سر العداء المفاجئ بين الاتحاد الإفريقي والسودان

رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، موسى فقي محمد، يحيط به رئيس إثيوبيا سهلي ورق زودي ورئيس إريتريا أسياس أفورقي يحضران المؤتمر الصحفي بعد اختتام قمة المناخ الإفريقية

 

ما أعجب طريقة تعامل الاتحاد الإفريقي مع السودان، بدءًا بتعليق العضوية وليس انتهاءً بوضع السودان تحت وصاية كبار الموظفين، حتى وصل بهم الأمر أخيرًا إلى التهديد والإساءة للدبلوماسية وللشعب السوداني، بصورة غير مسبوقة.

منحى خطير

رغم أن السودان من المؤسسين للاتحاد الإفريقي، ومن أوائل الدول التي نالت استقلالها، ولديه جهد وعرق في بناء هذه المنظومة، فإنه يتعرض حاليًّا لمؤامرة خبيثة تُغزل خيوطها داخل غُرف الاتحاد الإفريقي، ويتولى كِبرها رئيس مفوضية الاتحاد موسى فكي، وناطقه الرسمي محمد الحسن ولد لبات، بلغت درجة التنسيق علانية مع قادة التمرد.

أخذت الأزمة منحى دبلوماسيًّا خطيرًا عندما التقى رئيس مفوضية الاتحاد موسى فكي بمستشار قائد الدعم السريع يوسف عزت، بحضور ولد لبات الدبلوماسي الموريتاني المثير للجدل، ودارت بينهم مباحثات عن الشأن العسكري والسياسي، وأثيرت عاصفة من الأسئلة عن ذلك اللقاء، وسيطرة آل دقلو، الذين يمتلكون من الذهب والأموال ما تنوء مفاتحه بالعصبة أولي القوة، على أروقة الاتحاد الإفريقي، إلى حد أن بعض قادة ذلك الاتحاد أصبحوا يتبنون موقفًا عدائيًّا تجاه السودان، لدرجة المناداة بالتدخل العسكري، وإسباغ عدم الشرعية على السلطة الراهنة، والمواصلة في تعليق عضوية السودان، وهو ما دفع الخارجية السودانية إلى تصعيد لهجتها ضد مفوضية الاتحاد الإفريقي، واستنكرت لقاء فكي مع ممثل الدعم السريع، وعدَّته “سابقة خطيرة” في عمل الاتحاد، ويُمثل تهديدًا مباشرًا لسيادة الدول الأعضاء والأمن والاستقرار في القارة بأسرها، لأنه منح الحركات المعارضة المسلحة والمليشيات شرعية لا تستحقها.

تراشُق وتهديدات

وكان الناطق الرسمي باسم الاتحاد الإفريقي قد أصدر بيانًا أعلن فيه أن الاتحاد في مقاربته للأزمة المستمرة في السودان يلتقي الأطراف المدنية والعسكرية كافة، وهى كذبة حاول أن يداري بها انحيازه الفاضح إلى مليشيا الدعم السريع، كما حوى البيان عبارات شديدة القسوة عندما وصف خطاب الخارجية بالمنحط، وتضمّن كلمات على شاكلة الحقد والغطرسة، وقد أعربت الخارجية السودانية عن دهشتها واستنكارها لما وصفته بالدرك السحيق الذي انحدر إليه الناطق الرسمي باسم رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي في الملف السوداني، وعدَّته “سقوطًا من أحد كبار موظفي مكتب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي”، داعية إلى إجراء مراجعة شاملة للطريقة التي يدار بها المكتب الإفريقي. ودخل رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان على خط المواجهة، وبعث رسالة إلى الاتحاد الإفريقي طالبه فيها بتصحيح موقفه ومواقف منسوبيه، وهدد بالاستغناء عن الاتحاد إذا واصل هذا النهج.

خلط الأوراق وبيع المواقف

خدمة الأجندة واحتقار الشعب السوداني هو الوصف الدقيق لتحركات قادة الاتحاد الإفريقي تجاه السودان، في وقت تجاهلوا فيه ما يحدث في النيجر والغابون، وما حدث في مصر وتونس من انقلابات عسكرية، وقد تجرأ موسى فكي إلى درجة تعيين مدير مكتبه مسؤولًا عن ملف السودان، وهو لا يتولى منصبًا دبلوماسيًّا في الاتحاد!

