في مجلس الأمن.

لقد ارتفعت مجددا آمال الدولة الفلسطينية المستقلة الكاملة السيادة، حتى لو تم ذلك مبدئيا على حدود 1967 (كحد أدنى للتوافق الوطني الفلسطيني)، وهذا يختلف عن فكرة حل الدولتين، ففي هذا الحل لا توجد ضرورة للاعتراف بالكيان الصهيوني، حتى إن تدخلت القوى الدولية للفصل بين الدولتين، وفي هذا الحل سيكون لفلسطين عاصمتها وعلمها ومطارها الجوي وميناؤها البحري، لتتواصل مع العالم مباشرة دون المرور بحواجز إسرائيلية.

المصدر : الجزيرة مباشر