أخطاء شائعة تحرمنا كنوز رمضان

صلاة التراويح من الجامع الأزهر (رويترز)

رمضان ليس عبئًا نؤديه للخلاص منه أو للإفلات من العقاب..

رمضان “نعمة” لإعادة ترتيب الأولويات ليس في الدين فقط، بل في الدنيا أيضًا، ودعم ما يفيدنا “وطرد” ما يضرنا بهدوء وحزم وعدم توقع سهولة ذلك، فسيحاول العودة لاعتيادنا عليه “وواجبنا” التنبه ومنعه من العودة، كما نمنع النفس بحزم من إفساد الصوم والخضوع لمبطلاته.

ننبه إلى خطأ تجاهل إعطاء البدن حقه، فرمضان ليس “ماراثون” والعبرة بالكيف وليس الكم، فالأهم بما يستقر في القلب والعقل ويرافقنا بعد رمضان، وليس ما ينتهي أثره بعد انتهاء وقته.

ندعو إلى بدء صفحة أفضل لإنهاء الخلافات ليس من باب التنازلات، فهي ذكاء وفهم لقصر الحياة وعدم شغل أي جزء منها في استمرار خلاف يمكن إنهاؤه أو تقليله ومنع زيادته.

سواتر نفسية

خطأ شائع هو متابعة أخطاء الغير والتركيز على هفواتهم  في رمضان وغير رمضان، في الواقع وعلى وسائل التواصل الاجتماعي وفي الفضائيات والمسلسلات، والنتيجة إزعاج النفس “وسلب” الطاقات وبعثرتها، وتضييع فرص الفوز بالسلام النفسي وهو من كنوز رمضان، والحل في صنع “سواتر” نفسية وحواجز عقلية تمنع تسرب كل ذلك إلى العقل والقلب “وإزالتها” أولًا بأول، والتركيز على ما يفيدنا وتذكُّر أننا لسنا أفضل من الآخرين، ولا يعني بقبول الأخطاء بأنواعها فيجب رفضها بالطبع ومنع بالوقت نفسه التحول إلى الكبر، ونعبرها كمن يمر على رائحة سيئة، فيضع يده على أنفه “ليمنع” تنفسها ثم يرفع يده بعد تركها حتى “لا” يختنق، ووضع اليد على الأنف مهم جدًّا لمنع اعتياد الروائح الكريهة ولو بعد حين.

من الخطأ الربط بين رمضان والتعب، ولا شك في مشقة الصيام، ويمكن تقليلها ببعض الاسترخاء والتركيز على الفوائد الدينية والنفسية والدنيوية مثل “الرغبة” في تجاوز سخافات البعض والبخل عليهم في الاهتمام.

من الأخطاء الاستنفار في أول أيامه وبذل أقصى الجهد وعدم منح الجسد ما يحتاج إليه من الراحة والتنافس مع الآخرين، والأذكى التنافس فقط مع النفس، فقد نسبقهم ونتراخى أو الأسوأ نغتر بعباداتنا فنضيع بأيدينا ثوابها ولا نحصل منها إلا على التعب، وننبه إلى خطأ نسيان التدرب على ضبط النفس والتحكم في ردود الأفعال “وفلترة” ما يستحق الاهتمام والصغائر، فنطردها بلا تردد ولا نحكي عنها حتى لا نمنحها وجودًا بعقولنا فتضرنا كالغبار الذي نزيله أولًا بأول.

من الخطأ الانعزال عن الناس أو الاختلاط الزائد ونشر تفاصيل عباداتنا على وسائل التواصل الاجتماعي، فنخصم من درجات الإخلاص وهو جوهر العبادات، ولا مجال عن الحديث بأننا نشجع الآخرين على الفعل مثلنا، فبالإمكان تشجيعهم بطرق أخرى دون ذكر ما نفعله، ويمكن القول بأن هناك من يفعل كذا وكذا، وخطأ التركيز على المبالغة بنصح الغير وتناسي تنفيذ النصائح.

