مادورو ومستجدات الانتخابات الرئاسية 2024 في فنزويلا

نيكولاس مادورو

 

تجددت مخاوف الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة والمنظمات الحقوقية بشأن نزاهة الانتخابات الرئاسية القادمة في فنزويلا، وذلك بسبب استقالة أعضاء الهيئة العليا للانتخابات، التي تمّ تأسيسها في 2021، بهدف تنظيم الانتخابات البلدية، وتضمنت أعضاء من المعارضة، استجابة للضغوط الدولية.

وقد شكّكت المعارضة في صفاء النيّات وراء هذه الاستقالات، لا سيما وأن البرلمان تولّى بشكل سريع جدًّا، مهمة انتخاب أعضاء لهيئة جديدة، من المرجح أن يكونوا حصرًا من المُوالين للنظام.

خوف الرئيس

يكاد يكون من المؤكد أن المعركة الانتخابية في ديسمبر/كانون الأول 2024، ستكون محسومة لصالح الرئيس نيكولاس مادورو ونظامه، وذلك لهيمنة النظام على المنظومة الانتخابية في البلاد، منذ الاستفتاء الذي نظّمه الزعيم الراحل هوغو تشافيز في 2004، وسيطرته على أصوات الناخبين بأساليب عديدة، من أشهرها مقايضة المصوتين لصالح النظام بالحق في التمتع بـ”كرتونة” السلع المدعومة والأدوية. لكن الأحداث والمستجدات في الفترة الأخيرة، لا سيما تفجير الهيئة الانتخابية وانتخاب أخرى من داخل النظام، كشفت أن الرئيس مادورو يخشى غمار الانتخابات القادمة، بسبب وعيه التام بارتفاع مستوى غضب الشعب عليه وعلى نظامه، بغضّ النظر عن كل المعطيات الدولية والحصار الأمريكي المفروض على البلاد.

فالرئيس مادورو لا يتمتع بعُشر شعبية الزعيم الراحل تشافيز، ولم يكن ليتولّى الرئاسة إلّا لكونه كان يشغل منصب نائب الرئيس في فترة مرض تشافيز، حتى وفاته في 2013، رغم انتقادات المعارضة التي رأت أن رئيس البرلمان كان أحقّ منه بالمنصب. إضافة الى أن انهيار الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، واستمرار الرئيس مادورو في سياسة العناد مع الإدارة الأمريكية، دفع أكثر من خمسة ملايين فنزويلي إلى مغادرة بلدهم، بعد أن بلغ التضخم أعلى معدلاته في فنزويلا ونزل الحد الأدنى للأجور إلى  3 دولارات شهريًّا، حسب أرقام المفوضية العليا للاجئين. وأسهمت المعلومات ومقاطع الفيديو التي توثق الفساد المالي للنخبة الحاكمة، وعلى رأسهم النائب السابق للرئيس طارق العيسمي وأشقاء السيدة الأولى سيليا فلوريس، في رفع مستوى الاحتقان والسخط على النظام، وعقابه في أول انتخابات شفافة ونزيهة، إن توفّرت.

على صعيد آخر، ورغم الانتقادات اللاذعة لنظام مادورو، يبدو أن المرونة التي أبدتها الإدارة الأمريكية، مع تولّي الرئيس بايدن مقاليد الحكم، ومع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وما سببته من خلط في الحسابات السياسية، جعلت الرئيس مادورو يستعيد ثقته بمكانة بلده، وقدرتها على التحكم ببعض أوراق اللعبة السياسية والاقتصادية العالمية لصالحها، بفضل النفط. وقد اتضح ذلك من خلال الارتياح الذي أبداه الرئيس مادورو في حجم تنقلاته إلى الخارج ومشاركاته في القمم الإقليمية، بعد أن فضّل العُزلة في فترة حكم الرئيس السابق ترمب.

المقايضة

تجدر الإشارة الى أن الرئيس مادورو منذ سنتين تقريبًا، كان قد أبدى تفاعلًا مع “مرونة” الرئيس بايدن، ووعد بإجراء انتخابات رئاسية بمعايير نزيهة، تخضع لمراقبة هيئة للانتخابات، أسّسها خانعًا قبيل الانتخابات البلدية 2021، وأسفرت عن فوز المعارضة ببلديات استراتيجية. لكن، اتضح بعد ذلك، أن تلك الخطوات كانت مقابل تنفيذ شروط أملاها على الجانب الأمريكي، يمكن تلخيصها في تسليمه أسماء من المعارضة، مقيمين في الولايات المتحدة، وإطلاق سراح ألكس صعب، الذي يُعَد واجهة للرئيس مادورو وأحد أذرعه، والذي كان الإنتربول قد أوقفه سنة 2020 وسلّمه الى القضاء الأمريكي بسبب قضايا مخدرات وفساد مالي.

غير أن أمر الرئيس بايدن لم يستجب لتلك الشروط، وإنما غازله بقرارات أخرى، أهمها إطلاق سراح ابنَي شقيق السيدة الأولى فلوريس، المتهمَين بقضايا مخدرات في الولايات المتحدة، وترحيلهما إلى فنزويلا، ومنح شركة شيفرون النفطية الأمريكية ترخيصًا، بعد انقطاع سنوات لعملياتها في فنزويلا، لاستعادة بعض عقودها هناك، واستئناف استيراد كميات من النفط الفنزويلي.

الطريف في الأمر أنه، وبمجرد اندلاع حرب روسيا وأوكرانيا، وفوز اليسار في كولومبيا وعودته في البرازيل، تمكّن الرئيس مادورو من تلقّي جرعات مشبعة من الأكسجين، خفّفت من عزلته، وجعلت خطابه يتخلّص من مهادنة الخصوم، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، ويستعيد خطاب السيادة بكل “عنتريّاته”.

مهما يكن حجم الغضب الشعبي على نظام الرئيس مادورو، والأمل في التخلص منه، واستعادة الحياة مثل كل بلدان الجوار، إلّا أن حظوظ تحقيق هذا الأمل لا تبدو ممكنة في انتخابات 2024، بسبب الصراعات الحادة في صفوف المعارضة، وعدم الالتفاف حول مرشح واحد لمنافسة مادورو، إضافة إلى تعويل المرشحين الأكثر حظًّا في الفوز، تعويلًا تامًّا على الخارج، بالشكل الذي يجعل الساحة خالية من صورة المرشح الوطني الضامن لحماية ثروات فنزويلا واستفادة شعبها منها، بشكل أولويّ، وطي صفحة العُزلة والاستعمار على حد سواء.

المصدر : الجزيرة مباشر