علي جمعة وفتاوى “التيك آوي”

مفتي مصر السابق علي جمعة (مواقع التواصل)

عندما عادت ابنتي من الجامعة وجدتها مندهشة وهي تقول لي: “إن صديقاتها في الجامعة يقلن إن العلاقة بين الشباب والفتيات والحبّ والاختلاط حلال”، وإن مَن قال هذا هو الشيخ علي جمعة في برنامج يذاع في التلفزيون، وإنها تستغرب هذا الكلام الذي سمعته بعد أن وجدت أن بعض صديقاتها مقتنعات به، لم لا وهذا الكلام يقوله عالم ومفتٍ سابق؟

أجّلت النقاش مع ابنتي في أمر هذه الفتاوى حتى أشاهدها، وأعرف تفاصيلها؛ لأنني لم أكن قد شاهدت البرنامج، وكل ما عرفته من هذه الفتاوى الغريبة كان عناوين في وسائل التواصل الاجتماعي، اعتقدت أنها من باب السخرية والتهكّم على المفتي السابق، كما يحدث أحيانا.

برنامج “نور الدين”

وعندما قرأت في المواقع وشاهدت أجزاء من تلك الحلقات التي تذاع على قنوات الشركة المتحدة في برنامج “نور الدين”؛ وجدت أن الرجل -كالعهد به- يسعى جاهدا إلى أن يكون موجودا على الساحة، سواء من خلال الفتاوى، أو التصرفات، أو حتى الملابس التي يرتديها، ويبدّلها باستمرار.

فمن خلال مهنتي في العمل بالصحافة، أعلم أن لكل برنامج فريق إعداد يتولّى إدارة الحلقة، ويضع الأسئلة التي تأتي من الحضور من الأطفال والشباب، ومن ثَمّ، كل سؤال يكون مقصودًا، وربما تكون الإجابة معلومة أو متفقًا عليها، وفي النهاية الهدف هو التنوير -كما يقولون- وليس هناك أفضل من تنوير قنوات الشركة المتحدة!

ففي سؤال حول: هل يمكن للرجل أن يحب المرأة، ولا يلتزم بالزواج؟ قال: “ربنا لا يحاسبني على الحب والكره، والحب شعور قلبي لا تملكه”. وعن الاختلاط، قال: “حلال، والمنع موروث ثقافي”. وعن سؤال لفتاة: “هل ينفع أقابل شابًّا ويكلمني في الحب، هل هذا حرام ولا حلال؟”، فقاطعها: “هل في عَفاف ولا مفيش؟ يعني خرجوا مع بعض ومِسك إيديها.. وسبّل لها بعينه؟ يبقى كده ما فيش عفاف”.

وعن الحجاب، قال: “أنا مش ترزي، ومش بتاع فاشون”، والحقيقة أنه “بتاع فاشون” من الدرجة الأولى، فهو في كل لقاء أو حلقة أو برنامج تراه مرتديا زيا غريبا، عبارة عن طاقية وعباءة وجبّة بلون واحد؛ مرة أزرق، ومرة أحمر، ومرة أخضر، وكل مرة بزي غريب من هذه الأزياء الضاربة في ألوان الملابس الصوفية، مع اختلاف طبعا في قيمتها المادية.

وآخر فتاوى علي جمعة في هذا البرنامج أن الميراث الحرام حلال؛ مما يجلنا نتذكّر جزءا من فتاويه الغريبة، فقد سبق أن قال: “إن عدم الإيمان بالإسراء والمعراج لا يُخرِج المرء من الإسلام”، وسبق أن قال: “يجوز للدولة أخذ الضرائب على المحرّمات”، وغيرها من الفتاوى التي لا يتسع المقال لذكرها.

