بائع البرتقال الذي عبر عن ضمير الشعوب!

بائع البرتقال الذي تحول إلى أيقونة

“ارتحت بعد ما عَملت كده”..

كانت هذه كلمات عم ربيع (بائع البرتقال) تعليقا على الفيديو الذي انتشر له وهو يلقي بحبات البرتقال على الشاحنات المحمّلة بالمساعدات المتجهة لأهالي غزة.

جاء التصرف العفوي من عم ربيع ليعبّر عنا جميعا، ويؤكد أن الشعوب تهتم بالقضية الفلسطينية، وتتمنّى نصرتها ولو بقُوت يومها، فهي تشعر بهم، وبما يعانونه من خلال المشاهد التي يرونها على الفضائيات، كما قال عم ربيع، إنه يتأثر بما يراه عندما يعود إلى منزله بعد العمل، ويتمنّى مساعدتهم.

الجُودة بالمَوجود..

شخصيا، تأثرت بلقطات الفيديو التي تُظهِر عم ربيع الرجل الصعيدي الشهم وهو يلقي بحبات البرتقال على عربات القافلة المتجهة إلى غزة، فقد طبّق المثل المصري العامي “الجُودة بالمَوجود”، فهو لا يمتلك سوى بضاعته من البرتقال والفاكهة، فألقى بها؛ لعلها تصل إلى أطفال غزة في مشهد أصابنا بالفرح، وفي نفس الوقت بالحزن على أهلنا في غزة، وما يحدث لهم من حرب إبادة وتجويع.

ومن شدة تأثّري بالموقف النبيل، حاولت التواصل مع عم ربيع حتى وصلت إليه، فوجدته مواطنا مصريا بسيطا، يعمل في مدينة الحوامدية التابعة لمحافظة الجيزة، وعم ربيع حسن محمد عمره 53 عاما، ولديه 6 أبناء؛ 3 من الذكور، و3 من الإناث يسكنون في شقة إيجار، ولا يمتلك منزلا، ونزح من محافظة بني سويف في صعيد مصر ليقطن في مدينة البدرشين، ويبيع الفاكهة في فَرش بالشارع، ورزقه كما قال “يوم بيوم”.

الشعوب ترفض التطبيع

موقف عم ربيع وأمثاله من المصريين يؤكد أن التطبيع بين الكيان المحتل والحكومات يختلف عن الشعوب، فالشعوب لن تنسى الدماء أبدًا، ولن تتنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه بسهولة، ربما يكون التطبيع سياسيا بين الحكام والدبلوماسيين، ولكن رغم السنوات العديدة التي مرت على معاهدة كامب ديفيد لم يحدث تطبيع فعلي بين المصريين والكيان الصهيوني، فالمصري بينه وبين الكيان المحتل عداء وحروب طويلة لن ينساها بسهولة مهما حدث.

لم يكن ما فعله عم ربيع جديدا على المصريين، فهم يتألّمون كما يتألم أهالي غزة؛ ولكن ليس بأيديهم حل سوى المساهمة في تقديم المساعدات، أو المقاطعة، فهم -منذ اليوم الأول للحرب- يقاطعون كل ما هو له علاقة بالكيان، ومن دول تقف معه، وتجد الصغار قبل الكبار يقولون “هذه مقاطعة.. لا نشتريها”، وخاصة في الطبقات الشعبية التي لا حيلة لها.

ربما بسبب الظروف التي تمر بها البلاد منذ 2013 لم نجد مظاهرات مليونية تساند أهالي غزة، كما كان يحدث من قَبلُ في أمور أقل، واختفت المظاهرات والتحركات في القاهرة، كما اختفت في جميع العواصم العربية؛ لأن الحكام لا يريدون مثل هذه التظاهرات؛ ولكن تصرفات ومواقف الناس (كما فعل عم ربيع بائع البرتقال) تؤكد أن الشعوب لم تمت، ولديها إحساس بمعاناة الأشقاء.

بائع البرتقال بالذكاء الاصطناعي

لقد حظي الفيديو المصور لعم ربيع بانتشار كبير وواسع على منصات السوشيال ميديا، ولاقى استحسانا كبيرا لدرجة جعلت بعض مصممي صور الذكاء الاصطناعي يصمّمون عدة صور لبائع البرتقال وهو يلقي بحبات البرتقال على الشاحنات المتوجّهة إلى غزة في أوضاع متعددة، ملأت منصات التواصل الاجتماعي، لتؤكد أن مواطنا بسيطا للغاية قد يعبّر دون قصد عن رغبات ومواقف الجميع.

للأسف، الشعوب مكبلة لا تستطيع الحرب أو الجهاد ضد العدو، فهناك الجيوش المسؤولة عن ذلك، وأقصى ما تفعله الشعوب هو تقديم المساعدات والمقاطعة، والدعاء للمقاومة التي حملت عنا هذا العبء، وتلقن الكيان المحتل دروسا كبيرة غيرت بها معادلات الحروب، فهي رغم أنها تقاتل جيشا من أقوى الجيوش في المنطقة، ومعه أمريكا وحلفاؤها؛ إلا أنها فاجأت الجميع بعملياتها، حتى الآن.

ربما ألقى عم ربيع بائع البرتقال بمصدر دخله على الحافلات، وهو يتصور أنها ستصل إلى أطفال غزة الذين يراهم في الفضائيات بعد عودته من عمله في المساء، ويتأثر بهم، ويتضامن معهم وهم يبحثون عن الطعام فلا يجدونه، في كارثة إنسانية لم تحدث في التاريخ وسط تواطؤ من المجتمع الدولي الذي ترك إسرائيل تحاصر القطاع، وتمنع عنه المساعدات.

البرتقال ربما يكون فاكهة البسطاء لدى المصريين؛ ولكن بالنسبة لأهالي غزة أصبح -الآن- ترفا لا يجدونه، حيث الحصار الذي يمنع عنهم الغذاء والماء والأدوية؛ ما جعل بعضهم يبحث عن بعض الحشائش التي تصلح للأكل لإطعام أبنائهم لسدّ الجوع، ولو مؤقتا.

ربما تصل حبات البرتقال التي ألقاها عم ربيع إلى أطفال غزة، وربما لا تصل، ولكن رسالة عم ربيع أبو حسين التي لم يقصدها وصلت للجميع، وهي أننا كلنا مع أهلنا في غزة.

المصدر : الجزيرة مباشر