في اليوم العالمي للشطرنج. ماذا يخطر في بالك عندما تسمع عن “لعبة الملوك”؟

يُحكى في الأساطير أنه في أحد الأيام، سئم ملك هندي من حياته إذ كان يتخللها الكآبة والملل، فاجتاحته فكرة أن يعلن عن مكافأة كبيرة لمن يتمكن من إدخال السعادة إلى قلبه مرة أخرى.

بدأ الناس على اختلاف خلفياتهم الاجتماعية والاقتصادية يقدمون اقتراحاتهم، والنتيجة لم ينجح أحد.

استبد بالملك الهندي الملول اليأس وهو أمام تاجر ذائع الصيت بالاختراعات الغريبة، وكانوا ينادونه بـ”سيسا”، فتح صندوقًا كان في جعبته للملك، وأخرج لوحًا يحتوي على 64 مربعًا باللونين الأسود والأبيض، ووضع عليهم 32 مجسمًا منحوتًا بالخشب، وعرض على الملك قواعد لعبته الجديدة.

على الرغم من هزائم الملك المتتالية والمتكررة فإنه لم يعد يشعر بالملل ، بل استحال هذا الشعور المنفر إلى إحساس بالفرح والخفة والمتعة الخالصة.

أراد الملك مكافأة التاجر فسأله عما يريده، فأجاب التاجر “حبة أرز” للمربع الأول ثم تضاعف حبتين للمربع الثاني، وأربع حبات للمربع الثالث، وهكذا تضاعف الكمية تدريجيًا عن كافة المربعات.

اندهش الملك من تواضع التاجر، وأمر بتلبية طلبه، ولكن اتضح أن حبات الأرز في الهند كلها لن تكفي لتسديد قيمة اللعبة إذ إن العدد عند المربع رقم 64 وصل إلى 21.474.836.480 مليار حبة.

هل خمنتم ما هي هذه اللعبة؟

نعم، إنها الشطرنج.

الشطرنج، هو أحد اكثر الألعاب استراتيجية، وتمثل واحدة من وسائل التسلية المفضلة لملايين الأشخاص حول العالم، ونظراً لشعبية هذه اللعبة قامت اليونسكو باختيار يوم 20 يوليو من كل عام للاحتفال بها.

وهذا التاريخ ليس عرضيًا، فهو اليوم الذي تأسس فيه الاتحاد الدولي للشطرنج عام 1924 في باريس.

أصول لعبة الشطرنج غير مؤكدة، وتشير العديد من الروايات إلى أنها نشأت في الهند في القرن الخامس، وكانت تُعرف باسم “تشاتورانجا” ، وانتقلت لاحقًا إلى بلاد فارس بعد الفتح الإسلامي، ثم انتقلت إلى العالم الإسلامي والعربي ثم إلى أوربا.

هناك العديد من القصص التي رُويت عن أصل اللعبة، أشهرها الأسطورة التي تدور حول الملك الهندي الذي عانى من الكآبة والملل.

 

لماذا الشطرنج لعبة الملوك؟

إن عبارة “الشطرنج، لعبة الملوك” هي قول شائع يستخدم غالبًا لوصف الشطرنج بسبب ارتباطه التاريخي بالنبلاء والطبقة الأرستقراطية.

فقد ارتبطت قطع الشطرنج، بتصاميمها المعقدة، ومعانيها الرمزية، بالملوك والقوة.

الملك، باعتباره أهم قطعة على رقعة الشطرنج، يمثل السلطة المطلقة، وهي القطعة التي يجب حمايتها بأي ثمن لأن فقدان الملك يؤدي إلى الهزيمة.

وقد ساهمت الأصول التاريخية، والرعاية الملكية عبر التاريخ، والرسومات الفنية والأدبية والرمزية المرتبطة بالشطرنج في سمعتها باعتبارها “لعبة الملوك”.

