لماذا تتوعّد المعارضة في الأرجنتين بالتراجع عن قرار الانضمام للبريكس؟

خافيير ميلي بعد تقدمه في الجولة التمهيدية من الانتخابات الرئاسية بالأرجنتين

يبدو أن  قرار انضمام الأرجنتين إلى مجموعة البريكس، كما تمّ الإعلان عنه في قمة جوهانسبرغ الأخيرة، قرار قابل للنقض حسب ما صرّحت به المعارضة في الأرجنتين، التي من المُرجّح جدا أن تتولّى مقاليد الحكم في 10 ديسمبر/ كانون الأول القادم، أي قبل 01 يناير/ كانون الثاني، موعد دخول عضوية البلدان الستة الجدد حيّز التنفيذ. وحتى إن كان قرار التراجع عن الانضمام غير ممكن، فإن هذا الوعد يساهم بشكل كبير في إنعاش خطاب المعارضة القائم على شيطنة سياسة الحكومة اليسارية الحالية.

يأتي إعلان قرار انضمام الأرجنتين إلى مجموعة البريكس، في ظروف سياسية واقتصادية يغلب عليها التوتّر والإفلاس. فالنتائج الأخيرة للانتخابات التمهيدية للرئاسة، التي عاشتها البلاد منذ أسبوعين تقريبا، أكّدت إلى حدّ كبير أن الغضب الشعبي من أداء الحكومة الحالية وسابقتها، بلغ مداه. حيث فاز خافيير ميلي، المرشح “الترمبي” المظهر والعقيدة، بالمركز الأول بـ32% من الأصوات، متقدما بذلك على مُرشّحَي اليمين واليسار في السباق. وهو ما اعتُبر تصويتا عقابيا لهذه المرحلة، وربما تحذيرا في الجولة القادمة لكل من سرخيو ماسا المرشح اليساري ووزير المالية الحالي،  وباتريسيا بولريتش مرشحة يسار الوسط، ووزيرة الأمن في حكومة الرئيس الأسبق ماكري.

ويرى بعض الخبراء السياسيين في الأرجنتين أن التصويت الحقيقي في الجولة القادمة في أكتوبر/ تشرين الأول، سيكون أكثر عقلانية، وأكثر وفاء للقطبية التي احتدّت معركتها في العشريتين الأخيرتين، وسيطوي “حلم”  خافيير ميلي وأنصاره، وأنه في النهاية تصويت يفضّل تحمّل كوارث ماسا أو بولريتش، على الذهاب مع ميلي إلى الهاوية.

الدعم الصيني

إذن يأتي قرار الانضمام إلى مجموعة البريكس وسط هذه الأجواء السياسية اليائسة، والإفلاس المالي الذي بلغ فيه التضخم أعلى معدلاته العالمية بنسبة تقارب 140%، وانهيار قيمة العملة المحلية، وتفشّي معدل الجريمة بسبب ارتفاع معدلات الفقر، ليكون إعلانه مثل صبّ الزيت على النار في صفوف المعارضة. هذا فضلا عن أنه لم يحظ، باستبشار لدى أنصار الحكومة الحالية، مثل الذي رأيناه في مصر مثلا.

الرئيس ألبرتو فرنانديز، الذي ستنتهي ولايته بعد شهرين ونيّف، صرّح بأنه لم يكن متأكدا من موافقة المجموعة على انضمام بلاده، لذلك اكتفى بإرسال وزير خارجيته، لكن حرص الصين الكبير ودعم البرازيل اللامتناهي، عزّزا حظوظ بلده في دخول المجموعة.

ومقابل مباركته لهذه الخطوة وإشادته بإيجابياتها في تعزيز حجم صادرات الأرجنتين من زيت الصويا والذرة واللحوم للدول الأعضاء في البريكس، وتحريرها من كابوس التعامل بالدولار، ترى المعارضة أن فرنانديز لم يكن صاحب قرار الانضمام، بدليل أنه لم يستشر البرلمان في الأمر، وأنه كان قرار “ضمّ” أملته الصين، إيمانا منها بأن حكومة فرنانديز ومن خلفه نائبته “كريستينا كيرشنر”، الزعيمة اليسارية والرئيسة السابقة من 2007 إلى 2015، راحلة لا محالة، بحصادٍ خاوٍ. كما ذهبت بعض الأصوات المعارضة إلى القول بأن حرص الصين على ضمّ الأرجنتين في هذه المرحلة، يعتبر بمثابة الاطمئنان على عضوية بلد بالقيمة الجيوسياسية في القارة الأمريكية مثل الأرجنتين، وبالتالي تعزيز الحضور الصيني في البلاد، وهو أمر ربما يفسّر تأجيل المجموعة قبول عضوية فنزويلا وحتى بوليفيا، إلى المرحلة القادمة.

وقد تداولت صفوف المعارضة أيضا، الرأي القائل بأن إصرار الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا على دعم عضوية الأرجنتين في الدقيقة التسعين من حُكم رفاقه، يعكس تنامي روح الزعامة لدى الرجل، ولعلها أيضا خطوة أراد من خلالها “المنّ” على رفيقته في الكفاح “كريستينا كيرشنر”، بإسداء هذا الجميل لها في نهاية مشوارها السياسي.

وفيما يتعلق بردود صاحبَي المركزين الأولين في الانتخابات التمهيدية للرئاسة، المعارضَين لحكومة فرنانديز، فقد كانت حادّة؛ حيث اكتفى صاحب المركز الأول اليميني المتطرف، خافيير ميلي بالقول “لن أدعم أي خطوة تجمعنا بهولاء الاشتراكيين”. وصرحت صاحبة المركز الثاني باتريسيا بولريتش في ندوة بمقر مجلس الأمريكتين للأعمال “تحت حكومتي أنا، لن تكون الأرجنتين عُضوا في البريكس”، وقد قالتها بشكل واثق من فوزها في الجولة القادمة، ومُغازلة الإدارة الأمريكية التي كانت صاحبة الفضل على حليفها ورئيسها الأسبق ماوريسيو ماكري في فوزه بانتخابات 2015.

حلم الجنوب

مهما تكن نتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية في الأرجنتين قبل نهاية السنة الجارية، ومهما يكن تفعيل قرار الانضمام إلى مجموعة البريكس أو عدمه كما تُلوّح بذلك المعارضة، فإن التساؤل عن الهدف من عضوية الأرجنتين في هذه الظروف السياسية المتقلبة، يحظى بالمشروعية التامة. لكن، وبعيدا عن المؤهلات الجيوسياسية التي تجتمع فيها الأرجنتين مع مصر في قائمة الستة الأعضاء الجدد، وكونهمها البلَدين الأعلى دَينًا لدى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، فإن الأرجنتين تبقى البلد الوحيد الناطق بالإسبانية في المجموعة، ونقطة إغواء جغرافي تحرص الصين بالدرجة الأولى على التغلغل فيها، على حساب الهيمنة الأمريكية المتآكلة في نصف القارة الجنوبي.

أمّا إذا سلّمنا بانضمام فنزويلا وبوليفيا في المرحلة القادمة، وربما البيرو والتشيلي، في مرحلة أخرى، بكل ثرواتها في الزراعة والنفط والغاز والمعادن والمياه والليثيوم، المكون الأساسي لصناعة البطاريات بأنواعها، الذي تحتضن أمريكا الجنوبية 85% من احتياطي العالم منه، فإن مجموعة البريكس، وعلى رأسها الصين، تكون قد حقّقت فعلًا “حلم الجنوب” في كسر الغطرسة الأمريكية في عقر قارتها.

المصدر : الجزيرة مباشر