إثيوبيا على شواطئ البحر الأحمر.. من المتضرر؟

رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد (رويترز)

تطمح إثيوبيا إلى تحقيق إنجاز كبير بوضع موطن قدم لها على شواطئ البحر الأحمر، ففي الأول من يناير/كانون الثاني الجاري وقعت اتفاقا مبدئيا مع جمهورية “أرض الصومال” الانفصالية يمكّنها من استئجار ميناء “بربرة” على البحر الأحمر مدة تصل إلى 50 عاما ليس من أجل استخدامه قاعدة للأغراض التجارية فقط بل العسكرية أيضا.

ضربة جديدة توجهها إثيوبيا إلى مصر، ودول القرن الإفريقي بعد ضربة سد النهضة التي تعاني مصر والسودان منها حتى الآن، فقد انفردت بالقرار وحدها في التحكم في أمور السد دون المشاركة المصرية والسودانية، وأفشلت كل المفاوضات التي جرت مع الدولتين بشأن مراحل التخزين وحصة مصر والسودان.

قبل الاعتراض المصري على الخطوة الإثيوبية اعترض الصومال بشدة، لأن من شأن ذلك التعاون بين إثيوبيا وأرض الصومال ترسيخ انفصال إقليم أرض الصومال عن الوطن الأم؛ ولهذا أعلنت الحكومة الصومالية استدعاء سفيرها في إثيوبيا للتشاور، ثم أصدرت بيانا شديد اللهجة ذكرت فيه أن “أرض الصومال جزء لا يتجزأ من الأراضي الصومالية بموجب الدستور والقانون، وأن الصومال يعتبر هذا الاتفاق لاغيا ولا أساس له من الصحة”. كذلك صرح رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري بأن بلاده لن تقف مكتوفة الأيدي بل ستدافع عن أراضيها بشتى السبل القانونية الممكنة.

الانضمام إلى مجلس دول البحر الأحمر

من جهتها أيضا نددت جيبوتي بالاتفاق، وهي ترى أن جهودها في الوساطة بين الصومال وأرض الصومال قد ضاعت سدى بعد أن كان الطرفان على وشك عقد اتفاق لاستئناف المفاوضات بينهما، بعد سنوات طويلة من الخصام والتوتر السياسي.

أما مصر فهي في موقف لا تحسد عليه، وقد تكون هي المتضرر الأكبر من التحرك الإثيوبي، فهي ترى في ذلك الوجود على البحر الأحمر تهديدا لمصالحها وأمنها القومي، ذلك أن إثيوبيا في ظل عدم الاتفاق مع مصر بشأن سد النهضة، وعدم الانسجام السياسي معها، لن يساعد هذا التحرك على إيجاد لغة مشتركة بينهما للتنسيق والتعاون، وسيكون لذلك أثره على الدور المصري القيادي في تلك المنطقة مما يزيد شقة الخلاف المصري الإثيوبي، ويرفع وتيرة التوتر بين الجانبين.

القلق المصري لا يستبعد تأثر قناة السويس، وتأثر الاستثمارات الهائلة التي تضخها مصر في القناة، خاصة أن أديس أبابا من موضعها الجديد على البحر قد تصبح ضمن الدول المستفيدة من حركة التجارة الدولية في البحر الأحمر، وستتمكن من اقتطاع حصة لا باس بها منها، بل ستحاول أيضا الانضمام إلى مجلس الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن الذي تأسس عام 2020، والذي يضم مصر والسودان وإريتريا وجيبوتي والصومال من الضفة الإفريقية للبحر الأحمر، والسعودية والأردن واليمن من الجانب الآسيوي. وبهذا تصبح لها كلمة وتأثير بين الدول الأعضاء.

تنديد وتحذير

وزير الخارجية المصري سامح شكري انتقد بشدة الخطوة الإثيوبية وقال إن إثيوبيا “باتت مصدرا لبث الاضطرابات في محيطها الإقليمي”. وخلال اجتماع وزاري لجامعة الدول العربية في القاهرة، حذّر شكري من تداعيات السياسة الإثيوبية التي تعمل منفردة دون الأخذ في الاعتبار مصالح الدول الأخرى. ودعا إلى احترام سيادة الصومال ووحدة أراضيه.

حتى على المستوى الرئاسي حذر الرئيس المصري من عدم الاكتراث الإثيوبي بوحدة الصومال، وقال في مؤتمر صحفي في 21 يناير الماضي برفقة الرئيس الصومالي أثناء زيارته لمصر إن الصومال دولة عربية وعضو في جامعة الدول العربية، وبمقتضى ميثاق الجامعة فإن مصر ملتزمة بأمن واستقرار الصومال. وقال في عبارات مقتضبة إنه لا يوجه تهديدا لأحد، لكن مصر ستقف مع الصومال في الحفاظ على أمنها وسيادتها.

الجامعة العربية أصدرت كذلك بيانا أعلنت فيه تضامنها الكامل مع الصومال ورفضها للاتفاقية الموقعة بين إثيوبيا وأرض الصومال واعتبارها باطلة ولاغية وغير مقبولة، ورفض أي آثار مترتبة عليها سواء قانونية أو سياسية أو تجارية أو عسكرية.

ارتفاع وتيرة التوتر في القرن الإفريقي

إذن تبدو منطقة القرن الإفريقي في مهب الريح الآن، وقد يبلغ التوتر مداه عندما تحاول مصر تعزيز وجودها في منطقة القرن الإفريقي بوضع استراتيجية طويلة المدى تسمح لها بالحفاظ على أمنها القومي، وأن تكون لها يد طولى في منطقة على وشك الانفجار ولن يكون ذلك بأقل من قاعدة عسكرية مصرية في الصومال تحمي المصالح المصرية من الخطر الإثيوبي الداهم. فهل تسعى مصر إلى ذلك؟

إثيوبيا لن ترضخ للتهديدات المصرية إذا لم تستشعر رادعا حقيقيا لتوجهاتها الضارة بمصر؛ لأنها ترى أن أحد أحلامها الاستراتيجية قد تحقق في ظل حالة الضعف والوهن العربي الإفريقي. لقد وجدتها إثيوبيا فرصة سانحة للخروج من الدولة الحبيسة بعد أن فقدت ميناءها البحري الوحيد عقب انفصال إريتريا عنها في مطلع التسعينيات؛ لهذا نجد أن آبي أحمد كان مصرا على الحديث المتكرر عن رغبة بلاده في إعادة تأسيس القوة البحرية الإثيوبية مرة ثانية، ولو باستخدام القوة المسلحة!

قد لا ترضخ أرض الصومال كذلك التي عانت من التهميش عالميا ولم يعترف بها أحد للضغوط، فهي تجد أن التعاون مع إثيوبيا في صالحها تماما وقد يمنحها فرصة الحصول على اعترافات دولية وخروج من العزلة الدولية، إضافة إلى مزايا أخرى تجارية وسياسية واقتصادية لم تكن تحلم بها.

المصدر : الجزيرة مباشر