غزة بين مقتلة الصهاينة والنصر الاستراتيجي للمقاومة

جنود وضباط اللواء غولاني يبكون خلال جنازة زميل لهم استهدفته المقاومة، وذلك قبل انسحاب اللواء (غيتي)

يهتم النصر الاستراتيجي بتحقيق الأهداف؛ وحققتها المقاومة فكسرت هيبة الجيش الصهيوني وحطمت أسطورته المزعومة كجيش لا يقهر وأضعفت مكانته إقليميًا وأحبطت ترويج أكذوبة تفوقه الاستخباراتي ولمدة قاربت المئة اليوم لم يستطع خلالها تحرير أي أسير إلا من خلال موافقة المقاومة على التبادل في الهدنة، ولم يستطع وقف هجومها ولا تحديها له بتفخيخ أنفاق واستدراجه لها وتصويرها بعض العمليات العسكرية ونشرها وضرب معنوياته.

لا يتوقف النصر عند الخسائر بأنواعها البشرية والمادية، ويوجد “إجماع” على هزيمة أمريكا في فيتنام رغم الخسائر المؤلمة لفيتنام.

منذ حروب سابقة وخاصة عام 2014 والصهاينة يعلنون أهدافهم بالقضاء على الأنفاق وعلى المقاومة ومنعها من تهديد الصهاينة وتوالت إخفاقاتهم؛ فمن يذق طعم الانتصار الإستراتيجي سيواصل صنعه، وصدق وائل الدحدوح في وصف عدوان الصهاينة بالمقتلة فلا علاقة بالقتال بما يقترفه الصهاينة في غزة من سادية “وفش خلق” والانتقام من فضيحته في السابع من أكتوبر وما تلاه؛ فوصل الأمر إلى أن طالبت “دبلوماسية” هي: نوغا أربيل المسؤولة السابقة في وزارة الخارجية “الإسرائيلية” بتدمير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) فورًا لكسب الحرب!!

انسحاب وزغاريد

لا يوجد جيش في العالم يحتفل جنوده بالانسحاب كما فعل جنود الصهاينة في لواء “غولاني” وهو يمثل النخبة لديهم، وبرر الصهاينة الانسحاب بمنح جنودهم “راحة”، ونشرت “فورين بوليسي” أن الأنفاق تسببت بزعزعة الاستقرار الصهيوني وبخسائر كبيرة في الجيش وأخرت نهاية الحرب وجعلت النصر أقل تأكيدا، وأضافت: ” لم يحدث في تاريخ الأنفاق أن تمكن مدافع من قضاء أشهر في أماكن ضيقة وتسببت الأنفاق المفخخة في تكبيد الجيش “الإسرائيلي” خسائر مؤلمة”.

لم نر جيشًا في العالم “يزغرد” بعض جنوده ويدخنون ويصورون أنفسهم بجوار البيوت المهدمة؛ فهذا ليس انتصارًا ولا يمت له بصلة؛ ولا هدم المقابر وسرقة جثث وخطف رضيعة فلسطينية بعد استشهاد أسرتها وإجبار المعتقلين على خلع ملابسهم وتصويرهم وتدمير غزة؛ بل “مداراة” على الهزائم العسكرية والسياسية والمخابراتية والنفسية؛ فقد أعلن الصهاينة أن نصف السكان يحتاجون لعلاج نفسي ولم تنته الحرب بعد فيما تزداد المظاهرات المطالبة باستقالة نتنياهو ورجوع الأسرى “أحياء” والانقسام العلني بين الحكومة وتبادل الاتهامات، وبسبب التسريبات طلب نتنياهو عرض  الوزراء على جهاز كشف الكذب!!

قال أمنون إبراموفيتش محلل الشؤون السياسية في القناة 12 الصهيونية:” لو لم تساعدنا أمريكا بالأسلحة والذخائر وبتوجيه الرسائل إلى حزب الله وإيران لكنا اضطررنا إلى القتال بالعصي والحجارة”.

هذا في الوقت الذي قام فيه حزب الله بما يقارب 700 هجوم على مواقع صهيونية وقامت حماس، في 48 ساعة وأثناء الحرب وفي الأنفاق بإعادة تصنيع صواريخ صهيونية تم إلقاؤها على غزة ولم تنفجر وقاموا بتوجيهها نحو الصهاينة.

