عندما نسوا أن الأزهر أقدم من عمر إسرائيل

الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر
الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر (الفرنسية)

منذ بدء معركة “طوفان الأقصى” في شهر أكتوبر الماضي، ولم تتوانَ مؤسسة الأزهر وشيخها عن الوقوف بجوار الشعب الفلسطيني والمقاومة، ولم تدّخر جهدا في توصيل المساعدات إلى قطاع غزة في عدة قوافل متفرقة من بيت الزكاة المصري الذي تشرف عليه مؤسسة الأزهر وشيخها.

كما لم يترك شيخ الأزهر والمؤسسة وعلماؤها موقفا مناصرا لأهلنا في غزة إلا ووقفوا معه، وأيّدوه من خلال بيانات قوية لا تحتمل اللبس والتأويل؛ بل إنها صريحة جدا إلى حدّ أنها قد تتعارض مع الموقف الدبلوماسي للدولة ومعاهدة السلام مع الكيان المحتل.

سهام ضد مؤسسة الأزهر

ولأن موقف الأزهر واضح فقد انهالت سهام الصهاينة على المؤسسة وشيخها باتهامات عديدة، ووصفوا الأزهر بأنه المؤسسة الأكثر تحريضا على إسرائيل، وأن مناهجه تحض على الكراهية، وشنّت “القناة 12 الإسرائيلية” هجوما على شيخ الأزهر؛ بل اتهموه بأنه على تواصل مع المقاومة الفلسطينية وحركة حماس تحديدا.

وبسبب موقف الأزهر القوي (الذي نؤيده جميعا) لم تتوان القناة العبرية في وصف مؤسسة الأزهر بأنها تروّج لأفكار تنادي بالمقاومة ضد إسرائيل من خلال 2 مليون طالب يدرسون مناهج تحضّ على ذلك، بل استنكر تقرير القناة الكتب الأزهرية التي تحرض على اليهود، حسب زعمهم.

ولأن الكيان يريد تفسير الكتب الدينية والمناهج على هواه، فهو لا يريد أي تفسير لحادثة تاريخية أو دينية إلا وفق مصالحه، ويأبى على الأزهر أن يكون له موقف واضح ضد ما يُرتكب من مجازر وظلم لإخواننا في غزة؛ لذا يرفض الإعلام الصهيوني مجرد ذكر لغزوة خيبر عندما نقض اليهود المعاهدة مع الرسول عليه الصلاة والسلام.

ومن وجهة نظر الكيان المحتل، يُعتبر الإمام أحمد الطيب شيخ الأزهر ضمن أقوى المناهضين للكيان، ويقف وراء خط الأزهر المتشدد تجاه إسرائيل؛ لأنه يتبنى مواقف تعبّر عن رفضه للاحتلال، حيث يكرر دائما رسالة تفيد بأن “كل احتلال سينتهي بالزوال عاجلا أو آجلا”، وأن وجود الاحتلال مؤقت، ومحكوم عليه بالانقراض.

الرهان على خنوع الأزهر

يصعب على الكيان الصهيوني أن يجد مؤسسة مصرية قوية تتجاهل معاهدة السلام الإسرائيلية المصرية في كتبها، ولا تذكر اسم دولة إسرائيل أبدا في متنها، وإنما تطلق عليها دائما “الكيان الصهيوني”، وقد فوجئ المحتل بأن مؤسسة الأزهر منذ اليوم الأول لمعركة “طوفان الأقصى” وهي تقدر جهود المقاومة، وتتألم للمجازر التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني.

لقد راهن العدو الإسرائيلي على سنوات عجاف مرت، وتصور أن الأزهر قد تأخر إلى الوراء وتقوقع على نفسه مثل كثير من المؤسسات، وأنه لا تهمه هموم الشارع الإسلامي والعربي، ولكن مواقف الأزهر الأخيرة فاجأت الكيان، بسبب وضوحها مرة، وتأثيرها مرات.

