يحدث في برلمان البيرو: صوت واحد يُطيح بمخطط اليمين المتطرف!

برلمان دولة البيرو

شهد برلمان البيرو الأسبوع الماضي، حدثا غير منتظر مطلقا بالنسبة لحزب “القوة الشعبية” اليميني المتطرف وحلفائه. حيث خُصِّصت الجلسة للتصويت على مقترح الحزب المتمثّل في تغيير النظام التشريعي في البيرو من برلمان إلى برلمان ومجلس شيوخ، كما كان معمولا به قبل 1993، لأسباب سنشرحها لاحقا، لكن المُقترح تمّ رفضه بسبب موافقة 86 نائبا فقط، في الوقت الذي كان العدد المطلوب هو 87، وهو الثلثان زائد واحد.

في الحقيقة، لم تكن نتيجة التصويت هي عنصر الصدمة في الجلسة لدى الأحزاب اليمينية، لكن ما أقدمت على فعله رئيسة البرلمان السابقة والنائبة الحالية ماريا ديل كارمن ألبا من حزب “العمل الشعبي” الحريص على تمرير القانون، اتجاه النائبة فرانسيس براديس من حزب “البيرو الحرة” اليساري، أشعل الجدل في شبكات التواصل وحرصت وسائل الإعلام الكبرى في البيرو على وأده، وتوجيه النقاش بشأن الجلسة إلى نتيجة التصويت، لاغير.

فقد قامت النائبة ماريا باقتحام مقعد براديس التي كانت على أُهبة ضغط زر الرفض، وقبضت على رقبتها من تحت شعرها، بشكل أبعدها على شاشة التصويت، وحالت دون حركة يدها، غير عابئة بتصوير الكاميرات لما يحدث. وفضلًا عن تلك الأوامر التي كان من الواضح أن النائبة ماريا كانت توجهها لبراديس، وتعيق حركتها، كان نواب آخرون يحيطون بالنائبة “الصامدة” ويضغطون عليها من أجل أن تصوّت بـ”نعم” لتتحقق الأغلبية المطلوبة لتمرير القانون. وتطوّر مستوى الضغط إلى درجة أن النائبة ماريا قامت بإقفال شاشة تصويت النائبة براديس حتى تستعيد “رُشدها”. ورغم كل ذلك، وبتدخل من رئيس الجلسة، تمّ فضّ التكتّل على مقعد النائبة براديس، التي تمكنت في النهاية من ضغط زر “لا”، ليكون صوتها الأخير والحاسم في رفض المقترح المذكور.

نتيجة غير منتظرة

تجدر الإشارة إلى أن نتيجة التصويت لم تكن منتظرة، باعتبار أن الأصوات الـ87 كانت مضمونة طوال نقاش المشروع في المراحل السابقة، غير أنه كان من الواضح أن النائبة براديس أضمرت نيّتها في الإطاحة بمخطط الأحزاب اليمينية وقلب الطاولة عليها، من خلال التصويت بـ”لا” في المرحلة النهائية، والظهور بالشكل البطولي الذي نقلته تسجيلات كاميرات القاعة.

فالأمر لا ينحصر في طيّ صفحة مشروع تغيير تركيبة السلطة التشريعية من غرفة واحدة إلى غرفتين، بل إن الرفض يعني أن البرلمان لا يُمكنه تطبيق القانون بسبب عدم موافقة الأغلبية، لكنه سيضطرّ حصرًا إلى عرضه على استفتاء شعبي في غضون الأشهر الثلاثة القادمة، وهو ما لن يتحقق في الظروف الحالية، نظرًا إلى مؤشرات الرفض العديدة التي يُبديها الشعب البيروفي لأي مبادرة صادرة عن البرلمان الحالي، ولا سيما أن استطلاعات الرأي الرسمية المحلية سجلت في المدة الأخيرة أن 90% من الشعب غير راض على أداء البرلمان و77% غير راضٍ عن أداء رئيسة البلاد دينا بولوارتي.

ومن ثم فإن صوت النائبة براديس كان بالفعل الصوت الذي أطاح بمخطط اليمين الحريص على تغيير الهيكل التشريعي، من دون اللجوء إلى صوت الشعب للأسباب التالية:

سعى أصحاب المبادرة بقيادة النائب إرناندو غارسيا عن حزب “القوة الشعبية” الذي تترأسه ابنة الدكتاتور الرئيس السابق فوجيموري، إلى ضمان الاستمرار في مقاعدهم بشكل آلي، حتى نهاية هذه الفترة الانتخابية في سنة 2026، التي تمتد خمس سنوات، لكن أمام مطالب الشعب المُلحّة في الدعوة إلى انتخابات مُبكرة، بسبب الأزمة السياسية الأخيرة التي عاشتها البيرو وعزل البرلمان للرئيس بيدرو كاستيو في 07 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، يخشى نواب البرلمان الحالي فقدان مقاعدهم، نظرا إلى الغضب الشعبي العارم، ورفضه لبقائهم في أماكنهم. ولا يسمح الدستور البيروفي لنواب البرلمان بالترشح لفترتين متتاليتين، لكن المبادرة التي عُرضت على التصويت، تضمنت بندا يسمح لنواب البرلمان بالترشح لمقاعد مجلس الشيوخ، والعكس، وهو ما كان سيضمن للنواب التدوال على مؤسستي السلطة التشريعية لمدة تصل إلى عشر سنوات. وهو ما يفسر السلوك العنيف الذي للنائبة ماريا ألبا اتجاه زميلتها فرانسيس براديس.

رغم تولّي الرئيسة دينا بولوارتي المنصب مباشرة إثر عزل سلفها بيدرو كاستيو، وإحكام قبضتها على إدارة البلاد في ظل احتجاجات يومية في جميع المحافظات، ووعيها التام بالرفض الشعبي لاستمرارها في المنصب، فلا تُخفي بولوارتي حرصها على تحقيق المطلب الشعبي بتقديم موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية، على أمل تهدئة الأوضاع واستئناف مرحلة انتخابية مكتملة، لكن البرلمان قام برفض هذا المطلب في خمس مناسبات متتالية منذ عزل الرئيس السابق كاستيو في نهاية السنة الماضية. ويقول بعض المحللين إن بولوارتي تجهر برغبتها في إجراء انتخابات مبكرة، لكنها مستفيدة من رفض البرلمان الحالي لتحقيق ذلك، لأن إجراء انتخابات مبكرة يعني عزلها من الرئاسة لا محالة.

بلد لا يعرف الاستقرار

يُمكن القول إن البيرو، على بساطة مكانتها الاقتصادية بين دول أمريكا الجنوبية، هي دولة لا تعرف الهدوء على المستوى السياسي، فقد تداول البلاد في السنوات الخمس الأخيرة خمسة رؤساء، بمعدل رئيس كل سنة. أمّا برلمانها الذي يضم 130 مقعدا فلم يذق طعم الأغلبية في العقدين الأخيرين، وتتوزع المقاعد في البرلمان الحالي بين أكثر من عشر قوى سياسية، من دون حساب المستقلّين، وهو ما يضطر كلّ تصويت إلى الخضوع لمفاوضات وتحالفات تتغير حسب الموضوع.

المصدر : الجزيرة مباشر