اليوم عيد استقلال الهند.. كيف انتصر غاندي؟!

لافتة تحمل صورة غاندي يرفعها أحد المشجعين في الدوري الانجليزي الممتاز (رويترز)

“عند حلول منتصف الليل وبينما ينام العالم، سوف تستيقظ الهند لتعود إلى الحياة والحرية، حلّت لحظة نادرًا ما تأتي في التاريخ، عندما ننتقل من القديم إلى الجديد، عندما ينتهي عصر تكون فيه روح الأمّة مقموعة منذ زمن طويل فتنطلق”.

تاريخ الهند مكتظّ بالأحداث الجسام والتحولات السياسية، التي أثّرت في مستقبل البلاد، وأثْرَت حاضرها.

وأشد ما يبرز في خضم الأحداث، تلك الكلمات التي ألقاها أول رئيس وزراء للهند المستقلة، جواهر آل نهرو، المقتبسة من خطاب تاريخي شهير، حمل عنوان “موعد مع القدر”، وسط تصفيق مدوّ للاحتفال باستقلال الهند عن الاستعمار البريطاني يوم الخامس عشر من آب/ أغسطس عام 1947.

حكمت بريطانيا الهند لعقود طويلة، وأثارت سياساتها المستبدة استياء وغضب شعب الهند.

أسباب عديدة دفعت الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس إلى استعمار الهند، أبرزها التوجهات الاقتصادية والتجارية في ذلك الوقت. رأى البريطانيون في الهند فرصًا اقتصادية هائلة، خاصة في مجال التجارة والزراعة، إضافة إلى الثروات المعدنية.

كانت الهند آنذاك، واحدة من الدول التي تتمتع بالاكتفاء الذاتي والاقتصاد المزدهر، وكانت الحرف اليدوية الهندية شائعة على نطاق واسع في أنحاء العالم، ويزداد الطلب عليها عامًا بعد عام، كما يشتد الطلب أيضًا على المنسوجات القطنية والحريرية والشاي والتوابل والحبوب والأحجار الكريمة وما إلى ذلك.

وعلى الرغم من كون اقتصاد الهند زراعيًّا بالدرجة الأولى، فإن العديد من الأنشطة التصنيعية كانت ناشئة في الهند قبل الاستعمار.

باختصار، كانت هذه الموارد شديدة الجاذبية، وطاغية الإغواء لكيانات استعمارية كبرى مثل بريطانيا.

لا يمكن تجاهل أثر العوامل السياسية والعسكرية أيضًا، وتفاقم الصراعات بين الولايات المحلية في أجزاء مختلفة من الهند؛ ومن ثم سنح للبريطانيين أن يتدخلوا، ويتوسعوا، ويكون لهم نفوذ كبير في الهند.

 

“احمل مغزلك واتبعني”

مهاتما غاندي، هو أحد أبرز قادة حركة التحرير في الهند. اشتهر بفلسفته المبنية على المقاومة غير العنيفة، والتصوير المثالي للسلام والعدالة.

قاد غاندي حملات سلمية كثيرة، بدءًا من مقاطعة المنسوجات القطنية عام 1920، التي كانت بريطانيا تقوم بشرائها من الهنود بثمن بخس، ثم تعيد تصنيعها وتبيعها للهنود بأسعار باهظة.

في هذا السياق، قال غاندي كلمته الشهيرة: “احمل مغزلك واتبعني”. وبالفعل، تبعه عشرات الآلاف من الهنود، وكانت النهاية خسارة فادحة للشركات البريطانية.

ولا ننسى مسيرة الملح في 12 مارس 1930، إذ كان الملح يخضع لاحتكار الكيان البريطاني، وأراد غاندي تحدي ضريبة الملح، فبدأ مسيرة الملح، وصاحبه فيها 78 شخصا من رفاقه، مرتديًا ملابسه التقليدية المكونة من مئزر وشال، واضعًا نظارة على عينيه، ومتوكّئًا على عصا خشبية، وبدؤوا رحلتهم من مدينة أحمد أباد التي تقع في ولاية غوجارات بشمال غرب الهند سيرًا على الأقدام.