وقد سعى فكي وولد لبات إلى خلط الأوراق وبيع المواقف، واعتماد مجموعة من الناشطين والمنبوذين سياسيًّا كقوى مدنية وحيدة في السودان، والتعامل معهم دون البقية، وهو ما قاد إلى تصدّع الجبهة الداخلية، وأدخل البلاد في دوامة من العنف. ومن قبلُ، أعلن مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي، تأييده بالكامل لخطة الهيئة الحكومية لتنمية دول شرق إفريقيا “إيغاد” بشأن النزاع في السودان، وهي الخطة التي دعت إلى أن تكون العاصمة الخرطوم منزوعة السلاح، ووقف غير مشروط للأعمال العدائية، رغم أن ذلك يمكن يمكّن للدعم السريع، كما لم يصدر منهم ما يدين جرائم تلك المليشيا.

المشكلة لا تتعلق بالسودان كدولة، وإنما بالاتحاد الإفريقي كمنظومة تحتاج إلى حزمة إصلاحات صارمة، تضع حدًّا للفساد الذي فاحت رائحته داخل المفوضية، والعجز عن حل مشكلات القارة البكر، والحفاظ على ثرواتها من النهب، وتقديم قيادة إفريقية تمتاز بالحكمة والتجرد، وغلق باب الرشاوى وإحكام الرقابة على جميع مؤسسات الاتحاد الإفريقي. فضلًا عن أن الاتحاد الإفريقي غير مستقل ماليًّا، ونحو 60% من ميزانيته تأتي من أوروبا، ولذلك تتحكم فيه القوى الاستعمارية، لا سيما وأن من لا يملك قوته لا يملك قراره.

توزيع موارد السودان

من منطلق تجاهل الأهداف الأساسية لتحقيق التطلعات المشروعة للشعوب الإفريقية، كالمساواة والعدالة والكرامة، ظهرت السياسات الخرقاء تجاه بعض الدول، ومحاولة تجريدها من شرعيتها، وهو ما حدا بموسى فكي إلى الخضوع لتوصية سياسية بإزاحة السودانية أميرة الفاضل مفوضة الشؤون الاجتماعية بالإتحاد الإفريقي من منصبها، رغم أنها جاءت إلى هذا الموقع عن جدارة واستحقاق، مما تسبب في حرمان السودان من ذلك الموقع، ولعل الرجل أدرك أن السودان بلا قيادة قوية يمكن أن تتصدى لهم، ولذلك جعل من المفوضية طاولة سرية لإدارة معركة عبثية ضد السودان، بهدف تمكين بعض الدول من موارده وتقسيمه بين المحاور على طريقة سايكس بيكو، وإن كان الرجل يدرك خطورة ذلك فتلك مصيبة، وإن لم يدرك فالمصيبة أعظم.

ما يؤسف له أن الاتحاد الإفريقي والإيغاد فشلتا في المهام القانونية الموكلة إليهما، وتحولتا إلى منصات قابلة للبيع والشراء، تحت تصرّف رجال الأعمال الأثرياء، ولذلك أصر الرئيس الكيني وليام روتو على رئاسة اللجنة الرباعية المنبثقة من “إيغاد”، رغم اعتراض السودان على ذلك، لعدم حيادية كينيا، علمًا بأن وليام روتو على علاقة بحميدتي وبينهما شراكات في مجال التعدين، وقام حميدتي بتمويل الحملة الانتخابية الأخيرة لروتو. ولا يخفى أيضًا النفوذ القوي للدكتور مو إبراهيم رائد الأعمال السوداني البريطاني، وصاحب جائزة مو لتشجيع الحكم الرشيد وإشاعة الديمقراطية، التي تبلغ قيمتها خمسة ملايين دولار، مع راتب قدره 200 ألف دولار مدى الحياة، لمن يستوفي الشروط، إذ إن مو إبراهيم يسيطر على شبكة من السياسيين ورجال الأعمال والقادة الأفارقة، لرسم مستقبل السودان وفقًا لتصورات غربية، وهو مشروع يجب مناهضته بقوة، حتى ولو اضطر السودان إلى الانسحاب من إيغاد والاتحاد الإفريقي، فهما بلا قيمة ولا دور إيجابيًّا لهما في هذه المرحلة، أكثر من كونهما مؤسستين مختطفتين.

المصدر : الجزيرة مباشر