وثائق أكتوبر الجديدة.. رسائل إلى من يهمه الأمر

طائرات القوات الجوية المصرية تحلق فوق ميدان التحرير في القاهرة في 6 أكتوبر 2011 خلال احتفال بالذكرى الثامنة والثلاثين لانتصار أكتوبر 1973 (الفرنسية)

 

بشكل مفاجئ أفرجت وزارة الدفاع المصرية عن مجموعة من وثائق حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، وحسب ما نشرته على موقعها الرسمي على الإنترنت، غطت الوثائق مسارات عدة هي: التخطيط الاستراتيجي العسكري، وإدارة الحرب بمراحلها حتى وقف إطلاق النيران، والتخطيط لتصفية الثغرة (الخطة شامل وشامل المعدلة)، وفض الاشتباك، وانسحاب القوات الإسرائيلية، والإعلام العسكري في حرب 1973، والهيئات والمنظمات الدولية والإقليمية ودورها.

كما تضمنت الوثائق جوانب من الخطة الرئيسية للحرب (العملية بدر) التي دمجت بين خطتين سابقتين هما “جرانيت 2” و”المآذن العالية”، وتضمنت أيضا أوامر عسكرية بخط أيدي القادة، وبرقيات عن نتائج بعض العمليات الميدانية، وخرائط عمليات خلال فترة الحرب، واتصالات بين القادة، وجوانب من خطة الخداع الاستراتيجي للحرب، وبعض تطورات الحرب من بدايتها وحتى نهايتها، وتفاصيل أخرى.

رسائل متعددة

لم تتضمن الوثائق المفرج عنها تفاصيل كافية عن سير العمليات، ولا خطة تطوير الهجوم، ولا كيفية حدوث الثغرة، ولا العديد من التفاصيل الأخرى للحرب باعتبارها لا تزال أسرارا تمس الأمن القومي، لكن الإفراج عن هذا القدر من الوثائق وفي هذا التوقيت يحمل رسائل خاصة، ليس بالتأكيد ادعاء مرور المدة القانونية لسرية تلك الوثائق (خمسون عاما)، فقد كان الأحرى أن تُنشر تلك الوثائق وفقا لهذا السبب في الذكرى الخمسين للحرب (اليوبيل الذهبي) الذي احتفلت به القوات المسلحة في أكتوبر الماضي، وكان ظهور الوثائق في تلك الذكرى سيمنحها زخما كبيرا، خاصة أن اللجنة التي شكلتها وزارة الدفاع لفحص الوثائق قبل الإفراج عنها بدأت عملها بالفعل في أغسطس/آب الماضي، أي قبل تلك الاحتفالات بشهرين.

في تلك المناسبة (اليوبيل الذهبي للحرب) كتبت هنا مقالا بعنوان “خمسون عاما على نصر أكتوبر.. أين الوثائق؟”، قلت فيه إن أسرار تلك الحرب لا تزال مدفونة في غرف مغلقة، ولا يغني عنها صدور العديد من المذكرات الشخصية لعدد كبير من قادة تلك الحرب، كما ذكرت أن الجانب الإسرائيلي نشر أرشيفه السري الكامل لتلك الحرب في الذكرى ذاتها (خمسون عاما) التزاما بقانون التقادم الإسرائيلي الذي يحدد مدة خمسين عاما للوثائق السرية جدا، ولم يشعر الكيان بأن نشر ذلك الأرشيف السري الكامل يشكل خطرا عليه، وبناء عليه طالبت -ولم أكن وحدي- بالإفراج عن وثائق حرب أكتوبر بعد مرور خمسين عاما عليها (حسب القانون رقم 121 لسنة 1975، الذي ينص في مادته الأولى على أحقية رئيس الجمهورية في وضع نظام للمحافظة على الوثائق والمستندات الرسمية للدولة مع إمكانية حظر نشر بعضها لمدة تصل إلى خمسين عامًا، والقانون رقم 183 لسنة 2018 بتعديل أحكام قانون رقم 8 لسنة 2009 بشأن حماية المخطوطات، الذي أضاف تعاملا خاصا مع المخطوطات ذات الطابع العسكري، في المادة (5) منه من خلال حفظها في دار المحفوظات المركزية بهيئة البحوث العسكرية لمدة تصل إلى خمسين عاما على أن يتم إيداعها الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية بعد مضي هذه المدة).

تذكير بالنصر

حسنا فعلت القوات المسلحة بنشرها تلك الوثائق الآن، رغم مرور 4 أشهر على الذكرى الخمسين للحرب، ومن الواضح أن الرسالة المقصودة ليس فقط مجرد إطلاع المصريين على بعض أسرار معارك أكتوبر 1973، ولكن أيضا تذكير الجانب الإسرائيلي بقدرات الجيش المصري الذي هزمهم قبل خمسين عاما، بعد تنفيذه خطة خداع استراتيجي دامت 3 سنوات، أقنعت العدو بأن مصر لن تحارب، وأنها لا تزال تلملم جراح هزيمتها في يونيو/حزيران 1967.

نشر الوثائق يُذكر الجميع إذَن بذلك النصر الذي تحقق رغم ادعاءات الجيش الإسرائيلي أنه لا يُقهر، ورغم استهزائه بقدرات جيش مصر في ذلك الحين، وهذا التذكير هو رسالة إلى العدو الصهيوني الذي يتحرك عمليا لاجتياح رفح، واجتياح ممر فيلادلفيا الذي أعلنته مصر خطا أحمر، وإجبار الفلسطينيين على النزوح إلى مصر، وهو الأمر الذي أعلنت مصر مرارا رفضها علنا له، وتركت مساحة لبعض المنابر الإعلامية لتهيئة الرأي العام المصري لاحتمال اندلاع حرب وشيكة حال تنفيذ إسرائيل تهديداتها، ويأتي إطلاق هذه المجموعة من الوثائق في إطار هذه التهيئة أيضا، وتذكير المصريين بمجدهم العسكري في أكتوبر 1973، وربما يرد بطريقة غير مباشرة أيضا على ادعاءات عدم قدرة الجيش المصري على مواجهة الجيش الإسرائيلي حاليا.

استعادة الوعي

كان من حسن حظي أنني عاصرت تلك الحرب، وتابعت -على صغر سني في حينه- ما تبثه الإذاعة المصرية من بيانات الحرب، وفرحت كما فرح المصريون جميعا بالنصر، ومن حق الشعب على قواته المسلحة أن تطلعه على مجريات الحرب، وكيف تم التخطيط والتنفيذ، وكيف تحقق ذلك النصر بعد هزائم عدة أثرت على سمعة الجيش وكذلك معنويات الشعب.

مع نشر الوثائق الجديدة سيستعيد كبار السن ذكريات النصر، وستتعرف الأجيال الجديدة على ذلك الإنجاز، وسيستعيد الجميع الوعي بالعدو الحقيقي لمصر والمصريين والعرب أجمعين، وستتضافر كل الجهود في مواجهته إن أصر على النزال.

المصدر : الجزيرة مباشر