وقائع حرب بالوكالة من أجل السيطرة على ذهب السودان

حميدتي

 

من المعلومات التاريخية المثيرة للجدل، أن معظم، إن لم يكن جميع الغزوات الخارجية التي تم تجريدها لاحتلال السودان كانت بدافع البحث عن الذهب والرجال، وكذلك الاكتشافات الجغرافية، منذ سطو المستكشف الإيطالي فريليني على مجوهرات الملكة السودانية أماني شاخيني، فضلًا عن الأيادي الخارجية المتورطة في هذا القتال، إلى حد يمكن معه الجزم أنه إذا تجاهلنا دافع السيطرة على ذهب السودان، من قِبل أطراف عديدة، فستبدو لنا هذه الحرب عبثية بالفعل، ومجهولة الهوية!

ثمة تصريح صادم أدلى به عضو مجلس السيادة الفريق ياسر العطا، في الأيام الأولى للحرب، ذكر فيه أن قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو يمتلك في روسيا 53 طنًّا من الذهب، ونصف هذا الرقم في دولة وصفها بالشقيقة، وكميات أخرى داخل السودان، وقد أثارت تلك المعلومة عاصفة من الأسئلة، أهمها كيف سُمح لقائد فصيل عسكري أن يستثمر، بصورة مطلقة، في هذا القطاع السيادي، ويمتلك كل هذه الثروة؟

مملكة جبل عامر

احتياطي الذهب جعل حميدتي أغنى الرجال حاليًّا في إفريقيا، وقد انطلقت رحلة الثراء بدءًا من السيطرة على جبل عامر في دارفور، عبر شركة الجنيد، تلك التلال الذهبية المملوكة لأسرة دقلو بالكامل، وليس انتهاء بمحصلات الصادر والتهريب التي جعلت الدعم السريع قوة هائلة وكاسحة، أغرت قادتها بالسيطرة على كل السودان، وشراء كل من هو قابل للشراء، بما في ذلك أحزاب سياسية، ورؤساء دول خارجية مثل الرئيس الكيني وليام روتو، شريك حميدتي في مجالات التعدين، وهذا يعني أن كلمة السر وراء هذه الحرب تكمن في المعدن الأصفر، الذي أشعل آمال كثير من الجنرالات وقادة الحركات المسلحة ورجال العصابات، بتوسيع رقعة الصراع، وفجّر في الوقت ذاته وقائع الحروب بالوكالة.

السيطرة على احتياطي الذهب

بعد أن فشلت محاولات السيطرة على القيادة العامة للجيش، برزت مطامع السيطرة على مواقع أكثر حيوية، من بينها البنك المركزي الذي يوجد بداخله احتياطي السودان من الذهب، ورأينا محاولات جريئة لكسر الخزانة المركزية، لكنها كانت عصية، ولا يزال القتال، الذي دخل شهره الثالث، يدور بالقرب من بنك السودان، في منطقة مقرن النيلين وسط العاصمة الخرطوم، ولذلك فإن هذا الصراع لا يقوض آمال الانتقال إلى الحكم المدني فحسب، وإنما يهدد بفقدان السودان أهم صادراته، وهو الذهب، بعد انفصال الجنوب وضياع مورد النفط.

محاولة السيطرة على احتياطي السودان من الذهب، وحشد المرتزقة من دول الجوار في هذه الحرب، وتناسل المبادرات الخارجية غير المنحازة إلى أحد الطرفين، ونشاط حلف الكارتيل من وراء دخان المعارك، وعمليات السرقة المنظمة للبنوك والشركات العاملة في هذا المجال، ودخول شحنات أسلحة للأطراف المتقاتلة، بهدف تغذية الصراع من الخرطوم إلى دارفور، كلها تقريبًا عبارة عن دفعات مسددة مقابل المعدن النفيس.

إلى جانب ذلك، فقد قدَّر خبراء الأمم المتحدة حول السودان، في تقرير صدر في سبتمبر/أيلول 2016، الذهب المُهرَّب من السودان إلى الإمارات في الفترة ما بين 2010 و2014 بما قيمته أكثر من 4 مليارات دولار، أما هذا العام الذي اندلعت فيه حرب الخرطوم، فقد توقفت بشكل كامل عمليات تصدير الذهب، وضاع ما لا يقل عن أكثر من مليار دولار هي عبارة عن محصلة الصادر، أما الكميات المهرَّبة منذ 15 أبريل/نيسان الماضي، فهي أكبر بكثير من الأعوام السابقة، خصوصًا مع غياب الأجهزة الأمنية، وتضعضع القبضة المركزية للدولة.

أنشطة فاغنر المشبوهة

في العام 2017، أطلقت شركة فاغنر بحثها عن الذهب في السودان من خلال شركتي “مروي جولد” و”إم إنفست”، بينما قامت قوات الدعم السريع بتفكيك شركة الجنيد التي تعمل في مجالات التنقيب أيضًا، لصالح شركات أخرى تتحكم فيها أسرة حميدتي من وراء ستار، ولديها إمكانيات هائلة وحقول ممتدة تعمل في مختلف مناطق السودان، كما أن نشاط فاغنر ووجودها في دارفور وكردفان، يعود إلى أن تلك المناطق غنية بالذهب واليورانيوم والمعادن الأخرى الثمينة، وهى بعيدة عن الرقابة الحكومية، ومفتوحة على دول الجوار، ما يُمكّن فاغنر من التخفي في أزياء وسيارات تعينها على الحركة ونقل معداتها بسهولة.

بدأت فاغنر أنشطتها بتدريب الجيوش المحلية، وحماية الشخصيات الرفيعة المستوى، ومحاربة ما تسميها الجماعات المتمردة والإرهابية، بالإضافة إلى حماية موارد الماس والذهب واليورانيوم في دول الجوار الإفريقي، ومقابل تلك الخدمات توسعت حركتها في منطقة غرب إفريقيا وفي السودان كذلك، من خلال علاقتها بقوات الدعم السريع تحديدًا، التي منحتها امتيازات وتراخيص حصرية مقابل الحماية والتدريب وتوفير الأسلحة، وقد أتاحت حرية الحركة لشركة فاغنر القيام بتهريب الذهب أيضًا إلى خارج السودان، وقد استخدمت في تلك العمليات مطارات ولائية، ومما يؤسف له أن الحكومة السودانية لم توقف أنشطة فاغنر، رغم أنها حاليًّا تُعَد قوة شبه متمردة على روسيا.

شعب لا يملك ثروته

على الرغم من تصدير أطنان من الذهب بقيمة 720 مليون دولار في الربع الأول من العام 2022، فقد خرج السودان من قائمة الدول العربية الأفضل لاحتياطيات الذهب، واتسعت رقعة الفقر، والعجز في الموازنة العامة، وتدهورت الأوضاع المعيشية بصورة غير مسبوقة، وقد ذكر تقرير لـ”سي إن إن” أعدته الصحفية السودانية نعمة الباقر أن ما يتم تهريبه من ذهب السودان سنويًّا يتجاوز 13 مليار دولار، وهذا يرسم صورة كارثية وحزينة لما يجري في بلادنا، ويُبرز الوجه الآخر من قصة تصدير الذهب بهذه الكميات أو تهريبه دون بناء الاحتياطي المطلوب، وكذلك دون أن ينهض بمشروعات تنموية أو يظهر أثره في الاقتصاد، أو في معاش الناس، مما يعني تبديد ثروة هائلة، بطريقة غير مسؤولة، تؤكد بشكل عميق ومؤلم أن السودانيين لا يملكون بلادهم، ولا يتحكمون في ثرواتها.

المصدر : الجزيرة مباشر