توقف غاندي في عشرات القرى على طول الطريق لمخاطبة الجماهير، وإدانة ضريبة الملح، ومع تقدم غاندي وأتباعه نحو الساحل الغربي، انضم آلاف الهنود إلى المسيرة، وحولوا المجموعة الصغيرة إلى حشد كبير غطّى مساحات تمتد لأميال، حتى وصلوا إلى مدينة داندي التي تقع على ساحل بحر العرب في 15 إبريل/ نيسان بعد أن قطعوا مسافة 300 كيلومترًا في 24 يومًا.

في صباح اليوم التالي تجمع الصحفيون والمؤيدون لمشاهدته وهو يرتكب جريمته الرمزية، غائصًا في المياه المتلألئة لبحر العرب، سار على الشاطئ وسط رواسب الملح العديدة حتى أخذ حفنة من ملح البحر، وأظهرها للجمهور قائلًا: “أيها الهنود اصنعوا الملح”. تم القبض على غاندي، فقام الأهالي بتقليد فعله في عدة أماكن أخرى، واستمروا فى العصيان حتى أطلق سراحه.

وبالطبع كان هذا العصيان يهدف إلى إظهار قوة وإصرار شعب الهند في التخلص من استبداد بريطانيا.

أثَّر اضطلاع غاندي بهذه المواقف على نفسية شعب الهند، فأصبحت لديهم رؤية جديدة لاستقلال هذا البلد. استجابة لهذه الحركات، قررت بريطانيا أخيرًا الانسحاب من الهند عام 1947، وبعد استقلال الهند تولى جواهر آل نهرو قيادة البلاد فكان أول رئيس للوزراء.

 مراسم الاحتفال

يوم الاستقلال هو عطلة وطنية في الهند، تقام مراسم الاحتفال في القلعة الحمراء بوسط نيودلهي، حيث يرفع رئيس الوزراء العلم الوطني، ويخاطب الأمة، ويلي ذلك عرض عسكري، وهو تقليد يتبعه كل رؤساء وزراء الهند بعد أن قام أول رئيس وزراء للهند، وهو جواهر آل نهرو، برفع العلم الوطني الهندي فوق بوابة “لاهوري” البوابة الرئيسية للقلعة الحمراء.

يحتفل الشعب أيضًا بعيد الاستقلال الذي يذكرهم بالخلاص من براثن الاستعمار البريطاني عبر تنظيم أنشطة ثقافية في المدارس والكليات وأماكن العمل، وتزيين هذه الأماكن بألوان العلم الهندي الثلاث وهي البرتقالي والأبيض والأخضر، وتتوسطها عجلة غزل تقليدية باللون الأزرق، ترمز إلى عجلة الغزل التي استخدمها المهاتما غاندي.

كما تقيم السفارات الهندية في أنحاء العالم احتفالًا صباح يوم الاستقلال، ففي مصر يفتح سفير دولة الهند بالقاهرة أجيب جوبتيه أبواب منزله بحي الزمالك للجالية الهندية وللمصريين المحبين لبلاده، ليشهدوا مراسم الاحتفال بيوم الاستقلال التي تبدأ في الساعة التاسعة صباحًا، ويقوم السفير الهندي بإلقاء كلمة، ورفع علم البلاد على سارية في حديقة المنزل، وتقوم الجالية الهندية بإنشاد الأغاني الوطنية وأداء النشيد الوطني الرسمي “جانا جانا مانا”.

لطالما اعتبر المؤرخون خروج بريطانيا من الهند ثمرة مباشرة للمقاومة والتضحية التي قادتها شخصيات مثل غاندي ونهرو، هذه المعارك ذات المعنى العميق تذكِّرنا بأهمية حقوق الشعوب في تقرير مصيرها، والسعي نحو حكم يضمن المساواة والعدالة.

السفير الهندي بالقاهرة وزوجته (يسار) في يوم الاستقلال

 

جانب من الاحتفالات بيوم الاستقلال
المصدر : الجزيرة مباشر