رئيس كولومبيا يواجه أصعب امتحان مع القضاء.. بسبب نجله!

الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو

 

لم يهنأ الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو بالاحتفال بمرور العام الأول على توليه رئاسة البلاد في 8 أغسطس/آب الماضي، حيث يعيش الرجل هذه الأيام على وقع ريح قضائية عاصفة، تجنّدت للتحقيق مع ابنه نيكولاس، في تُهم غسيل أموال واستغلال نفوذ والحصول على أموال مشبوهة لتمويل حملة والده الانتخابية العام الماضي. وتلوّح المعارضة من خلال تسليط الضوء على هذه القضية، بضرورة محاسبة الرئيس بيترو وعزله، إن تأكّد تمويل حملته بالأموال المشبوهة، بعِلمه أو عدمه.

رغم أن الاهتمام بحصاد العام الأول للرئيس بيترو، يُعَد أهمّ موضوع في الشأن الكولومبي، فإن تفاصيل قضية نجله، استحوذت على أغلب اهتمام الرأي العام داخل كولومبيا وفي المنطقة، بشكل نغَّص على الرئيس وأنصاره فرحة الاحتفال بمرور عامه الأول على منصب توَّجه بلقب “أول رئيس يساري” تمكّن من كسر هيمنة اليمين على إدارة البلاد طوال قرنين من الزمن.

قصة الابن

نيكولاس هو أكبر أبناء الرئيس غوستافو بيترو من زوجته الأولى، لم يلمع اسمه على الساحة السياسية، إلّا بعد تولّي والده مناصب عليا في البلاد، وأهمها رئاسة بلدية العاصمة بوغوتا. درس الحقوق ونشأ بعيدًا عن عيني والده الذي أسَّس أسرة ثانية وأنجب خمسة أبناء آخرين، ورغم ذلك، فقد تدرّج الشاب الثلاثيني سلّم المناصب السياسية مستثمرًا اسم والده، في بلدية أتلانتيكو، شمالي كولومبيا، بشكل تصاعدي. لكن الأجواء في البلدية الأشدّ ثراءً في البلاد، فتحت شهية نيكولاس على الأموال والمناصب والامتيازات بشكل لا ينسجم مع شعارات والده الذي صرَّح يومًا ما للصحافة بأن ظروف كفاحه السياسي أيام الشباب، وابتعاده القسري عن ابنه، حالت دون ممارسة دوره أبًا ومعلّمًا له. ورغم التقارب بين الأب وابنه في السنوات الأخيرة، فإن المعارضة بقيت تترصد خطوات الشاب، لمهاجمة والده، مع كل هفوة قانونية يرتكبها، إلى أن تفجّرت قضية التمويل التي ذكرناها، وانطلقت عملية التصفية السياسية للابن وأبيه معًا، طمعًا في الإطاحة بالأب الرئيس غير المرغوب فيه لدى بارونات الإعلام في كولومبيا.

تجدر الإشارة إلى أن الرئيس بيترو منذ إثارة قضية ابنه والتلميح لاسمه بوصفه مستفيدًا فيها، دعا النائب العام، الذي يُعَد من ألدّ خصومه، إلى التعامل بكل شفافية مع القضية، وأكّد من منطلقه بصفته رئيسًا للبلاد عدم تدخّله، كما لم يتدخل في قضية التنصت ومصادرة أموال مشبوهة بين رئيسة ديوانه وسفير كولومبيا في فنزويلا، منذ نحو شهرين، وهما المحسوبان في قائمة أقرب رجاله.

خلاف عائلي

أما قضية نيكولاس بيترو، فتعود تفاصيلها إلى خلاف عائلي بينه وبين طليقته داي باسكيز في شهر أغسطس الماضي، تَمثّل في اختلاف الطرفين على شروط الطلاق بينهما، إذ طلب بيترو الابن من باسكيز الموافقة على الطلاق والتحفظ على أسرار مصادر ثروته التي نالت هي جزءًا منها، لكنها رفضت ذلك، وهددته بكشف الأمر لدى الإعلام، انتقامًا منه ومن صديقتها التي ينوي الزواج منها بعد طلاقه. وقد نفّذت باسكيز وعيدها في مارس/آذار الماضي، وكشفت أن بيترو الابن تمكّن من الحصول على أكثر من أربعة ملايين دولار من رجلي أعمال في المحافظة، ارتبط اسماهما لدى القضاء الكولومبي والأمريكي بتجارة المخدرات والأسلحة، تحت مُسمّى “تمويل حملة المرشح الرئاسي” غوستافو بيترو السنة الماضية. كما أكدت كذلك أن بيترو الابن استخدم تلك الأموال لحسابه الخاص ولبعض مقربيه، وهو ما أثبت القضاء بعضه، واعترف بيترو الابن في الجلسة الأخيرة بصحّة تلقّيه أموالًا من الرجلين، لكنه اعترف أيضًا بأن كل ما اقترفه كان دون علم والده.

ورغم أن التحقيقات مستمرة، فإن خبراء القانون يُرجّحون أن تتراوح العقوبة في حال إثبات التهم الموجَّهة إلى بيترو الابن، من أربع سنوات الى عشرين سنة سجنًا. وتسعى المعارضة الى إقناع الرأي العام بفكرة تورّط الرئيس في القضية، واستحضار سيناريو الرئيس السابق إرنستو سامبر (1994-1998) الذي تعرّض للمساءلة البرلمانية في مناسبتين، بشأن تمويل حملته بأموال تجارة المخدرات. وفي السياق ذاته، تعمد وسائل الإعلام في كولومبيا الى تسليط الضوء على تصريح للرئيس بيترو سنة 2018، دعا فيه إلى الإطاحة بكل مرشح موَّل حملته ولو بـ”سنت” من الأموال المشبوهة، وتسليط أقسى العقوبات القانونية عليه. من جانبه، صرَّح الرئيس بيترو في اجتماع شعبي، على إثر انعقاد الجلسة الأولى في القضية، بأن مخططات المعارضة لن تنال من سلامة سُمعته، والتزامه بإنهاء مدته الانتخابية القانونية في 2026، وأنه يحترم كلمة القضاء بشأن ابنه، مهما كانت درجة تورّطه.

وتأتي هذه المستجدات وسط أزمة عامة يواجهها الرئيس بيترو مع السلطة التشريعية بسبب استحالة التحالفات، ومع الشارع المدعوم من قِبل المعارضة اليمينية الصلبة، إضافة الى تراجع مستوى شعبيته إلى 35%، بسبب قضية رئيسة ديوانه، التي ذكرناها سابقًا، وقضية نجله، اللتين لا تحتملان عنوانًا آخر، سوى الفساد. ومقابل هذه الأخطاء، تبقى جهود الرئيس بيترو في استعادة ثقة أنصاره لتجنب خسارة فادحة في الانتخابات المحلية والتشريعية بعد شهرين ونيف، مهمّة تكاد تكون مستحيلة.

المصدر : الجزيرة مباشر