إبادة غزة.. أمريكا والغرب بين النفاق والاستغباء

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

“معاناة الأطفال والنساء الأبرياء في غزة أمر مؤلم وتكسر قلبي”، هذا ما قاله بلينكن وزير الخارجية الأمريكي “المتفاخر” بيهوديته.

كان يرد على سؤال: هل حياة اليهود مهمة أكثر من حياة الفلسطينيين المسلمين والمسيحيين؟ وأكد نتنياهو أن المدنيين في غزة لحقت بهم أضرار بسيطة! واعترف بايدن بقتل 30 ألفا أغلبهم ليسوا من حماس بينهم آلاف من النساء والأطفال، وحاول استغباءنا فقال: الأزمة “بدأت” بارتكاب حماس لمجزرة هي الأكثر دموية للشعب اليهودي منذ المحرقة، وطالب بإطلاق سراح الرهائن وإلقاء السلاح وتسليم المسؤولين عن 7 أكتوبر!.

النفاق هو إظهار عكس ما يؤمن به صاحبه، والاستغباء هو التعامل مع الآخرين وكأنهم أغبياء لا يدركون حقيقة ما يحدث، “وتوهم” أن بعض الكلام المنمق والتصرفات البسيطة ستحسن صورتهم وتجعلهم من “البشر”؛ كمناشدة الصهاينة تقليل عدد  القتلى من المدنيين “وليس” منع قتلهم؛ فلا بأس عنده بقتلهم بلا مبالغة، ومناشدة الصهاينة السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة بعد مشاهد التجويع المريعة وموت أطفال وكبار جوعًا، وبعد أكل الغزيين لعلف المواشي وللحشائش وشرب المياه المالحة وإجراء عمليات جراحية بلا مخدر وعلى أضواء الهاتف المحمول لعدم وجود كهرباء، وكأن أمريكا لا تستطيع إجبار الصهاينة وكأنها غير متواطئة معهم في مواصلة حرب التجويع.

ليست للمساومة

أعلن بايدن عن  سعيه لإنشاء ميناء بحري مؤقت لاستقبال سفن المساعدات الإنسانية لغزة وخاطب الصهاينة قائلًا: المساعدات الإنسانية ليست أمرًا ثانويًّا أو ورقة مساومة!! وحماية أرواح الأبرياء وإنقاذها يجب أن تكون الأولوية!!”

غيّر بايدن مسار سيره كثيرًا مؤخرا لتجنب المظاهرات ضد مذابح غزة، وفي كل مؤتمر أو ندوة أو لقاء يصرخ المتظاهرون في وجوه المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين.

طالب وزير الخارجية البريطاني حماس بقبول صفقة التبادل والتخلي عن سلاحها ومغادرة غزة!! وللأمانة لم يطالبهم بقتل أنفسهم.

لم ينجح التمثيل “الرديء” لحكام أمريكا والغرب في إقناعنا بأن لديهم “ذرة” إنسانية؛ فقد رأوا مثلنا آلة القتل الصهيوني تتوغل في دماء أهل غزة من النساء والأطفال والمسنّين، وفاق عدد الشهداء ٣٠ ألفًا وفاق الجرحى ضعف هذا العدد وبعضهم في حالات خطرة، ومضى ٥ أشهر قبل مذبحة الطحين التي أطلق الصهاينة فيها النار على المجتمعين لأخذ الدقيق ليحصلوا على رغيف خبز آدمي بعد أشهر من تناول علف المواشي؛ لمنع الصهاينة بموافقة أمريكا والغرب المساعدات الإنسانية من الوصول إلى غزة.

لا أحد يستطيع إقناعنا بأنهم لم يعلموا وفاة الأطفال الخدج وموت مرضى السرطان والفشل الكلوي وغيرهم؛ لعدم وجود الدواء أو لإخراجهم بالقوة من المستشفيات قبل تدميرها.

انتفضت أمريكا والغرب ألمًا وذرفوا الدموع على أوكرانيا ولم يبذلوا الجهد “لإتقان” التمثيل بالتعاطف مع إبادة غزة وتنافسوا في دعم الصهاينة إعلاميًّا وماديًّا وبالتسليح والفيتو في مجلس الأمن لوأد أي فرص لتقليل إراقة الدم الفلسطيني.

