نتنياهو.. هل جعل أمريكا جمهورية موز؟

الترحيب بالرئيس الأمريكي أثناء زيارته تل أبيب في 18 أكتوبر الماضي (غيتي)

“جمهورية موز” تعبير لازدراء دولة ولإهانتها بأنها بلا مكانة سياسية في العالم وكأنها تزرع فقط الموز، ويُطلق على الدول الديكتاتورية التي يخدم رئيسها المصالح الخارجية، واستخدمه الكاتب الأمريكي أوليفر هنري في وصف هندوراس.

تتجاهل جمهورية الموز الرأي العام بها، وتتجاهل أمريكا تزايد الغضب الشعبي ضدها لدعمها للصهاينة، ونتوقف مع صانع المحتوى الأمريكي جيرمي ليليان بلاك الذي قدّم وصفة ساخرة لتأييد الصهاينة فقال: “قم بتأييد السياسة الأمريكية وقاطع المنتجات الفلسطينية كزيت الزيتون والمسيح، ومنذ 1948 قدّمت أمريكا دعمًا لإسرائيل 317 مليار دولار، فزد على الضرائب التي تدفعها 20% لصالح إسرائيل، وكل كوب قهوة ستشربه ستقتل مقابله طفلًا فلسيطينيًّا، وردد شعارات إسرائيل من نهر الأردن إلى البحر المتوسط الجميع سيموت، واذهب للتصويت لا يهم جمهوري أو ديمقراطي؛ فكلهم يؤيدون إسرائيل”.

ويُذكرنا بقول الكاتب الساخر الأمريكي جورج كارلين: “أمريكا دولة يملكها الأثرياء، والسياسيون أدوات لهؤلاء الأثرياء ليوهموكم بأن هناك ديمقراطية، أمريكا نادٍ خاص بالأثرياء والشعب خارج أسوار هذا النادي”.

نشيد ودماء

تجاهلت أمريكا تغيّر المزاج الدولي بعد المجازر الصهيونية، ومقاضاة 50 محاميًا من جنوب إفريقيا  واشنطن ولندن لدعمهما الصهاينة، وتزايد المظاهرات ضدها حتى في أمريكا، وعزف موسيقي أمريكي النشيد الوطني الفلسطيني أمام مركز لينكولن تضامنًا مع غزة، وتراجع شعبية بايدن بأكثر مما حدث لأي رئيس أمريكي في الـ15 عامًا الماضية، وأمام منزل بلينكن تجمّع متظاهرون أمريكيون يقدّمون مشاهد تمثيلية تحاكي جرائم الصهاينة، وظهروا وهم يسكبون الدماء.

في جمهورية الموز يختفي مسؤولون ولا يعرف أحد، كتبت صحيفة واشنطن بوست: “حقيقة أن أحدًا لم يلاحظ في البيت الأبيض غياب وزير الدفاع لأيام وسط صراعات في الشرق الأوسط وأوكرانيا، يعني أن أوستن ليس محوريًّا في صنع القرار في مجال الأمن القومي”.

كان أوستن قد نُقل إلى مستشفى، وقضى أيامًا دون أن يعلم البيت الأبيض، وقال بايدن: “لا أعرف شيئًا عن حالته”.

جمهورية الموز “تحرم” مواطنيها من حق التعبير، قالت امرأة أمريكية: “يمكن للطالب الأمريكي الوقوف وسط الحرم الجامعي وانتقاد أمريكا وسياساتها حول العالم أجمع، لكنه لا يستطيع انتقاد دولة أخرى هي إسرائيل!! ما هذا الجنون؟ مجلس النواب صوّت أن معاداة الصهيونية ضد السامية، فعندما تقيد مؤسسة حكومية أخرى حقوقنا الدستورية، فأي حكومة هي فعلًا المسيطرة لدينا؟”.

اعتقلت الشرطة الأمريكية طلابًا احتجوا داخل الكونغرس ضد دعم بلادهم للصهاينة، ووقّع مجموعة كبيرة من أبرز نجوم السينما الأمريكية بيانًا يطالب بايدن وزعماء العالم بإيقاف إطلاق النار فورًا في غزة.