فتاوى تنويرية تحت الطلب

دأب الدكتور علي جمعة -مفتي مصر السابق، وعضو مجلس النواب بالتعيين منذ 2021- على إطلاق الفتاوى الغريبة التي تخاطب جمهور وسائل التواصل الاجتماعي، وترضي الأنظمة التي عاصرها، ومنذ أن كان مفتيا للجمهورية وهو دائما تحت الطلب في أي فتاوى، لا يستطيع نظام مبارك أن يستخلصها من مشيخة الأزهر.

يدّعى علي جمعة أن فتاواه تنويرية، تساعد على نشر مفاهيم الإسلام، وتغيير الخطاب الديني، والتجديد -من وجهة نظره- ويستخدم في إصدار فتاواه ألفاظا تداعب عقول الشباب، ومن فرط غرابتها تصبح فتاواه تريندات في منصات التواصل الاجتماعي.

وكانت -وما زالت- مشكلة الدكتور علي جمعة أنه يتمنّى أن يكون شيخا للأزهر، ولم يكن يتصور أن يترك منصب الإفتاء، وحاول منذ اليوم الأول لتوليه منصب المفتي في مصر أن يستقل بالمنصب وظيفةً ومؤسسةً ومبنًى، وجعل الإفتاء هيئة مستقلة تتلقّى مواردها المالية من وزارة العدل فقط، وتدريجيا تستقل عنها، وهو ما حدث خلال 10 سنوات من توليه المنصب.

وبعد أن فاز الدكتور محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية، بلغ الرجل السنّ القانونية للخروج إلى المعاش، وأحسّ بأنه لن يتم التجديد له؛ فهو من الكارهين للإسلام السياسي، وللإخوان تحديدا، وهو صوفي النزعة والهوية، ويَعتبِر نفسه قُطبا صوفيا كبيرا.

علي جمعة ومنصب شيخ الأزهر

المهم، قرّر الرجل أن يحرج الرئيس محمد مرسي، فأقام حفلة ومعرضا كبيرا في مبنى دار الإفتاء بمناسبة مرور 10 سنوات على توليه منصب المفتي، وكنت موجودا في هذا اليوم بحكم تغطيتي لهذا الملف لـ”بوابة الوفد”، ودعا إلى هذا الحفل وزير الثقافة الدكتور محمد صابر عرب، الذي كان يكره التيار الإسلامي كله، وكذلك الكاتب الصحفي والإعلامي أحمد المسلماني، وعدة شخصيات كبيرة؛ منهم قساوسة مسيحيون من عدة طوائف، وغيرهم من الشخصيات العامة التي ظن أنها من الممكن أن تؤثر في موقف الدكتور مرسي من التمديد له في منصبه.

وكانت معظم كلمات الحاضرين -وكأنها متفق عليها- تطالب الرئيس مرسي بالتجديد للدكتور علي جمعة في منصب الإفتاء، ولكن لم يتم التجديد له، فكانت غصّة في حَلق الرجل جعلته يكره فصيل الإخوان كرها شديدا؛ لم لا وقد كانت عينه على منصب شيخ الأزهر، ومعروف أن معظم مشايخ الأزهر كانوا يتولون منصب المفتي قبل أن يصلوا إلى كرسي المشيخة.

الغريب أن علي جمعة بعد 2013 رفض التظاهر ضد الحكام، بعد أن كانت له فتوى تقول: “إن التظاهر من وسائل الاعتراض الجماعي التي عرفها المسلمون في أزمنة وأماكن مختلفة قديمًا، وكانت تُستعمل مع الولاة أحيانا، وأحيانا مع المحتلّ الغاصب، فالأصل في طلب الحاجات من الحاكم أنه مشروع؛ لأن مهمة ولي الأمر هي قضاء حوائج الرعية؛ ومِن ثَمّ فإن التظاهر لهذه الغاية مشروع”.

وهكذا، يحب علي جمعة الضوء، وينتشي به، وهو على أتمّ استعداد للوصول إلى أبعد مسافة حتى يظل موجودا.

المصدر : الجزيرة مباشر