رهانات رمضان بين المقاومة والكيان

تراهن المقاومة ضمن رهاناتها على شهر رمضان بحسبانه شهر الانتصارات الكبرى

رهانات كثيرة سبقت شهر رمضان حول تحقيق الهدنة في غزة قبل دخول الشهر، أو أثنائه، فشل الرهان الأول، ويظل الثاني معلقا، وإن كان المرجح فشله أيضا مع استمرار تعنت حكومة الحرب الإسرائيلية التي ترفض حتى الآن التعهد بوقف الحرب، والانسحاب من غزة، والسماح لمهجريها بالعودة إلى مناطقهم وبيوتهم.

تتعارض رهانات الكيان المحتل مع رهانات المقاومة خلال هذا الشهر الكريم، فبينما تراهن حكومة الاحتلال على أن استمرار الضغط العسكري وحرب التجويع، سيسمحان لها بتحقيق بعض الانتصارات الرمزية مثل قتل أحد أو بعض قادة المقاومة، أو تحرير بعض أسراها بالقوة، أو صناعة شقاق في صفوف المقاومة، أو الحاضنة الشعبية لها، ودفع الفلسطينيين في النهاية للاستسلام، ومغادرة القطاع، وتيسير ذلك لهم من خلال الميناء البحري شمالي غزة الذي تتسارع خطوات تأسيسه بحجة تقديم المعونات الإنسانية.. ولهذا أظهرت حكومة الحرب الإسرائيلية تشددا في مفاوضات الهدنة، وسحبت وفدها من القاهرة مؤخرا.

شهر الانتصارات الإسلامية

في المقابل تراهن المقاومة على شهر رمضان الذي تحققت فيه العديد من الانتصارات للمسلمين تاريخيا على قوات كبرى وباغية، ومنها ما تحقق في فلسطين نفسها أو بسببها مثل معركة حطين (بين طبريا والناصرة 26 رمضان 583 هجرية والتي أنهت الاحتلال الصليبي للقدس بعد 88 عاما)، ومعركة عين جالوت ( قرية بين بيسان ونابلس في رمضان 658 هجرية )، ومعركة العاشر من رمضان- السادس من أكتوبر/ تشرين أول 1973، وكذا معركة أيام الغضب 2 رمضان -16 أكتوبر تشرين أول 2004 والتي انسحب فيها جيش الاحتلال من شمال غزة دون تحقيق أهدافه، وعملية العصف المأكول 11 رمضان -8 يوليو تموز 2014 والتي استمرت 50 يوما، وانتهت أيضا بانسحاب قوات الاحتلال ، كما كانت معركة سيف القدس في الجمعة الأخيرة لشهر رمضان (7 مايو2021)، وبالتالي فإن المقاومة لا تخش المعارك في رمضان بل إنها تتفاءل بالشهر الكريم.

وإضافة إلى الخبرة التاريخية لمعارك رمضان ضد الاحتلال الصهيوني فإن المقاومة لا تزال متمسكة برهانها على عدالة قضيتها، وعلى هشاشة موقف العدو، كما تراهن على حدوث طوفان احتجاجي في العالمين العربي والإسلامي خاصة مع بدء سلطات الاحتلال تنفيذ قيود جديدة على المصلين في المسجد الأقصى، وهي القيود التي لطالما أشعلت الغضب الإسلامي داخل وخارج فلسطين من قبل.

وقد أطلقت حماس دعوة للمسلمين بتكثيف زيارتهم للمسجد الأقصى خلال رمضان، فيما كثفت سلطات الاحتلال وجودها الأمني عند بوابات المسجد لمنع دخول كل من هم في سن الخدمة من الرجال والنساء إلى المسجد (رغم أنهم يحملون الجنسية الإسرائيلية)، ناهيك عن منع دخول أهالي الضفة الغربية إلى القدس عبر العديد من نقاط التفتيش العسكرية.

الميناء ثغرة للتهجير

العدوان مستمر إذن في رمضان، وكذلك حرب التجويع، والتهديدات باقتحام رفح لم تتوقف، وكل ما يعطلها حتى الآن هو محاولة البحث عن طريقة لتقليل حجم المجزرة البشرية التي تعتزم قوات الاحتلال ارتكابها لتحقيق صورة نصر تنهي به عملياتها، وفي هذا السياق يمكن أن نقرا تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن سواء في خطاب الاتحاد، أو في تصريحاته لقناة (إم إس إن بي سي) التي اعتبر فيها أن اجتياح رفح خط أحمر أمام نتنياهو الذي عليه أن يضع خطة لإجلاء جماعي للمدنيين في رفح أولا، فهو لا يقصد المنع الكامل للعدوان ولكنه لا يريد مذبحة كبرى تقلب عليه الرأي العام الأمريكي خلال معركته الانتخابية.

لم يكتف بايدن بتوجيه النصح لنتنياهو بإجلاء المدنيين قبل أي اجتياح ولكنه سارع إلى تشييد ميناء بحري قبالة غزة، وفتح طريق بحري مع قبرص بزعم تقديم المعونات الإنسانية بدلا من إلقائها جوا، أو عبر معبر رفح، بحجة منع مرور المساعدات عبر حماس والمقاومة، وهذا يعني أن هناك خطة إسرائيلية أمريكية إماراتية لصناعة قوة جديدة على الأرض مناهضة للمقاومة، وداعمة للاحتلال، تعتمد على قوى عشائرية، ولتسويق هذه القوة الجديدة عند الفلسطينيين المضارين فسيتم إسناد مهمة تقديم المساعدات التي ستصل عبر الميناء الجديد إليها، وستكون فرصة لتوفير سلاح لهذه القوة الجديدة تحت مزاعم تنظيم عمليات الإغاثة، لكن في الحقيقة سيكون هذا السلاح لمواجهة المقاومة، وافتعال اقتتال داخلي.

كما سيكون هذا الميناء الجديد بابا جديدا لتنفيذ مخطط التهجير عبر إغراء أهل غزة المتضررين من القصف الهمجي والتجويع للخروج الآمن من القطاع إلى دول أوروبية أو حتى عربية ربما تم الاتفاق معها مسبقا على استقبال أعداد من الفلسطينيين، حتى لو تم إيهامهم (أي الفلسطينيين) أنها مجرد هجرة مؤقتة مع احتفاظهم بحق العودة الذي لن يتحقق أبدا.

خطر على مصر

الميناء الجديد على بعد 10 كيلومترات فقط من الحدود المصرية، وهو بالتالي يمثل خطرا على الأمن القومي المصري، ويهدد بالاستغناء التام عن معبر رفح، وإغلاقه من الجانب الواقع تحت الاحتلال الإسرائيلي، وهذا ببساطة يعني انتهاء الدور المصري في غزة، ويعني استبدال الإمارات بمصر، حيث تساهم الإمارات بقوة في بناء الميناء الجديد.

وأخيرا إذا كان أحد الرهانات الكبرى للمقاومة هو اندلاع انتفاضة عربية إسلامية خلال رمضان دفاعا عن الأقصى ودعما للمقاومة، فهل سيخيب المسلمون رهان أشقائهم؟ لو حدث ذلك –لا قدر الله- فلا يلومون إلا أنفسهم حين يصبح الكيان الصهيوني هو الذي يحدد لهم ما يأكلون وما يلبسون، وحتى كيف يتزوجون!!

 

المصدر : الجزيرة مباشر