 

الشطرنج في الأدب العالمي

منذ نشأتها كلعبة يلعبها الملوك إلى تعقيدها الاستراتيجي وتصويرها في الأدب والفن، أسر الشطرنج خيال واهتمام العديد من الرسامين والمؤلفين على مر العصور.

استخدمه الكاتب المسرحى والشاعر الإنجليزي المعروف ويليام شكسبير في سياق مغازلة حميمية في الفصل الخامس من مسرحية “العاصفة”، في مشهد يجمع العاشقان فردينان ابن ملك نابولي، وميراندا ابنة بروسيارو دوق ميلانو الشرعية، وهما يلعبان الشطرنج.

وجعل الروائي الأمريكي “والتر تيفيس” من الشطرنج محور روايتة “مناورة الملكة “، إذ تدور أحداث الرواية التى تحولت إلى مسلسل درامي قصير مستوحى من الرواية على منصة نتفليكس حول فتاة يتيمة فقيرة تعلمت لعبة الشطرنج على يد حارس دار الأيتام، حتي صعودها إلى قمة عالم الشطرنج بالرغم من التحديات والمشاكل التي واجهتها بسبب إدمان الحبوب المهدئة حيث كان توزيع الحبوب المهدئة على الفتيات فى دور الأيتام شائعاً فى فترة الخمسينات من القرن الماضي.

وبين الشغف والهوس الكامل بلعبة الشطرنج يختزل الكاتب النمساوي “ستيفان زويغ” فى آخر رواية كتبها قبل انتحاره، “لاعب الشطرنج” معاناتة مع الإنسانية فى هيئة رقعة الشطرنج.

تدور أحداث الرواية على متن سفينة ركاب متجه من نيويورك إلى بوينس آيرس – الارجنتين، حيث يسافر أبطال هذه القصة: بطل العالم في الشطرنج ميركو كزينتوفيتش والدكتور ب ، وهو رجل ذو ذكاء كبير، لا يتحدث كثيرًا.

جذبت فكرة تحدي بطل العالم في لعبة الشطرنج، ركاب السفينة لكنهم لن يتمكنوا من الفوز عليه حتى وصول الدكتور ب.

لعبة الشطرنج بين البطل وبقية الركاب هي في الواقع وسيلة، أداة روائية ، لسرد قصة الدكتور ب البطل الحقيقي للرواية.

ألهمت لعبة الشطرنج أيضًا عدد من الرسامين العالمين منهم الرسام الألماني “موريتز ريتش” الذي عبر عن الهزيمة في لوحته الشهيرة “كش ملك” من خلال رجلين يلعبان الشطرنج يفترض أن أحدهما هو الشيطان، وكان يبدو متعجرفًا، واثقًا من فوزه، فيما يبدو الشاب الآخر وهو يحدق بثبات في رقعة الشطرنج يائساً.

لم تبهر لعبة الشطرنج الرجال فحسب بل فتنت النساء أيضاَ، فمن بين أكثر الأعمال النسائية إثارة للفضول لوحة الفنانة الإيطالية “سوفونيسبا أنجيسولاف” التى رسمتها عام 1555 وتصور أختين، تلعبان الشطرنج فى حديقة المنزل، بطلة المشهد فى اللوحة هي الأخت الكبري التى تنظر بابتسامة شديدة التحدي وهي تحرك قطعة على رقعة الشطرنج.

هكذا انتقلت لعبة الشطرنج من الأساطير القديمة، معبرة عن مزاج الملوك في أوقات السلام، إلى لعبة الفقراء والبسطاء والطامحين في روايات العصور الحديثة، ولا تزال تحتفظ بحيويتها وبريقها في أذهان عشاقها، ومتابعيها، وحتى من لا يحبونها، وينظرون إليها برهبة من بعيد.

وأنت، عزيزي القارئ، ما القصص التى تخطر في بالك عندما تستمع إلى تلك الكلمة/ اللعبة: “شطرنج”؟

المصدر : الجزيرة مباشر