أما صور الاستغباء الكبرى فهي إلقاء أمريكا بعض المواد الغذائية على غزة محاولة بذلك تنظيف سمعتها، متناسية أن العالم كله يرى ويوقن أنها أرسلت وترسل أطنان المتفجرات التي يلقيها الصهاينة على رؤوس الغزيين، ولولا مساعدتها هي وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وكندا ودول غربية أخرى لانتهت إسرائيل.

لم تكن المرة الأولى ولا الأخيرة التي تواصل فيها آلة القتل الصهيوني استهداف المدنيين وقت انتظارهم المواد الغذائية، وشاهدنا جميعا عربات تجرها الحمير أخذها أصحابها ليعودوا بها وهم يحملون عليها ما يطعمون به أطفالهم الذين أوشكوا على الموت جوعًا، وإذا بهم يعودون عليها شهداء بعد تعمد الصهاينة قتلهم.

فشل رهانهم

أخذ الصهاينة أكثر من مليوني شخص في غزة رهائن للقتل والتجويع، ولم يكن ذلك ردًّا على هجوم 7 أكتوبر بل “استغلالًا” له؛ فالتهجير استراتيجية للصهاينة والقضاء على سكان غزة مستمر طوال الوقت قبل نتنياهو. وقد فشل “رهانهم” على نسيان الأجيال الجديدة الذين تزايد وعيهم واحتفاظهم بالمفاتيح من أجل العودة.

تفاوض حماس إسرائيل وأمريكا والغرب، والاختلافات شكلية بينهم في إرهاب المقاومة وخنق غزة وتجويعها؛ فإسرائيل وأمريكا والغرب يطالبون بإطلاق سراح الأسرى ثم “سماح” المقاومة للصهاينة بمواصلة إبادة غزة والقضاء على المقاومة والتهجير.

الإرهاب هو قتل المدنيين والتمادي في ذلك ومنع الغذاء والدواء عنهم أو قتلهم لتحقيق هدف سياسي.

من الاستغباء تبرير القتل من دعاة “التحضر” بما حدث في 7  أكتوبر؛ فأمريكا أكبر قوة في العالم تستطيع إنهاء الحرب فورا بإيقاف الرئة الصناعية التي تتنفس بها إسرائيل، وهي إمدادها بالأسلحة عبر الجسر الجوي المستمر منذ 7 أكتوبر، ولكنها تريد إبادة غزة والخلاص من المقاومة فهي متضررة من وجودها، وقد قال بايدن: “لو لم تكن إسرائيل موجودة فعلينا أن نوجدها”؛ فهي الحارسة لمصالح أمريكا والغرب.

من الاستغباء تصوير الأمر بأن نتنياهو هو العقبة لوقف المقتلة في حين أنه هو وغانتس كل منهما أسوأ من الآخر، وكل منهما يريد القتل، والخلاف في الأسلوب فقط، ومن النفاق والاستغباء إعلان البيت الأبيض في اليوم الـ151: “ندرس” خيارات لإدخال المساعدات إلى غزة.

أقاموا الدنيا ولم يقعدوها باتهام المقاومة -كذبًا- بالاغتصاب وتعاموا تمامًا عن اعتراف الصهاينة باغتصاب جندي صهيوني زميلته أثناء وجودهما في غزة.

حذر مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان من عنف المستوطنين الذي بلغ حدًّا جديدًا صادمًا، وطالبت وزيرة خارجية جنوب إفريقيا القوات المسلحة في العالم بإرسال الشاحنات إلى غزة لأنهم أصدقاء إسرائيل فلن تطلق النار عليهم.

قال أوسكار وايلد الأديب الإيرلندي الشهير عندما سأله شرطي الجمارك في ميناء نيويورك: “هل تحمل ممنوعات؟”، قال: نعم إنسانيتي”.

لا نريد من أمريكا والغرب إلا ما قاله الفيلسوف اليوناني للإسكندر الأكبر عندما اعترض طريقه وسأله هل يمكن أن يقدم له خدمة: “نعم. ابتعد؛ فأنت تحجب عني ضوء الشمس”.

المصدر : الجزيرة مباشر