حول دعوة شيخ الأزهر الجديدة إلى الحوار الإسلامي

الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر (الأناضول)

لم تتوقف الدعوات إلى الحوار أو التقريب بين السنة والشيعة يوما، لكنها تتأثر صعودا وهبوطا بالأحداث السياسية الكبرى في المنطقة والعالم. أحدث تلك الدعوات أطلقها شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب خلال كلمته في احتفال مصر بليلة القدر السبت الماضي، حيث وجه رسالة إلى علماء الأمة من السنة والشيعة، والإباضية، للاجتماع سويا بقلوبهم ومشاعرهم قبل علومهم وبغير إبطاء لتحقيق وحدة علمائية، وتعظيم نقاط الاتفاق، حتى يدفع ذلك قادة الأمة من الرؤساء والملوك إلى الاتفاق ونبذ الشقاق.

ورغم أنه لم يحدد مكانا بعينه لاستضافة الدعوة فإنه دعا علماء الجبهات الثلاث إلى الالتقاء على مائدة واحدة لوضع حدود فاصلة بين ما يجب الاتفاق عليه وما يصح الاختلاف فيه، وأن يقتدوا في اختلافاتهم بالصحابة والتابعين، كما طالب بأن “نوصد الباب في وجه اختلافاتنا المعاصرة التي أورثتنا الكثير من الشقاق والنزاع والضغائن والأحقاد وجعلتنا لقمة سائغة للأعداء”.

لم تكن المرة الأولى التي يوجه فيها شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب هذا النداء، فقد كرره من قبل أكثر من مرة، ومن ذلك دعوته إلى حوار إسلامي داخلي لنبذ الفرقة والنزاع الطائفي، وذلك خلال مشاركته في ملتقى البحرين للحوار في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 في حضور بابا الفاتيكان فرنسيس، محددا هدف الحوار بـ”تجاوز صفحة الماضي، وتعزيز الشأن الإسلامي، ووحدة المواقف الإسلامية”، ومقترحا أن تنص مقرراته على وقف خطابات الكراهية المتبادلة، وأساليب الاستفزاز والتكفير، وضرورة تجاوز الصراعات التاريخية والمعاصرة بكل إشكالاتها ورواسبها السيئة.

موقف قديم للأزهر

يدرك شيخ الأزهر خطورة الفرقة، ويدرك حجم المؤامرات الدولية التي تزرع تلك الفتن بين المسلمين، ويدرك أهمية وقيمة الحوار بين الفرق والمذاهب الإسلامية، وفي الوقت نفسه يدرك مسؤوليته في الذب عن السنة، ومواجهة أي انتقاص منها أو عدوان عليها، وقد ساءه ما يصدر عن بعض غلاة الشيعة من طعن في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعدالتهم؛ ولذلك فإنه يسعى للوصول من خلال الحوار إلى مواقف مشتركة تحترم الصحابة وترفض أي إساءة إليهم.

موقف شيخ الأزهر من الحوار هو امتداد لموقف مشيخة الأزهر منذ عقود، حيث شارك عدد من شيوخ الأزهر في تلك الحوارات التي تبنتها دار التقريب التي تأسست في القاهرة أواخر الثلاثينيات، ونتج عن ذلك اعتماد الأزهر المذهب الإمامي في المذاهب التي يجري تدريسها لطلاب الأزهر، إلى جانب المذاهب الفقهية السنية.

الدعوة الجديدة تنبئ عن موقف صادق من شيخ الأزهر، لكن نجاحها يحتاج إلى مواقف صادقة من قادة الفريقين الآخرين (الشيعة والإباضية)، ولن تغيب عن الأزهر الجهود السابقة في هذا المسار، وسبب فشلها أو تعثرها، فقد كانت هناك دعوة نالت زخما كبيرا أطلقها الراحل الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وهو الاتحاد الذي ضم نائبين أحدهما شيعي هو محمد علي تسخيري، والثاني إباضي هو الشيخ الخليلي مفتي سلطنة عمان، لكن جهود القرضاوي انتهت إلى حائط مسدود، وعبر الراحل عن خيبة أمله، ملقيًا باللائمة على الجانب الإيراني الذي أظهر انحيازا طائفيا ضد ثورات الربيع العربي خاصة سوريا واليمن، والذي كان يستغل الحوار لتحقيق مكاسب على حساب غيره.

طيف السياسة حاضر

قد يستطيع الأزهر الانطلاق بجولة جديدة من الحوار نظرا لما يتمتع به من ثقل ديني كبير، واحترام من كل الأطراف السنية والشيعية والإباضية، ونظرا لابتعاده نسبيا عن القضايا السياسية الحساسة التي أفشلت الحوار من قبل (الموقف الإيراني في سوريا واليمن والعراق إلخ) لكن طيف السياسة سيظل فارضا نفسه على أي حوار مستقبلي، وهنا فإن أي حوار ينبغي أن يضم إلى جانب علماء الدين علماء سياسة واجتماع، بهدف الوصول إلى ميثاق شرف بين قادة الطوائف الثلاث يحافظ على الحد الأدنى من المسائل المتفق عليها، ويسعى لتوسيعها مع الوقت، ويمنع وقوع بعض المشاكل الطائفية، خاصة إذا أمكن تشكيل لجنة حكماء لتطبيق هذا الميثاق على الأطراف الموقعة عليه. وأخيرا من المهم أن تكون الدعوة إلى هذا الحوار باسم الأزهر فقط وليس باسم مجلس حكماء المسلمين المحسوب سياسيا على الإمارات؛ مما قد يحرف الحوار أو يتسبب في وأده في مهده.

كما أن الشيخ الطيب نفسه يتمتع بخبرة عالية في الحوار بشكل عام، وهو أحد دعاة ورعاة الحوار الإسلامي المسيحي الذي شاركه فيه بابا الفاتيكان فرنسيس، وانتهى بتوقيع وثيقة الإخوة الإنسانية عام 2019، التي أصبحت مرجعية في هذه الحوارات الدولية، وشارك الشيخ في العديد من المؤتمرات الحوارية العالمية إلى جانب رؤساء الطوائف الدينية العالمية المختلفة، وقد حضرت شخصيا أحد تلك المؤتمرات قبل طوفان الأقصى في برلين (10-12 سبتمبر/أيلول 2023)، وكانت كلمته في الافتتاح بعد كلمة الرئيس الألماني مباشرة، كما وجه في ذاك المؤتمر العديد من الرسائل القوية التي سجلتها في مقال سابق في هذا المكان، وقد لاقت ترحيبا كبيرا من حضور المؤتمر رغم الانتقادات التي وجهها إلى الغرب ومواقفه المزدوجة، في القضايا الكبرى، ومن ذلك قضية فلسطين، ومحاربة الإرهاب، والعدوان على مقدسات المسلمين.

المصدر : الجزيرة مباشر