اصنع كنزك

انتشر فيديو لداعية يقول فيه: تعرّف على رجل صالح وصاحبه، وأخبره أنك تفعل ذلك فقط حتى عندما يدخل الجنة ولا يجدك يطلبك!

ولا نجد أسوأ من ذلك، فلماذا لا يفعل كل منا أفضل ما يمكنه للفوز برضا الرحمن ولا يكتفي بمصاحبة الصالحين؟ ولماذا لا يكون هو الصالح اليد العليا أفضل ولا ينتظر غيره ليدخله الجنة؟

الكنوز لا نعثر عليها بدون بذل الجهد، ولا نعُد ذلك جهدًا ضائعًا ونرحب به ونفعله برضا، ونواصل السعي حتى الفوز ولا نتكاسل أو نتراجع، قد نستريح بالطبع لكننا نرفض العودة في منتصف الطريق بدونها، فلنفعل ذلك في رمضان فنواصل السعي بطمأنينة و”صبر” جميل بلا شكوى من تعب الصيام، فالشكوى تسحب من “رصيد” إرادتنا، وتجعلنا كالبلاد الضعيفة التي تطلب العون من القوى العظمى، وكل منا يستطيع بعون الرحمن بالطبع أن يكون قوة عظمى في رمضان ودائمًا، فيفعل يوميًّا ما يقربه من الرحمن من قول وفعل، “ويجتهد” ليطهر قلبه وعقله من الشوائب التي تفسدهما، كالحسد أو النظر إلى ما في أيدي الغير وتناسي النعم التي لديه والتي يتمناها الملايين في العالم ويتجاهل كيف كانت حياته بدونها.

في رمضان بعد تناول طعام الإفطار يزول الجوع والعطش، “فلنجدد” الشكر على نعمة الطعام والشراب التي لا نشعر بها طوال العام، وعلى كل النعم التي تغمرنا “ولا” نتوقف عندها وسط الجري المحموم في الحياة، والاهتمام الزائد بما ينقصنا، ولا حياة كاملة أو بمتاعبنا ولا حياة بلا بعض المشاق والمنغصات، وكما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه “أغلق أبواب الحزن بالقناعة والرضا”.

من الأخطاء الشائعة التركيز على العبادات “الفردية” من صيام وصلاة وقيام الليل، وتناسي العبادات المفيدة “للغير” مثل مساعدة المحتاجين ماديًّا وتقديم أشكال الخدمات المفيدة للناس، وعدم التحجج بضيق الوقت، ولنذكّر أنفسنا بالحديث الشريف “والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه”.

يزيد البعض مشقة الصيام بسوء التعامل مع الناس وهو صائم، ويحرم نفسه من “كنز” الحديث الشريف “تبسمك في وجه أخيك صدقة”، فتذكُّر هذا الثواب يجعلنا نتغلب على العصبية التي تتمكن من البعض بسبب الجوع والارهاق.

ما نزرعه نحصده، فلنزرع في رمضان وبعده ما يجعلنا “نتنفس” الرضا بأنواعه عن النفس، ونتخلص أولًا بأول من كل الحشائش الضارة التي تمنع ذلك من أفكار وتصرفات وعلاقات وعادات تمكنت منا، بدءًا من تناول الطعام غير الصحي، ووصولًا إلى قبول علاقات تخصم منا، ومرورًا بإضاعة الوقت والسماح بضياع “ريموت كنترول” حياتنا من أيدينا وتركه للغير أو لوسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات.

لا أحد يمكن أن يصوم بدلًا منا، ولا أحد يستطيع النجاح بدلًا منا في الدين والدين، فلنتحمل “المسؤولية” التامة عن أعمارنا بعد الاستعانة بالرحمن بالطبع.

في رمضان تذكّر القول الرائع لشمس التبريزي “أزهِر من جديد، أثبِت أن الذبول خرافة”.

المصدر : الجزيرة مباشر