في جمهورية الموز رئيس الدولة يفعل ما يريده، بايدن وافق على اقتراح استخدام الأصول والأموال الروسية المجمدة التي تتجاوز 300 مليار دولار لإعادة إعمار أوكرانيا، وسيعرضونها على الكونغرس، وفرنسا وألمانيا يرفضانها، وأمريكا ضربت اليمن دون موافقة الكونغرس، وأعلنت إيطاليا رفضها المشاركة في ذلك لأنها “تحتاج” إلى موافقة البرلمان.

سأل صحفي بايدن: هل نتائج ضرب اليمن إيجابية؟ رد: لا، بتوجيه مني وبدعم من أستراليا والبحرين وكندا وهولندا نفذنا ضربات ناجحة ضد الحوثيين، وضرباتنا ضدهم قد لا توقفهم ولكننا سنواصلها!

حاصرونا “وأرهقونا” بالحديث عن ضرورة احترام دولة المؤسسات، وقالت النائبة الأمريكية كوري بوش: “لا يمكن لبايدن شن غارات ضد اليمن دون موافقة الكونغرس، لقد انتهك الدستور، والشعب لا يريد أن يذهب المزيد من أموال دافعي الضرائب إلى حرب لا نهاية لها، وقال متحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية: “لا نسعى لحرب مع الحوثيين، ولا نعتقد أننا في حرب”.

شكران بن شكران

في جمهورية الموز لا يهتم المسؤولون بالواقع، ويتمادون وراء ما “يرغبون” في رؤيته، فأمريكا لا تريد رؤية حقيقة هزيمة الصهاينة، وتجاهلت تزايد المظاهرات الإسرائيلية ضد نتنياهو، وهتاف: “في كل مدينة ستلجأ إليها يا نتنياهو سترتعد ولن تنفعك الحبوب المهدئة”، وقالوا عن نتنياهو “شكران بن شكران؛ أي كذاب ابن كذاب”.

حذر الكاتب الصهيوني جدعون ليفي الصهاينة من ظهور جيل جديد في أمريكا يرفض انحيازها الدائم إلى إسرائيل دون أن تفعل الأخيرة ما تطلبه منها أمريكا، وأن بايدن سيكون آخر رئيس أمريكي يفعل ذلك.

ونتساءل: هل الصهيوني “يهتم” بقراءة الداخل الأمريكي أكثر من بايدن وإدارته؟

تتجاهل جمهورية الموز “تآكل” مكانتها في العالم، وأمريكا تتجاهل تزايد المظاهرات ضد سياستها المؤيدة لمجازر الصهاينة في أمريكا، حيث 70% من المظاهرات بها تؤيد غزة، وفي العالم حيث المظاهرات وحرق العلم الأمريكي وترديد عبارة “عار على أمريكا” أمام غالبية السفارات الأمريكية، وتجاهل الصورة المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي لسيارات نقل أفغانية تستخدم الأعلام الأمريكية التي كانت ترفرف “بعنجهية” المحتل في أفغانستان لأكثر من 20 عامًا، والأفغان يستخدمونها في تغليف العلف للمواشي، وأصبحت بعض السفن تكتب عبارة “لا علاقة لنا بإسرائيل وأمريكا” لتعبر “بأمان” في البحر الأحمر.

كتبت صحيفة نيويورك تايمز “أمريكا ستدفع ثمن مغامرات نتنياهو، وتزايد تعرُّض قواعد أمريكا في سوريا والعراق للقصف”.

في جمهورية الموز يظل الحاكم في منصبه مهما زادت “زلاته”، وما أكثر زلات وهفوات بايدن، وترامب أيضًا الذي يواجه محاكمات في أكثر من 90 قضية بعضها للتحرش، وعمرهما كبير، مما يجعلنا نتساءل: ماذا عن نصائح أمريكا في ثورات الربيع العربي بضرورة إفساح المجال للشباب؟

في جمهورية الموز لا مكان “للأدلة”، فما يهم هو ما يقولونه، قال البيت الأبيض: اتهام “إسرائيل” لحماس باستخدام العنف الجنسي أقرب إلى التصديق بسبب طبيعة حماس وما تؤمن به! وأكدت الخارجية الأمريكية أن حماس تعمدت دون شك قتل المدنيين، وليس هناك أي أدلة على تعمد إسرائيل قتل المدنيين ولا نعُد ما تقوم به إسرائيل في غزة إبادة جماعية”.

المصدر : الجزيرة مباشر