وحل غزة

قال جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق: “حماس حققت نصرًا كبيرًا على “إسرائيل”، ورفض صفقة تبادل الأسرى قائلا أنها “معيبة بشكل قاتل”.

وصرح وزير دفاع الصهاينة بأن انتصار حماس يعني نهاية وجودهم في المنطقة، وفي يأس من تحقيق الأهداف المعلنة أعلن الصهاينة عن إقامة شريط حدودي “لحماية” مستوطنات غلاف غزة قبل وقف إطلاق النار.

كتب يؤاف زيتون المراسل العسكري ليديعوت أحرنوت: “الجنود الإسرائيليون غرقى في وحل غزة وقادتهم ليس لديهم أجوبة عن موعد عودتهم لبيوتهم”، وقال الرئيس السابق للشاباك: “نحن نسير بعيون مفتوحة للغرق في رمال غزة”.

وقال وزير الخارجية الأمريكي “المعتز بيهوديته” والذي أعلن أنه جاء “لإسرائيل” باعتباره يهوديًا أن الصهاينة قتلوا “أكثر” مما ينبغي من المدنيين! ولم يحدد العدد الذي ينبغي قتله ومن أجله جاءت الأساطيل الأمريكية والإمدادات بأنواعها والدعم المتنامي للصهاينة، وبيع أسلحة للصهاينة دون الرجوع إلى الكونغرس مرتين أثناء الحرب باستخدام سلطة الطوارئ ونشر 12 منظومة دفاع جوي في الشرق الأوسط خوفًا من توسع الحرب ودخول أطراف أخرى؛ ولا مجال لحديث عن “أي” نصر صهيوني بعد ذلك. وصرح “جون كيربي” منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأميركي أن أمريكا لا تؤيد وقف إطلاق النار حاليا في غزة.

أما “تامير بارد” الرئيس السابق للموساد فقال: ” الويل لنا إذا خرج البنتاغون ووزارة الخارجية الأمريكية بتوصية إلى الكونغرس تقول إن “إسرائيل” لم تعد ذخرًا للولايات المتحدة وإنها أصبحت عبئًا إستراتيجيًا ويجب أن نأخذ ذلك على محمل الجد”.

وأعلن “بلينكن” بنظرات “زائغة” تكشف عدم اقتناعه بما يقوله إن حماس تستطيع إنهاء الحرب بالاستسلام وإلقاء السلاح، وتجاهل مقال “هيلل شوكين” في صحيفة “هآرتس” وقوله: علينا الاعتراف بالخسارة، لقد تدهورت مكانة “إسرائيل” في العالم وبلغت حضيضًا غير مسبوق، وسيجعل الإسرائيلي في الخارج كمرضى الجذام”، وذكر إعلام العدو توقع إصابة أكثر من 12 ألف جندي بإعاقات دائمة بسبب الحرب على غزة وهذا العدد سيصبح حدثًا وطنيًا تاريخيًا يتطلب إطارًا واسعًا لإعادة التأهيل، وحذر وزير الدفاع الأمريكي الصهاينة بأنهم قد يواجهون هزيمة إستراتيجية في غزة.

يتمثل النصر الإستراتيجي للمقاومة في الاحتفاظ بقوتها وبالقدرة على مواصلة تهديد العدو ومنعه من تحقيق أهدافه؛ وهو ما تحقق إذ واصلت ضرب الصواريخ ونصب الأكمنة واحتفظت بالأسرى “ولم” تسمح بكسر إرادتها، ولم تتأثر باغتيال صالح العاروري ووجود مرتزقة في جيش الصهاينة ونجحت بإحياء قضية فلسطين عربيًا وعالميًا والتعاطف العالمي مع غزة.

للنصر ثمنه وجهده وتعبه؛ هذا ما يدركه جيدا الفلسطينيون ويدفعونه بصبر غير مسبوق

قالت والدة صالح العاروري:” من زمان حابب يستشهد ونياله ش بدنا أحسن من هالموتة”،

وتزوج شاب فلسطيني من النازحين في مدرسة؛ كتب دعوة الزفاف على “سبورة” وعش الزوجية كان مختبر العلوم في المدرسة؛ فهذا شعب تحبه الحياة ويستحقها.

المصدر : الجزيرة مباشر