كيف نحسم الصراع مع الصهيونية؟

مسجد قبة الصخرة (رويترز)

هل يدري الصهاينة ومَن وراءهم أن الأمة الإسلامية سوف تحسم الصراع معهم بالمقومات ذاتها التي حسم بها بنو إسرائيل الصراع مع عدوهم؟ وهل تدري الأمة الإسلامية اليوم أن كتاب الله قصّ علينا مسيرة الصدام الحضاري الذي وقع بين بني إسرائيل وبين مدنيات أخرى قامت على الطغيان والظلم، لنقتبس منها المقومات التي بها نحسم الصراع معهم ومع غيرهم؟ وهل يدري الناس في شرق الأرض وغربها أن الأمة الإسلامية اليوم هي الوريث الشرعي للتراث الديني لأنبياء بني إسرائيل جميعهم؟ وأنها أولى من الصهاينة أنفسهم بنبي الله إسرائيل وبجميع من أتى من ذريته من الأنبياء والملوك؟ إلا إن وراثة الأنبياء والصالحين لا تكون إلا باتباعهم والعمل بالحق الذي جاءوا به وعملوا بمقتضاه: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا}، ألا وأن هذه الأمة هي الوريث للحضارة التي شيدها داود وسليمان، وأن إدارتها للصراع لعلى المنهج ذاته، فلننظر: كيف يُحسم الصراع؟

مقومات أخلاقية وأخرى مادية

على الرغم من توافر المقومات القيمية والأخلاقية لحسم الصراع مع قوى الباطل، التي نوهت إليها بعبارات حاسمة سور (البقرة) و(سبأ) و (النمل) و(ص)، بدءًا من حسن التوكل على الله الذي جاء في سياق قصة طالوت: {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ ‌كَمْ ‌مِنْ ‌فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}، ومرورًا بقيام ملك داود على الاتصال بالله، كما في سورة ص: {اصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ . إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ . وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ . ‌وَشَدَدْنا ‌مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ}، وانتهاء بالتواضع والخشية، كما وقع من سليمان: {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ ‌هَذَا ‌مِنْ ‌فَضْلِ ‌رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ}، على الرغم من ذلك وجدنا السور التي تصدّت لقصة هذا الصدام الحضاري ركزت تركيزًا لافتًا للنظر ومثيرًا للانتباه على المقومات العملية والمادية التي كان لها أثر كبير في حسم الصراع.

الكفاية المعلوماتية

أول شرط وأهمه من شروط النجاح في إدارة الصراع توافر المعلومات الكافية ووضعها في مختبر المصداقية، فانظر كيف كان جهاز الاستخبارات في جيش سليمان -عليه السلام- نشيطًا ومستوعِبًا؟ {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ . إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ‌وَلَها ‌عَرْشٌ عَظِيمٌ . وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ}، ثم تأمّل كيف أصرّ النبي الملك أن يجري اختبارًا على المعلومات: {قالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ . اذْهَبْ بِكِتابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ}، لا بد من توافر المعلومات الصحيحة عن العدو، وعن طريقة تفكيره، وعن أولوياته، وعن مواطن ضعفه ومكامن قدرته، وغير ذلك، وتوافر المعلومات شيء يختلف عن العلم، فالعلم شيء آخر، وهو أيضًا مطلوب، وكان متوافرًا: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا}.

الحذر من تبعيّة التسليح

وإذا كان التسليح الجيد والتدريب الوافي يسهمان في حسم الصراع العسكري، فلا يصح أن يكون الاعتماد الكامل في هذين العنصرين على أعدائنا، فلقد سبرنا الواقع وخبرنا الساحة وتأكد لنا أن الصهيونية ليست منحصرة في الكيان الصهيوني، وأن الكيان الصهيوني في الحقيقة ما هو إلا رأس الحربة للصهيونية العالمية المهيمنة، فكيف نعتمد بشكل كامل على عدونا في التسليح والتدريب؟! إن هذا لا يُتصور وقوعه إلا مع اختلال البوصلة، التي بدلًا من أن تتوجه صوب إسرائيل تتوجه صوب أهل الإسلام، ولعل من أهم أسباب الإنجازات الكبيرة للمقاومة هذا العامل، فعلى الرغم من بداوة التسليح تحققت المعجزات.

تأمل كيف كانت مهارة الخيل السليمانية: {إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ}، فالجياد السريعة، والصافنات التي تقف على ثلاثة أرجل وترفع الرابعة من التمكن وحسن اللياقة، وسليمان لم ينحر الخيل كما تقول (الإسرائيليات!)، وإنما طفق مسحًا بالسوق والأعناق، عناية بها وإشعارًا بأهميتها، أما صناعة السلاح فقد أُمر داود في شأنها بالدقة: {وَقَدِّرْ فَي السَّرْدِ} أي: دَقِّقْ في التركيب.

الحرب النفسية

يكاد الخبراء يجمعون على أن نصف الحرب كلام وتصريحات، تُزجَى في الأثير الذي يغمر الصراح، فتفعل فعلها في الأطراف بقدر ما تحمله من مادة موجّهة، وإذا كنا نريد لبلادنا العزة والغَلَب فلا بد أن يكون خطابنا غلّابًا، ها هو سليمان -عليه السلام- يمارس مع القوى الجاهلية خطاب العزة، الذي يهبط عليها من علٍ محمّلًا بكل دلالات الحزم والصرامة والاستعلاء: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ)}، وها هو يُرسل جملًا كالصواعق إلى الملكة التي لا تزال فرائصها ترتعد من وقع الرسالة السابقة: {فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ . ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ}، مما اضطرها للرحيل إليه صاغرة، فوجدت عرشها يسبقها إليه، ثم كشفت عن ساقيها، ثم كان الانهيار.

الجاهزية وانتقاء الكفاءات

(إنّما الناس كإبل مائة قل أن تجد فيها راحلة) استراتيجية نبوية يجب إعمالها في بداية المواجهة، الاعتماد على الرواحل من البشر، هكذا صنع طالوت في بداية مواجهة بني إسرائيل لعدوهم الذي أذلهم ونكل بهم، حيث عرّضهم لاختبار التحمل: {فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللَّهَ ‌مُبْتَلِيكُمْ ‌بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَاّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَاّ قَلِيلاً مِنْهُمْ}، هؤلاء القليل الصابرون الرواحل هم الذين تحقق لهم وبهم ما قاله عقلاؤهم: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}، بعد ذلك لم يبق إلا التجاوب مع سنة التدافع: {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ}، وأحسب أن المقاومة تعمل بهذه المقومات، فلنتعلم منها.

المصدر : الجزيرة مباشر