كيف قسمت حرب غزة طلاب الجامعات في ألمانيا؟

ريكاردا لانج القيادية بحزب الخضر الألماني أثناء حضورها احتجاجًا في جامعة برلين الحرة (غيتي)

حرب غزة والاجتياح الإسرائيلي للقطاع، أعادا الزخم السياسي إلى الجامعات الألمانية التي كانت تفتقده، فقد شهدت أروقة الجامعات انقسامات حادة بين مؤيدين لفلسطين وآخرين مؤيدين لإسرائيل، وفي معترك هذا الصراع رصدت صحيفة “دي تسايت” الأسبوعية في مقال “ليانيك رامزل” أجواء الجامعات الألمانية ومدى تأثرها بهذه الحرب خاصة أن ألمانيا كانت قد أعلنت انحيازها من البداية إلى إسرائيل.

من بين 140 جامعة ألمانية تضم أكثر من 5000 طالب، تجولت الصحيفة لرصد الحركة الطلابية وما إذا كانت هناك مظاهرات وحراك سياسي بين الطلاب، بعد أن أخذت الحرب أبعادًا خطيرة وصلت إلى التهديد بالتهجير القسري من قطاع غزة!

الجامعات ليست مسيسة

في البداية يجب الإشارة إلى أن الجامعات الألمانية ليست من الجامعات المشهود لها بالحركة السياسية، لهذا ظلت بعيدة عن الاستقطابات السياسية بعد الحرب العالمية الثانية، ولم تنخرط الحركة الطلابية الألمانية في النشاطات السياسية الداخلية أو الخارجية، وربما يرجع ذلك إلى استيعاب الدروس من الحرب العالمية الثانية التي تبعها استقرار سياسي واقتصادي في البلاد. لكن الملفت للنظر وفقًا لرصد الصحيفة، أن 22 فعالية احتجاجية تتعلق بالصراع في الشرق الأوسط تمت حتى الآن، أغلبها ركز على دعم الفلسطينيين والاعتراض على الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة فيما وصف بحرب الإبادة، وقد نظم تلك الفعاليات الطلاب العرب والأجانب والألمان المتعاطفون مع حقوق الشعب الفلسطيني.

أهم المظاهرات وأكبرها هي التي جرت في جامعات كولونيا، وكيل، وكاسيل، وبرلين. وكانت هناك أربع مظاهرات في جامعة برلين التقنية وحدها. وهنا يجب الإشارة إلى أن جامعات برلين بشكل عام هي التي شهدت أهم الفعاليات المناصرة لحقوق الشعب الفلسطيني. وليس غريبًا أن تكون هي الأكثر تفاعلا مع ما يجري في غزة؛ فبرلين تضم أكبر جالية فلسطينية تعيش بمدينة واحدة في أوروبا كلها!

شجار بين الطلاب

في جامعة برلين الحرة وصل العنف بين الطلاب المؤيدين والمعارضين إلى إصابة طالبين، واستطاع الطلاب المؤيدون لفلسطين احتلال إحدى قاعات المحاضرات، مما استدعى تدخل الشرطة لفض الاعتصام بالقوة، ومن بين كل الجامعات ما زال الطلاب في جامعة برلين الحرة هم الأكثر مناصرة لحقوق الشعب الفلسطيني.

تبدأ المظاهرات عادة في الاحتشاد في الحرم الجامعي، يرفع خلالها الطلاب صورًا للأطفال الذين استشهدوا في غزة، إلى جانب الأعلام الفلسطينية، واللافتات التي تحمل عبارات مثل “أوقفوا الإبادة الجماعية في غزة”، و”فلسطين حرة”، و”إسرائيل تقصف بتمويل من ألمانيا”!

أساتذة الجامعات في قلب الحدث

يقول البروفيسور “جونتر زيجلر” من جامعة برلين إنه بمجرد أن يخرج الطلاب عن خط التنظيم في الحرم الجامعي ويقومون بأفعال مثل التحريض على العنف ومعاداة السامية، فإنه يتم تقديم شكوى ضدهم ويتم استدعاء الشرطة، لكن من وجهة نظره لا ينبغي التغاضي عن تلك الفعاليات بل يجب إجراء محادثات ونقاشات مع مجموعات من الطلاب من كلا الجانبين، لأن ذلك من شأنه أن يخفف من وجهات النظر المتشددة.

اعترض متظاهرون على محاضرة للبروفيسير “توماس ديميلهوبر” في برلين بداية شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي بشأن الصراع في الشرق الأوسط، وكشف البروفيسير في محاضرته أمام 100 شخص أنه تلقى تهديدًا مسبقًا من مؤيدين لفلسطين أبلغوه بأنه لا ينبغي له أن يروج للأساطير الصهيونية، لكن الشرطة كانت تراقب المكان ولم يحدث أي مكروه.

في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أيضًا في جامعة الفنون، وبينما كان الطلاب المؤيدون للفلسطينيين يتظاهرون وقد لطخوا أيديهم باللون الأحمر ضد إسرائيل، أعرب الطلاب اليهود عن مخاوفهم من أن يتحول الأمر إلى صراع بين الطلاب داخل الجامعة.

خوف في أوساط الطلاب اليهود

لاحظ اتحاد الطلاب اليهود في ألمانيا (JSUD) وجود مناخ معاد لإسرائيل ومعاد للسامية بشكل متزايد في الجامعات الألمانية منذ هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول على إسرائيل. وفي حديث له يقول نائب رئيس الاتحاد الطلابي اليهودي لمجلة فوكس إن العديد من زملائه الطلاب لم يعودوا يجرؤون على تعريف أنفسهم بأنهم يهود من خلال ارتداء قلنسوة نجمة داود. ويخشى عدد كبير منهم الذهاب إلى الجامعة على الإطلاق. وقال إنه عند المناقشات حول الصراع في الشرق الأوسط في الندوات أو المحاضرات، فإنه يتم أحيانًا الاتصال بالطلاب اليهود وحثهم مرارًا وتكرارًا من قبل زملائهم الطلاب والمحاضرين على الابتعاد عن إبداء الرأي في دولة إسرائيل. وفي جامعة “هاينريش هاينه” في دوسلدورف، تذمر الطلاب اليهود من منعهم من وضع صور رهائن إسرائيليين تحتجزهم حماس على الطاولات أمامهم.

تدعي الجمعيات اليهودية أيضًا أنها حددت الكثير من المحتوى المعادي لإسرائيل والمعادي للسامية في مجموعات الواتساب في مجالس الطلاب من قبل الطلاب الفلسطينيين والأجانب المتعاطفين مع فلسطين الذين يدعون إلى المظاهرات ويقومون بتشويه الأجواء.

واجب الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني

وصلت بلدية برلين إلى حل توافقي من وجهة نظرها يعتمد على تزويد المؤسسات التعليمية بنصائح توجيهية تتعلق بالصراع في الشرق الأوسط ووجهة نظر ألمانيا في هذا الصراع، التي تقوم على أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، ولكن يجب أن تجري الحروب على الإرهاب وفقًا للمواثيق الدولية، مع الأخذ في الاعتبار أن الطلاب اليهود ليسوا مسؤولين عن السياسات الإسرائيلية.

من المهم أيضًا أن تهتم ألمانيا بالعدالة الإنسانية وأن تؤكد حق تقرير مصير الشعب الفلسطيني حتى يكون لها مصداقية في أوساط الطلاب العرب في الجامعات الألمانية!

المصدر : الجزيرة مباشر