ورغم السهام التي يتعرض لها الأزهر في الداخل من ذوي الهوى الصهيوني؛ فإنه أبى إلا أن يعيد سيرته الأولى، ولم تؤثر فيه لا سهامهم ولا سهام صهاينة إسرائيل، وكان شيخ الأزهر مع القدر الذي يصنع رجاله، فهو منذ اليوم الأول للمجازر يقف مع حق المقاومة في الوقوف ضد المحتل، وكانت بيانات الأزهر المتلاحقة خير دليل.

حملة “أغيثوا غزة”

ومنذ اليوم الأول أطلق شيخ الأزهر حملة “أغيثوا غزة”، ووجدت الحملة تجاوبا كبيرا من جميع الاتجاهات، ولم يترك الأزهر مجزرة أو كارثة ألمّت بأهل غزة طوال أشهر الحرب إلا وكان للمؤسسة منها موقف وبيان، وكانت هذه البيانات والكلمات مفاجأة للكيان الذي ظن أنها في النهاية مؤسسة تابعة للدولة المصرية، ولن تخرج بياناتها بمثل هذه الحِدة والوضوح.

ولأن الأزهر في طريقه إلى استعادة دوره بعد أن تم تغييبه لعقود، لم يخش سهام الأعداء والأصدقاء، وجاء ردّه قويا من خلال معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ55؛ حيث كان لجناح الأزهر في المعرض يوميا ندوة، ومناقشة، وكلمات، وفاعليات قوية، على رأس أولويتها القضية الفلسطينية، والتعريف بها.

ولأن زوار معرض القاهرة الدولي للكتاب دائما أعدادهم كثيرة، خاصة زوار جناح الأزهر الذي يأتيه الزائرون من جميع دول العالم وليس مصر فقط، من شرق وجنوب آسيا، وآسيا الوسطى، وطلاب إفريقيا، وغيرهم من الباحثين الذين يعدّون العُدة سنويا لزيارة جناح الأزهر لكي يحصلوا على الكتب التي تُباع فيه، وكذلك حضور المؤتمرات والندوات التي تقام على هامشه؛ كان لهذه الفاعليات تأثير كبير يصل من خلال هؤلاء الطلاب والباحثين إلى جميع دول العالم.

تاريخ الأزهر أقدم من عمر إسرائيل

ولقد نظم جناح الأزهر يوميا فاعليات فنية وثقافية، وأناشيد للأطفال، قام بها طلاب معاهد الأزهر من مختلف أنحاء مصر، وكذلك محاكاة لمعاناة أهل غزة من الأطفال، ولم ينس الأزهر التعريف بالصهيونية، وخطورتها، وأهمية مقاومة المحتل، وضرورة الوقوف بجانب القضية الفلسطينية.

وقد كانت هذه الفاعليات والندوات اليومية -من وجهة نظري- أفضل الردود على السهام الصهيونية المصوّبة إلى الأزهر وشيخه، فهي ستترك أثرا لدى الآلافِ، والآلافُ سينقلونها إلى غيرهم، وهكذا تتم التوعية بالقضية الفلسطينية بعيدا عن الأكاذيب الصهيونية الحقيرة، ويكون الرد على حرب الإبادة، ومحاولة التهجير القسري، وسيذكر معرض الكتاب هذا العام أن أهم مؤسسة قامت بفاعليات مختلفة دفاعا عن القضية الفلسطينية هي مؤسسة الأزهر.

لا يسعني المقال لذكر أهم هذه الندوات والفاعليات التي تضامنت مع القضية الفلسطينية في جناح الأزهر بمعرض الكتاب؛ ولكن تبقى الحقيقة التي لن يستطيع الاحتلال الصهيوني تكذيبها، هي أن الأزهر جامعا وجامعة أقدم من دولة إسرائيل المزعومة بحوالي ألف سنة.

المصدر : الجزيرة مباشر