” اغتيال العاروري” حلقة في مسلسل الجرائم الإسرائيلية القذرة!

الشهيد صالح العاروري (يسار) وبجانبه عزام الأحمد (يمين) ويظهر خلفهما يحيى السنوار، بعد توقيع اتفاق المصالحة بين حماس والسلطة الفلسطينية في القاهرة 2017 (رويترز)

لم يكن اغتيال الشهيد صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في بيروت بلبنان، الاغتيال الأول الذي تقوم به إسرائيل ضد قيادات المقاومة بجميع فصائلها منذ احتلالها الأراضي الفلسطينية.

ففي مارس عام 2004 اغتالت إسرائيل الشيخ أحمد ياسين، مؤسس حركة المقاومة الإسلامية حماس، وزعيمها، حدث ذلك من خلال استهدافه ومَن معه بطائرة أباتشي وهو ذاهب لصلاة الفجر على كرسيه المتحرك، وبعدها بأيام قليلة في إبريل من العام نفسه وبالطريقة ذاتها أُطلق صاروخان من مروحية إسرائيلية على سيارة عبد العزيز الرنتيسي، أحد مؤسسي حركة حماس، وقائد الحركة في قطاع غزة.

اغتيالات دنيئة

وأتذكّر أنني كنت مشرفا على صحيفة مصرية تصدر بترخيص أجنبي في عام 2004 فقمت بعمل غلاف الصفحة الأولى لصورة نعش يجمع الشيخ أحمد ياسين والرنتيسي، يحملها الفلسطينيون فوق الأعناق في جنازة مهيبة، فقد كان وقتها وقْع الاغتيال شديدا على الجميع، خاصة أنّ بينهما أياما قليلة، وأنهما قياديان كبيران في حركة حماس.

ولكن لم يؤثر اغتيال الشيخ ياسين والرنتيسي وغيرهما على المقاومة؛ بل العكس تماما، فبعد أن كانت مجرد مقاومة بالحجارة في عهد الشيخ ياسين؛ أصبحت الآن -بفضل الله- مقاومة بالرصاص، والصواريخ، ومدافع الهاون، وقذائف، مِن صنع المقاومة، وحركات المقاومة الأخرى.

الشهيد صالح العاروري الذي كان يتمنى الشهادة، وقال في لقاء له “إن القيادات ليسوا أفضل من أي فلسطيني مقاوم”؛ بل إنه صرح بأنه بعد الاعتقالات المتكررة، ووضعه على قوائم الاغتيالات، لا يتصور أنه ما زال حيا.

لذا كان العاروري ضمن سلسلة الاغتيالات الإسرائيلية الدنيئة، فهي ترتكب هذه الجرائم في كل وقت، ومع كل حركات المقاومة، ومنذ معركة “طوفان الأقصى” هددت قيادات الاحتلال باغتيال قادة المقاومة في كل مكان تصل إليه يدها، سواء في فلسطين، أو خارجها.

ولأن لبنان يعدّ منطقة رخوة بالنسبة للكيان؛ نظرا لظروفه؛ فقد استطاع من خلال العملاء الخونة تنفيذ ضربته، واغتال العاروري، وقد سبق له في عام 1995 اغتيال فيصل الحسيني، القائد العسكري لحركة حماس في لبنان -أيضًا- ولكن توجد دول بها بعض القيادات الفلسطينية حذرت إسرائيل من تنفيذ مخططاتها على أرضها مثل تركيا التي قبضت مؤخرا على 33 شخصا بتهمة التجسس لصالح إسرائيل.

الكل في مرمى الاغتيالات

ووضعت إسرائيل منذ نشأتها قيادات الحركات الفلسطينية جميعا هدفا لها، لا تفرّق بين قيادي في حركة فتح، أو حركة الجهاد الإسلامي، أو حركة حماس، فسبق لها اغتيال عبد العزيز الشلالدة، القائد في حركة الجهاد الإسلامي، بهجوم جوي إسرائيلي في غزة عام 2004، وفي عام 1988 اغتِيل خالد الناشف، القائد في منظمة التحرير الفلسطينية، في تونس.

كما جرت محاولة لاغتيال خالد مشعل، رئيس الدائرة السياسية لحركة حماس، في عمّان بالأردن، وذلك من خلال الموساد بتكليف من بنيامين نتنياهو، عام 1997، وحدثت أزمة كبيرة بين إسرائيل والأردن، وهدد الملك حسين بإلغاء معاهدة السلام مع الكيان، وقُبض على الشخصين المتورطين، واضطر نتنياهو إلى إرسال رئيس الموساد إلى عمّان؛ ليقدم العلاج الشافي لمشعل في المستشفى، وفرض الأردن وقتها عدة شروط؛ منها الإفراج عن الشيخ أحمد ياسين، والعديد من الأسرى؛ حتى تحل الأزمة.

كما تورطت إسرائيل في اغتيال الزعيم ياسر عرفات، رئيس السلطة الفلسطينية، وقائد حركة فتح، في أكثر من محاولة؛ منها واحدة في تونس، حتى استطاعت في النهاية النجاح في مهمتها، واغتالته بسُمّ غير معروف -حتى الآن- وفشل علاجه، وتدهورت حالته حتى استشهد.

وسبق لإسرائيل اغتيال يحيى عياش، القائد العسكري لحركة حماس، بغارة جوية في منزله بمخيم الناصرة بالداخل الفلسطيني في 22 من يوليو 2002.

كما اغتالت إسرائيل عماد عقل عام 1996، وكان قائدًا في حركة حماس، واستُهدِف بهجوم جوي إسرائيلي في غزة، وفي عام 2010 اغتالت محمود المبحوح، وهو قائد في كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، في دبي.

العاروري لم يكن الأول

إن تاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يشهد على عدة حالات اغتيال قامت بها إسرائيل لقادة فلسطينيين -لا يتسع المقال لذكرها كلها- وهذه الاغتيالات أثارت جدلا واسعا؛ حيث ترى بعض الدول المؤيدة للكيان أنها جزء من استراتيجية إسرائيل الأمنية، في حين يعتبرها آخرون انتهاكا للقانون الدولي.

وتعتبر الاغتيالات التي شهدتها فلسطين جزءا من سياسة إسرائيل في قمع المقاومة الفلسطينية، وقد تعرّض العديد من القيادات الفلسطينية، بما في ذلك قادة حماس، لهجمات مستمرة. ومع ذلك؛ فإن تصميم وشجاعة العاروري في وجه هذا التهديد كانت ملهمة للكثيرين.

إن تفاني صالح العاروري في دعم القضية الفلسطينية لم يقتصر على المجال السياسي فحسب؛ بل امتدت تأثيراته إلى تعزيز الوعي العام حول قضايا الاحتلال، والحقوق الإنسانية، وشارك العاروري في العديد من المنتديات الدولية؛ لنقل رسالة الشعب الفلسطيني، وكشف حقيقة معاناتهم.

باختصار، الشهيد العاروري يظل رمزا للتضحية والصمود في وجه الظروف الصعبة، وإسهاماته الكبيرة تظل خالدة في سجل النضال الفلسطيني، كما أسهمت تضحياته في تعزيز الوحدة الوطنية بين الفصائل الفلسطينية؛ حيث سعى دائما لتحقيق التضامن والتعاون في وجه التحديات المشتركة، وكان له دور بارز في تعزيز الروح القومية، وتشجيع الشباب على المشاركة الفعّالة في النضال من أجل القضية الفلسطينية.

المصدر : الجزيرة مباشر