“العشر الأواخر” للطوفان

مئات المقاتلين من كتائب القسام اجتازوا الحدود من قطاع غزة إلى 22 بلدة و11 قاعدة عسكرية إسرائيلية في 7 أكتوبر الماضي

يرتبط تعبير “العشر الأواخر” بشهر رمضان الكريم “الذي يحل علينا خلال أيام”، لكننا حين نستخدمه مرتبطا بمعركة طوفان الأقصى فإننا نقصد أن المعركة في أيامها الأخيرة، وشواهد ذلك كثيرة منها تسارع وتيرة العمليات العسكرية بهدف الحسم الميداني المباشر، واستخدام المقاومة تكتيكات عسكرية جديدة أوقعت المزيد من الخسائر في صفوف العدو، وكذا تسارع وتيرة المفاوضات بين باريس والقاهرة والدوحة بهدف الوصول إلى وقف للقتال، وانسحاب قوات الاحتلال، وإدخال المساعدات، والسماح بعودة النازحين، مع تصاعد الضغوط العسكرية والنفسية الصهيونية على المقاومة وحاضنتها الشعبية عبر حرب التجويع لإجبار حماس على تخفيف شروطها خلال جولات التفاوض، وفي الأثناء تتسارع دوليا خطوات لحصار الكيان سواء في محكمة العدل الدولية أو الجنائية الدولية أو الأمم المتحدة ويقابلها تسارع خطوات رعاة وداعمي الكيان لإنقاذه، وإسناده في هذه اللحظات الفارقة.

من مظاهر اقتراب النهاية تصاعد الجنون الإسرائيلي لتوسيع المعركة، وجر إيران إليها بالمخالفة لسياسة واشنطن التي حرصت منذ بداية العدوان على تحييدها، وعدم السماح باتساع الحرب، وكذا من مظاهر الجنون في الأيام الأخيرة فتح معركة جديدة في المسجد الأقصى عبر فرض قيود مشددة على دخول المصلين المسلمين في رمضان، وهو ما ينذر بانفجار فلسطيني آخر في وجه العدو، وهو ما اتفق على احتمال وقوعه الطرفان الفلسطيني عبر بيان لعضو المكتب السياسي لحركة حماس عزت الرشق، والإسرائيلي عبر تحذير من جهاز الشاباك، أكد خلاله إنّ انفجار الأوضاع في مدينة القدس سيكون أكثر خطورة من تفجر الأوضاع في الضفة الغربية.

ليس حربهم وحدهم

في العشر الأواخر من رمضان يبلغ اجتهاد الصائمين حالته القصوى لتحصيل أكبر قدر من الثواب، وكذا في العشر الأواخر للحرب ينبغي أن يبلغ جهاد المقاومين، والمناصرين لهم أعلى درجته لتحقيق أكبر مكاسب من المعركة، وإذا كان المجاهدون يقومون بدورهم فعلا فإن الشعوب العربية والإسلامية لم تبلغ في دعمها المرحلة القصوى المفترضة في هذا الوقت، صحيح أن هذه الشعوب تظاهرت كثيرا، ونظمت حملات مؤثرة لمقاطعة الشركات والجهات الداعمة للعدوان، لكن الملاحظ أن مظاهراتها فترت في الآونة الأخيرة، وكأنها تعايشت مع العدوان ومع مظاهر القتل والدمار.

إن مرور خمسة أشهر على الصمود في مواجهة عدوان غاشم مدعوم إقليميا ودوليا هو مدعاة لاستنهاض الهمم لا تراجعها، فالصامدون تحت القصف والدمار طيلة هذه الشهور، والذين يعانون حرب التجويع والتعطيش أيضا لا يحاربون فقط دفاعا عن أرضهم، بل يحاربون دفاعا عن شرفنا وعن كرامتنا وحريتنا جميعا، وعن مقدساتنا كلنا مسلمين ومسيحيين، ولنا أن نتصور انتصار العدو -لا سمح الله- في سحق المقاومة كما يحلم ويخطط، وكيف سيكون شكل المنطقة بعد ذلك؟! وكيف سيكون وضع الشعوب العربية والإسلامية تحت حكام مستبدين سيزدادون استبدادا وقمعا بناء على تعليمات السادة المنتصرين؟!

طوفان التغيير العربي

انتصار أهل غزة في هذه المعركة هو انتصار لكل العرب والمسلمين، وبشكل خاص هو انتصار لكل أنصار الحرية والديمقراطية الذين تعرضت ثوراتهم وتحركاتهم للهزيمة من الثورات المضادة، وجاء طوفان الأقصى ليمثل باب أمل جديد لاستعادة الحلم، وتحقيق النصر في معركة التغيير دون الحاجة لثورات أو انتفاضات، لأن هزيمة المشروع الصهيوني هي هزيمة مباشرة للنظم الاستبدادية التي تقيم حكمها على الدعم الصهيوني المباشر وغير المباشر، وحين ينتهي هذا الدعم تتساقط هذه النظم كما تتساقط أوراق الشجر في الخريف.

في هذه الأيام الأخيرة للحرب تتصاعد ضغوط الحكام من بني جلدتنا على المقاومة لإجبارها على تقديم تنازلات مريرة، تتنوع هذه الضغوط بين السياسي والاقتصادي وحتى الأمني، غالبية هؤلاء الحكام لا يريدون انتصار المقاومة أصلا وإن أظهروا غير ذلك، وقد كشف حقيقة مواقفهم ساسة غربيون التقوا بهم وسمعوا منهم مباشرة رغبتهم في الخلاص من حماس، وهم يتماهون اليوم مع الخطط الصهيونية بإنهاء وجود حماس العسكري والسياسي، ولا يريدون لها دورا مستقبليا في حكم غزة أو فلسطين حتى لو كانت تلك هي إرادة الشعب الفلسطيني في انتخابات حرة كما حدث في العام 2006.

دور القوى الشعبية

وفي مواجهة ضغوط حكامنا على المقاومة فإن واجب الشعوب أن تضاعف تحركاتها من مظاهرات، وتبرعات، وحملات دعم وإسناد بكل الأوجه الممكنة، ومن واجب الأحزاب والمؤسسات والحركات الشعبية أن تضاعف نشاطها في حشد هذه الطاقات، وتنظيم الاعتصامات والمظاهرات أمام سفارات العدو والدول الداعمة له، وحتى سفارات الدول العربية والإسلامية المتخاذلة أو المتآمرة مع العدوان، فهذه الحركات ستدفع ثمنا باهظا إن تخلت عن دورها، وإن تعرضت المقاومة الفلسطينية لسوء.

وإذا كان الأردن قد نجح أكثر من مرة في إنزال كميات من المساعدات في غزة (ولو بتنسيق مع سلطات الاحتلال) فإن على الحكومات العربية الأخرى ذات العلاقة مع الكيان (رغم اعتراضنا على تلك العلاقة) أن تحذو حذو الأردن، لمواجهة المجاعة الكبرى التي يتعرض لها الأشقاء في غزة، والتي تستهدف كسر إرادتهم، وها هي المقاومة تفتح لكم الباب من خلال اشتراطها دخول المساعدات الغذائية وإنهاء المجاعة أولا قبل التوصل إلى اتفاق الهدنة الذي يسعى الكثيرون لتحقيقه.

هلموا ياعرب .. هلموا يا مسلمين إلى نجدة إخوانكم حتى تكتبوا معهم صفحة النصر التي ستكون مجدا وذخرا للجميع.

المصدر : الجزيرة مباشر